"الإخوان" وتركيا.. ما الذي يجري في أنقرة؟

العالم - Saturday 04 September 2021 الساعة 06:00 pm
نيوزيمن، اندبندنت:

أفادت وسائل إعلام عربية أن أنقرة منعت المتورطين في قتل النائب العام المصري هشام بركات من مغادرة البلاد، وفرضت قيوداً جديدة على اثنين من المطلوبين الدوليين وهما يحيى موسى، المسؤول عن تخطيط عملية اغتيال النائب العام وغيرها من العمليات الإرهابية، وعلاء السماحي، القيادي في حركة حسم الإرهابية.

ووفقاً لمصادر تحدثت لقناة "العربية"، فإن تنظيم "الإخوان المسلمين" أغلق عدداً من مراكزه في تركيا منذ أسبوع، بناء على أمر مباشر بالإغلاق من السلطات التركية، كما أخلى مقاره في مدينة إسطنبول. تأتي هذه التقارير في أعقاب إعلان وزارة الخارجية المصرية عن زيارة نائب وزير الخارجية المصري حمدي لوزا إلى أنقرة الأسبوع المقبل، وهي الزيارة الرسمية الأولى لوفد مصري إلى تركيا منذ التوترات عام 2013.

وقالت الخارجية المصرية في بيان، الثلاثاء، "استجابة للدعوة المقدمة من وزارة الخارجية التركية، يزور السفير حمدي لوزا نائب وزير الخارجية أنقرة يومي 7 و8 سبتمبر (أيلول) 2021، لإجراء الجولة الثانية من المحادثات الاستكشافية بين البلدين".

تسليم الإخوان الهاربين

ويبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عازم على مواصلة خطواته نحو التقارب مع القاهرة بعد قطيعة وتوترات استمرت لسنوات عديدة متخذاً مزيداً من الخطوات نحو التهدئة. ومع ذلك ليس من الواضح ما هي الخطوات الفعلية التي أجرتها أنقرة حيال الإخوان الموجودين على أراضيها، ولم يرد القائم بأعمال المرشد العام لتنظيم الإخوان المسلمين إبراهيم منير، المقيم في بريطانيا، على طلب "اندبندنت عربية" بالتعليق. 

واختلف المراقبون عما إذا كانت أنقرة تنوي تسليم بعض العناصر المطلوبة والصادر بحقها أحكام قضائية في مصر. وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، حسن نافعة، في تصريح خاص، "إن تركيا لن تقطع علاقتها بتنظيم الإخوان، ولكنها ربما تتعاون مع مصر في تسليم المتورطين في جرائم والصادر بحقهم أحكام منصفة". مستبعداً تسليم عناصر الجماعة المقيمين في تركيا على الأقل في الوقت الحاضر.

ويرى منير أديب، الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، أن ما حدث في تركيا من إغلاق مقار للإخوان أو منع خروج بعض العناصر والمتعاطفين معهم مثل معتز مطر ومحمد ناصر، يأتي في سياق التقارب المصري - التركي، مشيراً إلى أن "كل المؤشرات تقول إنه قد يتم تسليم هؤلاء لمصر لمحاكمتهم أمام القضاء المصري أو يتم تنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم في القضايا المتعلقة بالإرهاب". ومع ذلك يستبعد أديب أن تتم أي عملية تسليم قبل الجولة الثانية من المحادثات الاستكشافية أو في أي وقت قريب، مشيراً إلى أن "أي شيء من هذا القبيل سيتم بطريقة تحفظ ماء الوجه لتركيا. فربما يمد الأمن التركي نظيره المصري بمعلومات عن تحركات أولئك المتطرفين أو أن يتم تسليمهم عن طريق إحدى الدول الأوروبية" إذ إن بعضهم يوجد على قائمة الإنتربول مثل موسى والسماحي. 

في يناير (كانون الثاني) أدرجت الولايات المتحدة القيادي الإخواني مؤسس حركة "حسم"، يحيى السيد إبراهيم الملقب بـ"يحيى موسى"، والقيادي في الحركة علاء علي محمد الملقب بـ"علاء السماحي" على قوائم الإرهاب.

