دراسة أمريكية تتناول بالتفصيل خيارات الردع السعودية ضد إيران (ترجمة)

تقارير - Monday 28 August 2023 الساعة 08:28 am
نيوزيمن، ترجمة خاصة:

صدرت، مؤخراً، دراسة أمريكية مطولة تناولت التطور الراهن للعلاقات السعودية الإيرانية، مركزة بصورة أساسية على الخيارات المتاحة أمام المملكة العربية السعودية لردع التهديدات الأمنية من قبل إيران وأذرعها في المنطقة العربية، خاصة جماعة الحوثي في اليمن.

وتطرقت الدراسة، الصادرة الأحد 27 أغسطس الجاري، عن معهد الشرق الأوسط للدراسات وتحليل السياسات، وترجمها "نيوزيمن"، إلى نقاط رئيسية عدة تمثل التحديات والخيارات أمام التنمية الاقتصادية وتأمين تنفيذها عبر رؤية 2030. حيث قال كاتب الدراسة بلال صعب، إنه من بين جميع التحديات التي تواجه الرؤية السعودية 2030، قد لا يكون هناك ما هو أكبر من تهديد إيران للأمن القومي السعودي. ولتحقيق النجاح، يجب على المملكة العربية السعودية ليس فقط تعزيز دفاعاتها ضد المزيد من الهجمات الإيرانية والحوثية، ولكن أيضًا إنشاء مستوى من الردع ضد طهران.

وأضاف، إنه أمام الرياض ثلاثة خيارات ردع رئيسية، لا يستبعد بعضها بعضاً: 1) الدبلوماسية؛ 2) الحماية الخارجية. و3) قدرات عسكرية أكثر فعالية.

وأشارت الدراسة إلى أن الخيار الدبلوماسي يظل منقوصاً إلى حد كبير بسبب التناقض العميق في تصورات التهديد والأهداف بين المملكة العربية السعودية وإيران. ومع ذلك، ربما تكون الدبلوماسية هي أفضل رهان للرياض في الوقت الحاضر للحفاظ على الهدوء وتحقيق الردع.

وذكرت أنه يمكن للسعودية الحصول على ضمانات أمنية رسمية من حليف خارجي لمنع إيران من مهاجمتها مرة أخرى. والمرشحان اللذان يمكن أن يلعبا هذا الدور هما الولايات المتحدة وربما الصين. ومع ذلك، فإن فرص المملكة العربية السعودية في تأمين اتفاق دفاعي رسمي من الصين أو الولايات المتحدة ليست جيدة، على الرغم من زيادة احتمال تعزيز التعاون الأمني مع الولايات المتحدة.

وأشارت الدراسة إلى أنه من أجل الحفاظ على السلام على المدى الطويل، يجب على المملكة العربية السعودية تطوير قدرات عسكرية أكثر فعالية، ووصفت تصميم الرياض على تعزيز موقفها الرادع من خلال تطوير قدرات الصواريخ الباليستية بأنه محفوف بالمخاطر.

ولفتت إلى أن واشنطن قد لا تكون قادرة على منع المملكة العربية السعودية من توسيع نفوذها والحصول على صواريخ باليستية أكثر قوة، ولكن من خلال نهج جديد تمامًا للتعاون العسكري، يمكن أن تساعد الرياض على تطوير قدراتها العسكرية الأخرى.

الأمن هو الهدف الأسمى

أفادت الدراسة بأن الأمن جزء لا يتجزأ من إعادة الهيكلة الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، وخاصة على هذا النطاق الضخم. وفي حال تعرضت المملكة لضربة تقليدية كبيرة أخرى، مثل تلك التي وقعت في سبتمبر 2019، عندما أطلقت إيران 25 طائرة بدون طيار وصواريخ كروز ضد منشآت معالجة النفط السعودية. 

وأضافت إن تقديرات السعودية اعتبرت استيلاء الحوثيين على السلطة يمثل تهديدًا أكثر خطورة على أمنها القومي نظرًا لروابط الميليشيا الحوثية المباشرة والمتنامية مع إيران، حيث تقوم الأخيرة بتسليح الحوثيين بأسلحة متطورة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار والصواريخ، وفي المقابل، يسمح الحوثيون لإيران بتوسيع نفوذها في البحر الأحمر، وهو رابط حيوي في شبكة من الممرات المائية العالمية ذات أهمية كبيرة للاقتصاد العالمي.

