عائلة الحوثي تحتكر القرار وتقصي الموالين.. مؤشرات في ضوء تشكيلة وفدها المفاوض

تقارير - Sunday 10 December 2023 الساعة 10:11 pm
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

بينما تكثف المملكة العربية السعودية من جهودها في دفع مفاوضات التسوية السياسية في اليمن نحو التوصل إلى اتفاق بين المليشيا الحوثية ومجلس القيادة الرئاسي، وفي حين يجري المبعوث الأممي إلى اليمن هانس جوندبرج لقاءات مكثفة مع الطرفين ومع الأطراف الإقليمية، تبرز بعض المؤشرات على صعوبة التوصل إلى الاتفاق المنشود في هذه المفاوضات.

أبرز المؤشرات هو ما لفت الانتباه إليه تقرير صادر مؤخراً عن مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، حول اتجاه المليشيا الحوثية إلى تقليص التنوع الديموغرافي داخل وفدها المفاوض.

أوضح التقرير، الصادر في 8 ديسمبر الجاري، أن قائمة أعضاء الوفد الحوثي المفاوض تشير "إلى انحسار التنوع في التمثيل، على عكس ما كانت تحرص عليه الجماعة في السنوات السابقة من إشراك ممثلين عن المؤتمر الشعبي العام وأحزاب سياسية مستقلة أخرى تدّعي الجماعة أنهم حلفاء لها"، إلى جانب حرص الجماعة سابقا على التوازن في التمثيل الجغرافي داخل وفدها، مع ضم ممثلين من محافظات خارج معاقل الحوثيين الرئيسية في شمال اليمن.

وأضاف إن جماعة الحوثي هذه المرة "حصَرت تمثيل الأحزاب أو المناطق أو الحلفاء الآخرين في شخصية رجل واحد –جلال الرويشان– الذي يرى الكثيرون أنه أصبح موالياً للجماعة أكثر من المؤتمر الشعبي العام المحسوب عليه الرويشان أو أي حزب سياسي آخر"، مشيراً إلى أن هذا التحول في موالاة الرويشان للحوثيين حدث بعد الغارة التي استهدفت الصالة الكبرى في صنعاء في أكتوبر 2016 أثناء عزاء والده. 

وقال التقرير، إن التشكيلة الجديدة في وفد التفاوض الحوثي والتي ظهرت في زيارة الوفد إلى الرياض في سبتمبر الماضي، تعكس تراجع حاجة الجماعة إلى ممثلين شكليين، وبأن القرار الحاسم كان دوماً، ولا يزال، بيد أسرة الحوثي، وأن هذا يتضح أكثر عند النظر في خلفيات أعضاء الوفد التفاوضي المنتدب من قبل الحوثيين إلى الرياض.

وأورد التقرير تعريفات موسّعة نسبياً بالأعضاء الستة للوفد الحوثي الحالي، وهم: محمد عبدالسلام، وحسن الكحلاني، وجلال الرويشان، ويحيى الرزامي، وعبدالملك العجري، وحسين العزي. ومن حيث الانتماء الأسري، فجميع أعضاء الوفد من عائلات هاشمية باستثناء عبدالسلام الذي ينتمي إلى عائلة فليتة والرويشان الذي ينتمي إلى قبيلة خولان، إحدى أكبر قبائل اليمن شرقي صنعاء.

وأشار التقرير أيضاً إلى العلاقة المتينة بين محمد عبدالسلام والإيرانيين ومعرفته الوثيقة بقائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي اغتيل في العراق بطائرة درون أمريكية، وأن بقاءه على رأس الوفد التفاوضي مرتبط بقدرته على إثبات أهميته للفريق التفاوضي الحوثي، "ليس فقط بارتباطه الوثيق بالتصور الإيراني تجاه المنطقة، ولكن أيضا بقدرته على فهم جمهوره، وهو ما انعكس في مقابلاته مع وسائل إعلام سعودية حيث ظهر كرجل دبلوماسي حريص على الانخراط في حوار، في حين تعكس مقابلاته مع وسائل الإعلام الإيرانية رغبة في تعزيز ترابط اليمن" مع ما تسمى "قوى محور المقاومة".

كما أشار إلى أن استبعاد عبدالواحد أبو راس من عضوية الوفد الحوثي المفاوض "قد يعطي مؤشرا على حجم التوتر القائم بين الجماعة ورئيس حزب المؤتمر الشعبي العام بصنعاء صادق أمين أبو راس الذي تربطه بعبدالواحد صلة قرابة"، لافتاً إلى أن اختيار حسن الكحلاني لعضوية الوفد التفاوضي الأخير "له صلة كبيرة بارتباطه بالحرس الثوري الإيراني، ومهاراته التفاوضية ودوره المحتمل كحلقة وصل موثوقة مع طهران في حال تطورت المحادثات وانتقلت لمستويات متقدمة".