وذكر بيان الخارجية الأميركية، وقتها، أن بعض قادة حركة "حسم" كانوا يرتبطون في السابق بتنظيم الإخوان المصري، وأن الحركة أعلنت مسؤوليتها عن اغتيال الضابط في جهاز الأمن الوطني المصري إبراهيم عزازي ومحاولة اغتيال مفتي الجمهورية السابق علي جمعة. كما أعلنت مسؤوليتها عن هجوم 30 سبتمبر 2017 على سفارة ميانمار في القاهرة، وفي أغسطس (آب) 2019، فجرت الحركة سيارة مفخخة خارج مستشفى معهد الأورام وسط القاهرة، مما أسفر عن مقتل 20 شخصاً على الأقل وإصابة العشرات.

وقبل أشهر وبالتزامن مع التقارب التركي نحو القاهرة، ذكرت تقارير صحافية أن كلاً من موسى والسماحي فرا خارج تركيا، وهو ما لم يتأكد بعد. غير أن أديب يستبعد سماح السلطات التركية لعناصر الإخوان بالفرار خارج أراضيها حتى لا يفقدوا "ورقة مساومة" مهمة في مساعيهم للتقارب مع مصر.

مساع متواصلة للتقارب

وسط عزلة إقليمية ألمت بمصالحها، تُجري الحكومة التركية تحركات واسعة للتصالح مع مصر بعد نحو ثماني سنوات من العلاقات المتدهورة في أعقاب سقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين في يوليو (تموز) 2013، وإيواء أنقرة لعدد من عناصر الجماعة المصنفة إرهابية في مصر. 

وفي مارس (آذار) الماضي، أعلنت تركيا استئناف اتصالاتها الدبلوماسية مع مصر، واتخذت عدة خطوات بينها الضغط على قنوات الإخوان التي تبث من تركيا، ووجهت إلى تخفيف النبرة التحريضية التي تتخذها هذه القنوات تجاه القاهرة.

وبعد سلسلة من التصريحات التركية الودية في شأن عودة العلاقات مع مصر، تحدث وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو هاتفياً مع نظيره المصري سامح شكري، بهدف "تبادل التهاني بحلول شهر رمضان"، بحسب ما جاء في بيان الخارجية التركية. وكان اتصال أوغلو - شكري، المباشر الأول على مستوى رفيع بين مسؤولي البلدين منذ خفض العلاقات لمستوى القائم بالأعمال في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013.

وفي 14 أبريل (نيسان) الماضي، أعلن زير الخارجية التركي "بدء مرحلة جديدة ستشهدها علاقات البلدين"، مشيراً إلى أنه ستكون هناك "زيارات ومباحثات متبادلة في هذا الإطار"، وهو ما أثمر عن أول لقاء من المحادثات الاستكشافية بين الطرفين، في القاهرة، في مايو (أيار) الماضي.

توقف المحادثات

توقفت المحادثات لعدة أشهر إثر ما اعتبرته مصر عدم "التزام تركيا بتعهداتها"، إضافة إلى تصريحات حادة أدلى بها ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي تجاه مصر بعد تأييد محكمة مصرية حكم الإعدام بحق 12 متهماً، بينهم قيادات من تنظيم الإخوان، لتكون أحكاماً نهائية واجبة النفاذ ضمن قضية "اعتصام رابعة العدوية" التي يعود تاريخها إلى عام 2013، وهو ما أثار حفيظة واستياء الأوساط السياسية المصرية وعكس عودة مباحثات التقارب بين البلدين إلى المربع صفر.

 وفي أواخر يونيو (حزيران) الماضي، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري، في حديث تلفزيوني. "إنه لا يوجد أي موعد محدد لاستئناف اللقاءات الاستكشافية بين الطرفين، من أجل إعادة العلاقات المتبادلة"، مرجعاً الأمر إلى "تحفظ مصر على بعض السياسات التركية في عدد من الملفات، لا سيما الملف الليبي".

وتتمسك القاهرة بخروج أنقرة غير المشروط من الأراضي الليبية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، والالتزام بمبادئ حسن الجوار مع دول المنطقة. ففي صيف 2020 بدا الأمر كما لو أن "الحرب الباردة" بين القاهرة وأنقرة يمكن أن تتحول إلى صدام مسلح بعدما لوح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتدخل العسكري في ليبيا لدعم قوات الشرق في مواجهة الغرب الليبي المدعوم عسكرياً من تركيا قائلاً بوضوح "سرت - الجفرة" خط أحمر.