وبعد أن رأت السعودية كيف قامت طهران بإضفاء الطابع المؤسسي على نفوذها في أماكن مثل لبنان والعراق من خلال وكلاء محليين، خشيت السعودية من وجود موقع إيراني مماثل في الجوار. ولمنع حدوث ذلك، شن الأمير محمد بن سلمان حربًا ضد الحوثيين، في البداية بمساعدة تحالف عربي من الشرق الأوسط وأجزاء من شمال إفريقيا، لكن مع استمرار سيطرة الحوثيين على الجزء الأكبر من المرتفعات الشمالية في اليمن وكذلك العاصمة صنعاء، أدى الجمود العسكري المضر بالطرفين بين الحوثيين والقوات اليمنية المدعومة من السعودية إلى هدنة في أبريل 2022 برعاية الأمم المتحدة. وبينما انتهى الاتفاق في أكتوبر 2022 بعد تمديده مرتين، إلا أن وقف إطلاق النار صمد إلى حد كبير. ومع ذلك، وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الحوثيون يمتلكون أسلحتهم الثقيلة، مما يعني أنهم لا يزالون يشكلون تهديدًا أمنيًا للمملكة العربية السعودية.

الدبلوماسية

أشارت الدراسة إلى أن الردع من خلال الدبلوماسية مفهوم قديم في تاريخ الحروب بين الأمم، وهي أداة أقل تكلفة بكثير من الحرب، وإذا تم استخدامها بشكل صحيح، فمن الممكن أن تكون فعالة للغاية. وقالت إن أبحاث الخبراء في العلاقات الدولية تشير إلى أنه يمكن تحقيق الردع من خلال نقل المعلومات التي تفيد بأن الدولة مستعدة للقتال حول قضية أو قضايا متنازع عليها.

واستشهدت الدراسة بديناميكية الحرب بين مصر وإسرائيل في سبعينيات القرن العشرين عندما أدرك الرئيس المصري أنور السادات أن مواجهة التهديد الأمني الذي تمثله إسرائيل واستعادة شبه جزيرة سيناء، لا يمكن تحقيقها من خلال الوسائل العسكرية فقط (ولا من خلال الوساطة الأمريكية وحدها). لذلك ذهب إلى القدس في نوفمبر 1977، والتقى بالقادة الإسرائيليين، وأعلن بجرأة أنه "لا مزيد من الحرب" في الكنيست الإسرائيلي لطمأنة الدولة اليهودية بشأن نوايا مصر السلمية. وتساءل كاتب الدراسة: فهل تتمكن السعودية من تحقيق سلام دائم مع إيران من خلال لفتة تاريخية مثل مبادرة السادات؟ 

وقال، إن إيران قد لا تشعر بالتهديد من القدرات أو النوايا العسكرية السعودية، لكنها قلقة من احتمال أن توفر المملكة العربية السعودية منصة لعمليات عسكرية أمريكية أو إسرائيلية ضد إيران، وبالتالي فإن الاتفاق الدبلوماسي السعودي الإيراني الذي يتضمن التزامًا بعدم السماح للسعوديين باستخدام أراضيهم في عمليات عسكرية يقوم بها طرف ثالث سيكون ذا قيمة بالنسبة للإيرانيين. من ناحية أخرى، تشعر المملكة العربية السعودية بالتهديد من قبل إيران، بسبب الحقيقة البسيطة المتمثلة في أن إيران تمتلك قدرات عسكرية واسعة النطاق استخدمتها بشكل هجومي في سبتمبر 2019، في حين شن ذراعها في اليمن (الحوثيون) مئات الهجمات من اليمن ضد المملكة العربية السعودية.

وأضاف كاتب الدراسة، إن هذا التناقض العميق في تصورات التهديد والأهداف بين المملكة العربية السعودية وإيران لا يؤدي إلى إجراء حوار أمني مثمر. وفي غياب التناسق بشأن القضايا ومستوى معين من الضعف المتبادل، فمن الصعب رؤية اختراقات ذات معنى في الحوار السعودي الإيراني، مشيراً إلى أنه حتى وقت قريب، لم تشارك الرياض في مفاوضات رسمية مع طهران لمعالجة مخاوفها الأمنية، وأن السعودية طالما رأت أن التحدث مع خصم له سجل حافل بالعدوان والنوايا السيئة أمر عقيم. واستشهد كاتب الدراسة بتصريح لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في فبراير 2020 عندما سئل عما إذا كانت المملكة العربية السعودية ستدخل في محادثات مع إيران، حيث قدّم نفس الإجابة التي قدمها العديد من أسلافه: "رسالتنا إلى إيران هي تغيير سلوكها أولاً قبل مناقشة أي شيء. […] وإلى أن نتمكن من الحديث عن المصادر الحقيقية لعدم الاستقرار هذا، فإن الحديث سيكون غير مثمر".