أما بالنسبة لعبدالملك العجري، فيقول التقرير إنه يُعد "بمثابة النائب لمحمد عبدالسلام"، لافتاً إلى أن هناك معلومات تفيد بأن "عبدالملك الحوثي اختاره ليكون مرافقا دائما لعبدالسلام بهدف تحقيق التوازن بين شخصيات الجماعة، وضمان إدارة ملفات حساسة كالتفاوض والعلاقات الخارجية (ولو جزئياً) من قبل عناصر هاشمية". 

وتابع: "العجري يمنح الفريق التفاوضي عنصراً لا يملكه عبدالسلام الذي يأتي من خلفية علمية زيدية تقليدية ويميل إلى أسلوب الخطابة والمواجهة مع الطرف الآخر، بينما يملك العجري جملة مهارات سياسية مختلفة، وفصاحة تجعله مفهوما للأجانب والباحثين، حيث يجيد استخدام اللغة المناسبة التي تحبذها الجماعة مع الوسط البحثي والسياسي والصحفي".

وقال التقرير، إن جلال الرويشان يحظى في السنوات الأخيرة باهتمام خاص من عبدالملك الحوثي، ومنصبه الحالي كنائب لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن في سلطة الحوثيين، ليس سوى منصب شرفي دون مهام مباشرة. ويُلاحظ في السنوات الأخيرة ارتفاع نبرة جلال الرويشان في تبني المواقف الحوثية بعد أن كان متحفظا في تصريحاته، ويُرجح مصدر مقرب في صنعاء أن علاقة جلال الرويشان بالحوثيين صارت أوثق وارتبط بقسم وعهد مع زعيم الجماعة.

ونقل التقرير عن مصادر وصفها بالمقربة من قيادة مليشيا الحوثي، أن زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي ينتابه الحذر من النفوذ المتنامي لعبدالله الرزامي الذي أصبح يشكل قوة عسكرية موازية داخل الجماعة، ولاحتواء ذلك قام عبدالملك الحوثي بتعيين ابنه يحيى الرزامي في عدة مناصب مرموقة تتطلب اجتماعات لساعات طويلة، وظهورا علنيا، لكنها لا تنطوي في الواقع على مهام ومسؤوليات حقيقية. وأورد، على سبيل المثال، تعيين الحوثي للرزامي الابن في مايو 2022، على رأس فريق اللجنة العسكرية للحوثيين، لكن القرار الفعلي في اللجنة يعود لحسين ضيف الله الذي يرتبط بالجهاز المخابراتي للجماعة ومكتبها الجهادي. كما اختاره عبدالملك الحوثي ليكون على رأس وفد الحجاج الحوثيين هذا العام، الذين سُمح لهم بأداء مناسك الحج لأول مرة، وهي أداور شكلية تُشغله عن مراكمة النفوذ العسكري الذي سبق أن بناه والده وأوكل إليه قيادة المجاميع القبلية المقاتلة الموالية له.

وأخيراً حسين العزي الذي ارتبط والده بعلاقات طيبة مع المملكة العربية السعودية خلال الحرب الأهلية التي أعقبت ثورة 26 سبتمبر 1962، وكان مسؤولاً عن استلام الرواتب والمخصصات المعتمدة من السعودية للأسر الموالية للإمامة حينها. وقد برز نجم حسين العزي داخل مليشيا الحوثي في 2014، حين عمل كمسؤول عن العلاقات السياسية للحوثيين، وكان ممثلا عن الجماعة في توقيع اتفاق السلم والشراكة بعد انقلابهم على السلطة في 2014، وبرز كمعلق سياسي باسم الجماعة على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي عام 2018 تم تعيين العزي نائبا لوزير الخارجية في الحكومة التي شكلها الحوثيون في صنعاء، وأصبح مسؤولا عمليا عن التواصل مع كافة الوفود الرسمية التي تزور صنعاء والمهام البروتوكولية الرسمية تحت سلطة الجماعة.

تشير هذه المعلومات عن التغييرات في تشكيلة الوفد الحوثي إلى النهج الإقصائي الذي تتبعه مليشيا الحوثي وسيطرة عائلة الحوثي على قرار إدارة المناطق الواقعة تحت سيطرتها وكذلك علاقاتها الخارجية.

وتلقي هذه المعلومات بظلال أسئلة كثيرة حول إمكانية تعامل الحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي والأطراف الممثلة فيه، مع جماعة الحوثي في ظل استمرارها في هذا النهج الإقصائي حتى على مستوى الموالين لها خلال السنوات الماضية.