وتتركز الخلافات الرئيسة بين البلدين، على التباينات بينهما في دعم طرفي الصراع في ليبيا، والموقف من احتياطيات الغاز الطبيعي شرق البحر المتوسط، حيث الخلاف حول ما يسمى "المنطقة الاقتصادية الخالصة لدول المنطقة"، فضلاً عن معارضة أنقرة إطاحة الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان، التي تصنفها القاهرة "إرهابية"، ما أدى إلى توتر العلاقات السياسية بين البلدين، في حين استمرت العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما بشكل طبيعي.

مناخ عام من التهدئة

لكن طوال الأسابيع الماضية، واصلت أنقرة مغازلة القاهرة وسط مناخ عام من التهدئة في المنطقة شمل عودة العلاقات بين مصر وقطر وزيارة مسؤول إماراتي رفيع لأنقرة. وأخيراً أعلنت القاهرة الجولة الثانية من المحادثات التي لا تزال تصفها بـ"الاستكشافية".

ويقول نافعة، "إن المحادثات، في حين أنها تنطوي على مستوى منخفض من التمثيل الدبلوماسي، حيث تقتصر على نواب وزراء خارجية البلدين، غير أن عقد الجلسة الثانية يشير إلى مرحلة من الانفتاح والتعاون نحو استكشاف آفاق المستقبل بين البلدين". مضيفاً "أنها لن تنتقل إلى مستوى أعلى سوى بعد إزالة العقبات التي تعترض طريق التطبيع، فهناك ملفات مفتوحة عدة أهمها غاز شرق المتوسط، وليبيا، والعلاقة مع الإخوان".

ويرى أستاذ العلوم السياسية أن هناك مناخاً من التهدئة في المنطقة، خصوصاً بعد قمة العلا التي استضافتها السعودية، والمصالحات الخليجية مع قطر، والمصالحة بين القاهرة والدوحة، فضلاً عن لقاءات بين مسؤولي تركيا ودول الخليج، قائلاً، "هناك مناخ عام يساعد على إعطاء دفعة للأمام للمصالحة المصرية التركية، وأظن أن هذا حدث بعد الاختراق الذي حققته العلاقات المصرية القطرية خصوصاً بعد اللقاء الذي جمع الرئيس المصري وأمير قطر في بغداد".

لا عودة للعلاقات تلوح في الأفق

وعلى النقيض يستبعد مقال بحثي نشره المعهد الألماني للشؤون الأمنية والدولية، حدوث إعادة كاملة للعلاقات بين مصر وتركيا، على الرغم من أن كلا الجانبين لديه أسباب وجيهة لمتابعة التقارب واستئناف العلاقات الدبلوماسية. ففي ما يتعلق بليبيا، على سبيل المثال، يبدو أن كلا الجانبين مهتم بالترتيب معاً، لكن من غير الواضح كيف سيبدو هذا، إذ إنه من الصعب تخيل أي صفقة كبرى.

يقول المعهد، "بالنسبة لمصر، سيكون من الصعب قبول وجود عسكري تركي طويل الأمد في ليبيا، وعلى الجانب الآخر، فإن الانسحاب الكامل للوحدات التركية من ليبيا سيكون خياراً غير مرجح لأردوغان. كما أنه من غير الواقعي توقع تغيير القاهرة جذرياً في سياسة تحالفاتها في شرق البحر المتوسط لصالح أنقرة، فلا شك أن اليونان وقبرص ومصر ستواصل توسيع علاقاتها".

كما يعتقد خبراء المعهد الألماني، "أن العقبة الرئيسة أمام العودة الكاملة للعلاقات تتمثل في الاختلافات الأيديولوجية للأنظمة الحاكمة"، لافتاً إلى "أنه ليس من المتوقع أن تفقد تركيا في عهد أردوغان دورها كمركز للمعارضة المصرية في الخارج، حتى أن العديد من قادة تنظيم الإخوان حصلوا على جوازات سفر تركية".