وتابع مستدركاً أنه بينما كانت السعودية تكافح لاحقاً من أجل إنهاء حربها المكلفة في اليمن، وبينما كانت تشاهد الولايات المتحدة تسحب قواتها القتالية من العراق وأفغانستان وتحد من تدخلها العسكري في جميع أنحاء المنطقة، بدأت حسابات المملكة العربية السعودية بشأن المفاوضات مع إيران في التحول.

وتطرق إلى بداية المحادثات بين السعودية وإيران في أبريل 2021، في بغداد حول مجموعة من القضايا، بما في ذلك، على الأخص، دعم طهران العسكري للحوثيين، وكيف توصل الطرفان إلى إعلان تطبيع علاقتيهما الدبلوماسية برعاية الصين في مارس 2023 بعد خمس جولات من المحادثات خلال عامين.

وقال، إنه حتى كتابة هذه السطور، مر أكثر من خمسة أشهر منذ توقيع الاتفاق السعودي الإيراني، لكن لا أحد يعرف ما هي الاتفاقيات، إن وجدت، التي توصلت إليها الرياض وطهران بشأن الأمن. هناك لغة في الاتفاق الثنائي بشأن عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، لكنها عامة وغير ملزمة. 

وفيما يتعلق باليمن، على سبيل المثال، قال الكاتب إنه ليس واضحاً ما إذا كانت إيران ملتزمة قانونياً بوقف عملياتها العسكرية ومساعداتها للحوثيين، على الرغم من أنها وافقت على وقف شحنات الأسلحة السرية إلى الحوثيين كجزء من اتفاقها الدبلوماسي مع المملكة العربية السعودية، لكن في الواقع، لم تفعل ذلك. وأشار إلى تصريح المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ في مايو الماضي، أن إيران واصلت تزويد الحوثيين بالأسلحة والمخدرات. 

وأوضح أن اتفاق هدنة أبريل 2022 يمكن خرقه في أي لحظة إذا قرر الحوثيون توسيع سيطرتهم وهجماتهم الإقليمية، وأن الغموض ما زال يلف قدرة إيران على منع الحوثيين من شن هجمات جديدة ضد أهداف مدنية سعودية.

إن المطلب الأساسي للسعودية من التقارب مع إيران هو وقف المزيد من الهجمات ضد المملكة، سواء بشكل مباشر أو من خلال وكلائها الإقليميين. وإيران، من جانبها، تريد أموالاً من المملكة العربية السعودية للتخفيف من مشكلاتها الاقتصادية العميقة. في الواقع، تسعى إيران إلى الحصول على أموال سعودية وربما عربية خليجية لدعم الاقتصاد الذي كان مصدرًا لاضطرابات اجتماعية واسعة النطاق. كما تريد إيران من السعودية التراجع عن تمويل الشبكات الإعلامية المناهضة لإيران وإعادة حليفها، الرئيس السوري بشار الأسد، إلى جامعة الدول العربية، وهو ما فعلته الرياض.

وفي حين أن إغراء طهران بالتطبيع والاستثمارات الاقتصادية والقبول الدبلوماسي لحكومة الأسد قد يجلب هدوءاً مؤقتاً، فمن غير المرجح أن يغير البيئة الاستراتيجية أو يزيل المخاوف السعودية من إيران. هذه الاستراتيجية السعودية تنم عن الاسترضاء أكثر من الدبلوماسية الفعالة. 

وتابعت الدراسة: هناك أسباب تجعلنا أقل تفاؤلاً بشأن طول أمد الهدوء الحالي بين المملكة العربية السعودية وإيران. فأولاً، من غير المرجح أن تقطع إيران روابطها العسكرية مع الحوثيين، لأن ذلك سيحرمها من موطئ قدم استراتيجي على مضيق باب المندب، وهو ممر بحري عالمي بالغ الأهمية يتحكم في الوصول إلى البحر الأحمر. 

ثانيًا، من غير المرجح أن تتوقف إيران عن الاستيلاء على الناقلات التجارية في مياه الخليج، لأنها ترى أن أفعالها هي رد فعل على قيام الولايات المتحدة أحيانًا بمصادرة شحنات النفط الإيراني. وثالثاً، من المشكوك فيه أن تتوقف إيران عن دعم حلفائها المتشددين في لبنان والعراق، وأن تحترم فجأة سيادة هذين البلدين. وهذا من شأنه أن يتعارض إلى حد كبير مع الأيديولوجية الإيرانية وعقود من ممارسة السياسة الخارجية في العالم العربي. ورابعاً، من المحتمل أن يتصاعد النزاع بين المملكة العربية السعودية والكويت من جهة، وإيران من جهة أخرى، حول حقل الدرة البحري للغاز الطبيعي. وقد قال الكويتيون إنهم والسعوديون يمتلكون حصراً الثروة الطبيعية في منطقة الخليج. "المنطقة المقسمة" البحرية، في حين ادعى الإيرانيون أن لديهم حصة فيها، ووصفوا الاتفاق السعودي الكويتي الموقع العام الماضي لتطويرها بأنه "غير قانوني".

