شراجة جبل حبشي.. معقل الحصون ومآثر الأمس المنسية

تقارير - Friday 03 February 2023 الساعة 07:38 am
تعز، نيوزيمن، خاص:

على ضفاف عزلة الشراجة بمديرية جبل حبشي غربي تعز، يترنح حصن الوجيه، بشموخ يناطح السحاب، رغم الإهمال الذي حل به منذ عقود في طمس بعض من ملامحه المعمارية الأثرية، ويعتبر حصن الوجيه من أهم الحصون اليمنية في العصر الإسلامي.

وتعود تسمية الحصن بالوجيه نسبة إلى علي بن الوجيه المقرئ، الذي بنى جامع الوجيه وشيد الحصن على قمة الجبل، هو ضمن سلسلة الحصون التي استخدمت خلال العصر الإسلامي كمعاقل دفاعية، وكان قد شيد هذا الحصن وسوره على قمة عالية يرتفع  عن منسوب سطح البحر بنحو 1890مترا.

ويتم الوصول إلى حصن الوجيه عبر طريق متعرجة المسار مرصوفة بالحجارة، والتي كانت تستخدم مصعدًا للخيول إلى رأس الحصن، يبلغ ارتفاع الجبل الذي يقع عليه ما يقارب 1000 متر تقريبا، وفي الجانب الشمالي للحصن تتواجد ثلاث برك كبيرة للمياه.

وعلى الجانب الشمالي الشرقي زود الحصن ببرج للحراسة يحمل الشكل الدائري.

أما من الاتجاه الغربي للحصن يوجد نفق سري يصل إلى أسفل الجبل، لكن سيول الأمطار الموسمية أخفت معالمه، وعلى جوانب الحصن يوجد أيضاً بقايا من جدران لمبانٍ سكنية ومدافن كانت تستخدم لتخزين الحبوب محفورة في الصخور، إضافة إلى بقايا خزانات حجر للمياه مبنية بالحجارة ومطلية بالقضاض.

لكن الإهمال الذي حل به وعدم الاهتمام به اندثرت معالمه التاريخية، ولم يتبقَ منه سوى بعض من آثاره التي لا تزول، كصـهاريج الميـاه وحاجز جداري في أسفل الحصن يعرف باسم سد الوجيه، والذي يتكون من تسع نعال وهي عبارة عن جدران مزدوجة البناء، وذلك لتقويته في صد مياه الأمطار والسيول التي تتدفق إليه، أما عن الهيكل الداخلي للسد نقشت عليه آيات قرآنية وبحروف غير منقطة، مما يدلل على أنها أنشئت مع بدء ظهور الإسلام.

 ويبعد سد الوجيه عن الحصن بثلث كيلو تقريباً، وتم إنشاء السد من الأحجار مغطاة بالقضاض ودعمت الجدران بجسور حجرية من الخارج، وزود السد بفتحتين من الجهة الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية لتصريف المياه، ويتم تزويد السد بالمياه من خلال ساقية وممرات منحوتة في الجبل ومبنية بالأحجار مطلية بمادة النور والجص.

معالم سياحية مهددة بالزوال

وبحسب الشيخ منصر سفيان البريهي، شيخ منطقة عرشان التي يقع فيها الحصن، فإنه ومنذ وقت قريب أي قبل الحرب، كان الحصن يشهد زوارا بشكل كبير، لكن الحرب والإهمال المتواصل من قبل الجهات المعنية، جعل ملامح الحصن مهددة بالاندثار.

ويضيف الشيخ منصر ل"نيوزيمن"، إن سد الوجيه كان يمثل وجهة سياحية للعديد من المناطق المجاورة والبعيدة، حيث يأتون إلى شلال "الركب" والذي يجري طوال العام، إضافة إلى المسابقات السباحية، والاستفادة منه في عملية الري للوديان المجاورة للسد، وكان قديمًا يطلق عليه وادي ظل، ويزرع فيه: الجوافة والمانجو والباباي وبإمكاننا زراعة البن لو كان هناك دعم للمواطنين.

وبالقرب من حصن الوجيه يقع جامع ابن المقرئ والذي شيد في عهد الدولة الرسولية من قبل إحدى بنات إسماعيل المقرئ، وبشكل مستطيل تم بناء المسجد بالحجارة والقضاض، وتغطيه ست قباب ترتكز على أعمدة ضخمة تحمل عقوداً نصف دائريـة، وعلى الجانب الأيسر من الداخل توجد بركة للمياه مبطنة بالحجارة، لكن هذه المعالم طمرتها السيول وتسببت في تهديم ثلاث قباب من الجامع. 

 ويعود سبب اختيار هذا المكان لتوفر منبع مياه طيلة السنة، وخصوبة الأرض الزراعية في المنطقة، إضافة إلى التضاريس الجبلية والحصانة الطبيعية والتي تشرف على المنطقة السهلية الممتدة من وادي بني خولان شرقاً وحتى الكدحة غرباً والمناطق المحيطة بها من الشمال والجنوب.

وفي منطقة الرحبة جنوب غربي عزلة الشراجة يوجد حصن آخر، يطلق عليه "حصن الدرب"، ذات الموقع الاستراتيجي الهام من الناحية العسكرية، ويعود تاريخ تشييد حصن الدرب إلى العصر الإسلامي، لما عليه من عبارات مكتوبة وغير منقطة. 

وقد استخدمت مليشيات الحوثي حصن الدرب مقرا لقيادتها العسكرية قبل تحرير جبهة الكدحة، نظرا للتحصين القوي الذي يغلف الحصن الذي يتواجد أعلى جبل الدرب المطل على مساحات واسعة في المعافر وجبل جبشي.

وبين حصني الوجيه والدرب يتموضع حصن نعمان على رأس جبل نعمان السامق والذي يطل على الجهة الغربية ويحكم اتجاه العيار -البرح ويشرف على قلب عزلة الشراجة وصولا إلى مثلث البيرين، المثلث الذي يربط جبل حبشي والمعافر وشمالا مناطق المواسط وصولا إلى المسراخ ومنها إلى تعز.

وعلى الجهة الشمالية من حصن الدرب يوجد ضريح الشيخ جابر، والذي يتكون من بناء مربع الشكل تغطيه قبة كبيرة ترتكز بواسطة حنايا ركنية وعقود نصف دائرية، ويضم المكان أيضاً عدة أضرحة أهمها: "ضريح الشيخ جابر"، و"ضريح الشيخ عبد الرحيم"، وهم من الصالحين الذين كانوا يعلمون الناس بأصول الدين وعلوم القرآن خلال فترات العصر الإسلامي.

وكانت تعتبر تلك الأضرحة قديمًا مزارات دينية يتوافد الناس إليها، ويقام بجانبها سوق سنوي، ما تزال جدران مبنى ضريح "الشيخ جابر" قائمة ولكن القبة تحتاج إلى ترميم عاجل يحميها من الانهيار.

وتعتبر عزلة الشراجة الواقعة في جبل حبشي غربي تعز، إحدى المناطق الغنية بالآثار والمعالم التاريخية، فالعزلة مليئة بالشواهد والمعالم الأثرية، لكن الإهمال الذي حل بها والعبث من قبل الباحثين عن الكنوز والآثار جعل مخزونها الأثري يتهاوى يومًا بعد آخر.