المخا.. انطباعات زائر في الطريق من الريف إلى المدينة

المخا تهامة - Tuesday 14 July 2020 الساعة 10:40 am
المخا، نيوزيمن، إسماعيل القاضي:

الساعة التاسعة صباحا أقف ناظرا إلى سيارة قادمة لعلي أجد مقعدا شاغرا لراكب فيها، المكان مكتظ ومزدحم بالشاحنات والناقلات العملاقة وقليل من سيارات الأجرة.

الشمس تحوم واعدة بيوم صيفي حار فنحن في شهر 7 تموز وهو ذروة الرطوبة في هذه المناطق التابعة لمديرية المخا، يقول الأهالي إنها تعمل على تحضير بلح المناصف بالزهاري وبعض التمور الساحلية، وما علاقتنا بالتمور والنخيل.

أوقفت شاحنة صيد.. النجيبة، رد السائق بإشارة باتجاه خط فرعي رددت على الفور المخا! معك، قبل السائق وركبت بجانبه تحدثنا عن الأسماك والخط الفرعي ومخاطرها، فقال افضل أن يكون لي رفيق في هذه الطريق ليس من الناهبين لكن ليمر الوقت بالحديث. 

خط فرعي متلو كأنه أمعاء خروف، مررنا بقرى كثيرة في صحراء قاحلة، ماذا يصنع هؤلاء السكان هنا، لا ماء، ولا حياة ولا أي مظهر من مقوماتها، لنفترض انهم يرعون أغناما فالقرية قاحلة كوجه عجوز طاعنة في السن.

شتائم السائق للشاحنات لا تحصى، بسبب ما قال انهم عملوا على تخريب الطريق بعد أن كانت سالكة، أما الان فأصبحت محفرة نتيجة الشاحنات الثقيلة التي تمر عليها.

استوقفنا أطفال بؤساء كانوا أربعة ولدين وفتاتين، عليهم آثار الحسرة، لعدم تمكنهم من الحصول على أقراص الروتي من الفرن الذي تموله بيت هائل سعيد أنعم ويوزع الروتي مجاناً لتلك القرى، حوالي عشرة أكياس من الدقيق يومياً يتم صناعة الخبز وتوزيعه من الفجر حتى مطلع الشمس، لا يعرف الأطفال من يمولهم بالروتي سوى المكان واسمه "الفرم" كل شخص بيده كيس يملؤه ويعود إلى منزله وهذا ما يهمه.

تأخر الأربعة عن الموعد ولم يجلبوا الروتي لاهلهم، سيتعرضون للتوبيخ وهذا ما كان يبدو على ملامحهم، طفلة في ربيعها الثاني عشر كانت تقود المجموعة، يغزو مرض جلدي وجهها، تاركا أثرا على خديها الأسمرين بعلامات دائرية.

وصلوا القرية المجاورة للخط ونزلوا، سائق الشاحنة وزع عليهم ما جادت به نفسه، ليرمم نفوسهم المجهدة بقطع المسافة وحسرتهم من عدم تمكنهم من جلب الخبز لأسرهم.

اقتربنا من الخط الإسفلتي الساحلي كانت الساعة تقترب من العاشرة، وكانت سماعة الشاحنة تصدح باليافعي واغان شعبية يمنية، يدندن السائق خلفها وادندن أنا بما أعرف من أغان، لم اتكلف عن سؤال السائق ما اسمه؟ ومن أين؟ اكتفي بحديثه عن الصيد وغلائه هذه الأيام، حدثني عن ليلة مقمرة ضل الطريق وصارع فيها حتى الصباح.. رددت عليه (المغوي) وهو مثل من يضل الطريق يتعذر بأن المغوي كان هو السبب في ذلك، وهي أسطورة قديمة يرددها الكبار عندما يفقدون تركيزهم ويضلون الطريق. 

وصلنا يختل حيث كان الصيف في ذروته ونخيل الزهاري تسابق الزمن لجني ثمارها، وقد انتشر البلح المسمى مناصف وخضاري في الأسواق، في انتظار النخيل الأخرى ليكتمل الصيف ذروته. 

وصلنا المخا ذهبت الشاحنة تجر ثلاجة الصيد، إلى مصنع الثلج، وانا جرَّيت خلفي شنطة بائسة يسكنها قمقم وبعض اغراضي الشخصية، طالما حلمت بها في اروقة الكلية اصبحت الان بهذا البؤس! تسامحت منها اعتذر كثيراً منك أيتها الرفيقة.

أكملت طريقي إلى المقوات كانت بحوزتي بضع مئات جلبت بها بعضا من أعواد القات وخرجت، تتصارع في ذهني ثيران إسبانية ذات قرون كبيرة في مشهد يجسد حياة البؤساء وحياتي، وحياة الناس الآخرين، الإنسانية لدى كثير منا اصبحت شعورا ثقيلا علينا، ماذا سنقدم لهؤلاء الفقراء..؟