الحماية الخارجية

أفادت الدراسة أن المملكة العربية السعودية ليست غافلة عن حدود الدبلوماسية مع إيران، ولهذا السبب لم تضع كل بيضها في سلة واحدة لتحقيق الردع ضد خصمها اللدود. ويمكن للسعودية الحصول على ضمانات أمنية رسمية من الولايات المتحدة أو الصين.

ولم تتطرق الدراسة إلى الاتفاق المعلن عنه الأسبوع الماضي بين الصين والمملكة العربية السعودية لبناء محطة نووية لصالح الأخيرة. وبالرغم من أن طبيعة المحطة النووية قد تكون لأغراض سلمية لكن حصول السعودية عليها سيسهل عليها الاستفادة منها عسكرياً.

وبينما أفادت الدراسة أن الصين لن تختار بين المملكة العربية السعودية وإيران، لأنها تعتمد عليهما معاً في الحصول على واردات كبيرة من النفط، أشارت إلى أن أمريكا أيضاً قد لا تجازف بمواجهة عسكرية مع إيران لأجل السعودية، رغم وجود إمكانية لصفقة مقايضة بهذا الاتجاه بين أمريكا والسعودية إذا قبلت الأخيرة تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وهو الأمر الذي يمكن أن تحصل بموجبه على ضمانات أمنية رسمية من واشنطن تصل إلى حد الردع الرسمي الموسع والمساعدة في إنشاء برنامج نووي مدني محلي.

قدرات عسكرية أكثر فعالية

وأوضحت الدراسة أنه بغض النظر عن حصول السعودية على الحماية الخارجية اللازمة لأمنها القومي، فليس هناك بديل لبناء قدرات الردع والدفاع عن النفس في الداخل، وهذه هي القاعدة الأولى للبقاء في العلاقات الدولية، وخاصة في البيئات الخطرة مثل الشرق الأوسط، وهو ما تفعله السعودية.

وأضافت، إنه لم يكن أي زعيم سعودي منذ تأسيس المملكة أكثر تصميماً على إصلاح مؤسسة الدفاع السعودية والقوات المسلحة من محمد بن سلمان. وسواء كان سينجح، أو ما إذا كان يقضم أكثر مما يستطيع مضغه، فهذه مسألة منفصلة، ولكن الرؤية والخطة والجهد كلها موجودة.

التحدي الذي يواجه التحول الدفاعي السعودي، مثل أي عملية أخرى من هذا القبيل في أي مكان آخر، هو أنه نظرًا لأنه شامل، فسوف يستغرق الأمر سنوات عدة قبل أن يكون له تأثير ملموس على الدفاع الوطني. فالسعودية لا تشتري معدات عسكرية جديدة فحسب، كما اعتادت أن تفعل، ولكنها تستثمر في القواعد والمعايير والعمليات والإجراءات التي تشكل أساسًا دفاعيًا سليمًا، وهي أشياء لم تكن تفعلها من قبل. كما أن السعوديين اليوم يتعلمون كيفية إنشاء وإدارة أنظمة الموارد البشرية؛ وكيفية أداء الميزانية والمحاسبة بشكل أفضل؛ وكيفية الحد من الهدر والفساد؛ كيفية تشغيل الخدمات اللوجستية؛ كيفية صياغة الاستراتيجيات والعقيدة؛ كيفية إنشاء تسلسل القيادة؛ كيفية التدريب بشكل أكثر فعالية؛ كيفية تعزيز المفاصل؛ كيفية بناء أنظمة الذكاء المهنية؛ كيفية إجراء التخطيط؛ وكيفية القيام بعملية الاستحواذ بشكل صحيح. إنهم يحاولون في الأساس تحقيق المهمة الأكثر صعوبة التي تواجه أي قوة عسكرية طموحة: تحويل ميزانيتهم الدفاعية إلى قوة قتالية حقيقية. وفي الواقع، كما توضح رؤية 2030 بشكل صحيح، فإن كل شيء مترابط. إن بناء جيش سعودي جديد يتطلب بناء مجتمع سعودي جديد واقتصاد سعودي جديد. وهذا باختصار هو ما تدور حوله خطة محمد بن سلمان الكبرى.