طارق مع كل الناس في “تهامة”.. حياة وحرب

تقارير - Saturday 10 July 2021 الساعة 05:39 pm
نيوزيمن، كتب/ عبدالسلام القيسي:

في كل زياراتي الى مدن الساحل الغربي أجد قبالتي اسم طارق دون أن تكتبه سنة قلم وأن تلونه فرشاة وما ألمسه أن الناس هنا كل الناس يلهجون باسمه، وان كان الغالب يحبه فقلة من يكرهونه، والأهم ان اسم طارق الوحيد الذي يتردد في جنبات هذه السواحل.

يسألني أحدهم، من شباب الجمعة، هل لقيت العميد طارق وجهاً لوجه؟ أي نعم. يكاد الرجل أن يصفعني، من شدة تكذيبه لقولي، وهل أنت أنت يعني أنت لقيت العميد طارق! من حبه للعميد طارق يراه أعلى بشكل لا يمكن لأحد أن يلتقي به وانه أجل من أن يراه أحد، أو يحييه.

في حيس، يحدثني أحدهم، لقبه حمنة، وأصوله تعود الى شرعب الرونة، لكنه أصبح مذ لا يذكر جده من ابناء حيس، أنه حضر التأبين السنوي للشهيد صالح ورفيقه الزوكا بذكرى 2 ديسمبر في المخا؛ وكل أحلامه رؤية العميد.

لماذا لم يأتِ؟ 

لأنه يحبكم.

يردف قائلاً: لأنه يحبنا! لو انه يحبنا لكان أتى! 

شرحت له الوضع، نعم يحبكم، يستعد الكهنوت الحوثي أن يقامر بكل الناس وهم بالآلاف من الذين حضروا التأبين من عموم مديريات الساحل الغربي بصاروخ أو بثلاثة أو بعشرة لاصطياد العميد طارق، ولذا محبة فيكم غاب عن الذكرى، ولن يقامر بالآلاف من أجل نزوة الظهور الاعلامي، ولو أتى بخطف البصر كما تقول فهو سينجو وهناك احتمال نموت نحن!

فغر الرجل فاه، كمن يعتذر بملامحه، عن خطيئته، وقال: الآن عرفت لماذا! كنت اسأل نفسي لماذا حضر كل الناس ولم يحضر طارق.

في التحيتا، غادرت المكان الذي نحن فيه ليلاً؛ لأكتب كلمة في الفيسبوك، ادمانه قاتل، وخرجت من حارة المضيف الى بداية الشارع أبحث عن شبكة واي فاي وتجاذبت الحديث مع شاب وطفل أمام بيتهما، سألني الطفل في العاشرة، هل أنت تبع الطوارق؟ نعم، كيف عرفت؟ قالوا لنا بالعصر إنكم في منزل الأهيف وأن الطوارق جاءوا وقلت لأنك غريب منهم.

أعجبتني بديهية الطفل، فتكلمنا ومر أحدهم ولم يبلغ الحلم بعد، السادسة عشرة، بيده قات وأغراض المقيل ليلاً وبنشوة ما قبل القات، ثم تقدم نحوي وأنا قاعد وأدنى رأسه ومد يديه لتحيتي وبادرني كمن يعرفني من زمن: اشتي اسلم على العميد طارق، قلت له: ايش دخلني؟

أجاب: رأيتكم وأنتم في ملعب الكرة، بالعصر.

قال كلمته ومشى، لا اعرف اسمه حتى الآن، لا أتذكر وجهه، ولكنني أحفظ صوته جيد جداً.

وفي الدريهمي، كان بجانبي في المقيل، شاب بمقتبل العمر، قال لي وفيه لمسة معرفة، الناس كلهم والقادة مروا من هنا، قالها بلغته، وجود طارق عفاش، وجوده فقط أوجد للساحل التهامي صيتا. تحدث الرجل بحقيقة كبيرة لا يقولها الا الكبار في العلم، كتبت عن هذه الفقرة عشرات المرات، منذ سنتين، وسألته: لماذا تقول طارق عفاش! وحدهم الجبناء وأذيال الكهنوت يدعونه بطارق عفاش! ألجمني بجوابه: أنا سمعت علي عبدالله صالح وهو يفتخر بقوله انا علي عبدالله صالح عفاش، يفتخر بنفسه.

أحرجني الرجل، أيما إحراج، فالفذلكة التي نجيدها توقعنا كل مرة في الفخ، يحدث كل مرة أن يصفعك أحدهم بجواب لا اكثر، فقلت له: قل ما شئت، يا زوربا التهامي، فقال لي ومن هو زوربا؟ قصة طويلة سنتحدث بشأنها ذات يوم، ففي كل بلد زوربا، خزن يا صديقي.

أما في اللواء الثاني، من شدة الحر، قلت للجندي ممشوق الرجولة، البزة في هذا الحر تقتلك، هل من الضروري لبسها؟ رد الجندي: لا يليق برجال بو عفاش أن يلبسوا الزنان وهم يقاتلون عيال الخميني، بو عفاش يعيش ببزته.

كانت هذه الصفعة الثانية لي، نحن عيال المكيفات أرواحنا خملت، كيف لنا ان نتحدث مع هؤلاء رجال الحرب والحر وأن نعتقد فيهم ليونة طبع، وخمول الصحفي، وقلة حيلة مثلنا نحن الذين نقاتل الحر كلما خرجنا كي نزورهم!

يسألني صديقي الموزعي الذي ضمن شباب المراكز الصيفية في المخاء: هل سيأتي العميد طارق كي يزورنا؟ لا اعتقد، فرد بأسف: خسارة.

كنا في قرية الشجيرة بالدريهمي، اخذ الفنان عوده، بدأ بالعزف، على طارق، بلون تهامي لا مثيل له، ففاضت مشاعري وكدت أبكي، قلت في نفسي لنفسي: أهذا هو الرجل نفسه الذي غادر صنعاء وحيدا بعد ان خسر معركته من يلهج الناس باسمه، ويغني التهامي عنه وله!

وتهت أستعيد صور ديسمبر، ثم تخيلتني شريط زمني، من الثنية الى مقيلي بالشجيرة.

الحكاية، هنا، كل الحكاية طارق، لا استطيع الكذب والقول كل الناس يحبونه، ليس منزها عن ذلك ولكن ظروفه ومعركته وقرب وجوده هنا يرسم طارق في الساحل الغربي ولكأنه من البلاد هذه، ثم يخبرني نبيل الصوفي ان العميد طارق تربى جنديا أول عمره في هذا الساحل.

ميزة طارق، ميزته وحده، انه يتعامل في الساحل الغربي كمجتمع وتاريخ وعراقة وانسان له هويته وثقافته وخياراته فيما كل الجماعات التي يسقط لعابها على الساحل الغربي يتعاملون معه كموانئ ومنافذ وبحر ومنه يمر العالم، تعامل لا منطقي، مصلحجي.

أما طارق فهو يمتزج ويمتزجون به؛ الى القمة.


انسان مع كل الناس، حرب وحياة وحب.