معهد واشنطن: تكاليف مدمرة لبقاء سيطرة الحوثيين على الحديدة (الجزء الأول)

السياسية - Wednesday 16 May 2018 الساعة 08:18 am
نيوزيمن، ترجمة خاصة:

يتكون هذا التقرير من ثلاثة أجزاء حول معركة الحديدة التي تلوح في الأفق بين القوات اليمنية المدعومة من التحالف بقيادة السعودية والحوثيين المدعومين من إيران.

ويركز الجزء الأول على المخاطر الإنسانية والتشغيلية والتصعيدية. بينما ينظر الجزء الثاني (ننشره لاحقاً) في التحديات التشغيلية التي تواجه الجانبين حول الحديدة. ويبحث الجزء الثالث خيارات الحوثيين لتوسيع الحرب في حال دحرهم من البحر.

سيعمل ميناء الحديدة والصليف على معالجة المزيد من الواردات الغذائية بعد طرد الحوثيين منها، ولذا على الولايات المتحدة أن تدعم، بشكل من الأشكال، على تجريد الموانئ التي يسيطر عليها المتردون من السلاح أو تساعد في تحريرها.

في 1 مايو، دعا الممثل الدائم لليمن لدى الأمم المتحدة، خالد اليماني، الأمم المتحدة بتسليم ميناء الحديدة للإشراف الدولي. وجاءت هذه الدعوة في الوقت الذي بدأت فيه القوات اليمنية عمليات هجومية جديدة والتقدم لمسافة 140 كم باتجاه الحديدة من الشمال، بمساعدة من السعودية، و100 كيلومتر من الجنوب، بدعم من الإمارات العربية المتحدة.

أسباب أزمة اليمن الإنسانية

إن المناطق اليمنية التي يحتلها المتمردون الحوثيون - وهي أيضاً أكبر المناطق كثافة في البلاد من حيث عدد السكان - تعاني من أزمة إنسانية حادة. حتى قبل أن تبدأ الحرب في عام 2015، كان اليمن على حافة الانهيار الإنساني، لكن تحليل إحصائيات برنامج الغذاء العالمي لعام 2017 يشير إلى أن الحرب قد استهدفت أكثر من ضعف عدد اليمنيين الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الذي بلغ 17.8 مليون (64٪) من السكان مقابل 31.5 ٪ في عام 2010، بما في ذلك 7 ملايين (25.1 ٪ مقابل 11.8 ٪ في عام 2010) يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد.

وتشمل الأسباب الرئيسة للأزمة انهيار جدول الرواتب الحكومية داخل المناطق التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون منذ عام 2015، وفرضهم ضرائب كبيرة على المواد الغذائية الداخلة إلى مناطقهم، كما هو موثق من قبل فريق خبراء الأمم المتحدة، بالإضافة إلى نقص الغذاء الذي يصل إلى اليمن عبر ميناء الحديدة.

ففي مايو 2016، بلغ ما يستورده ميناء الحديدة 543،782 طنًا متريًا شهريًا، وفي الربع الأول من عام 2018 كان المتوسط ​​الشهري 151،917 طنًا متريًا فقط. وتباعاً، ومع اقتراب معركة الحديدة، فإن السؤال الهام لصانعي السياسة في الولايات المتحدة هو "ما إذا كان تحرير الميناء سيجعل الوضع الإنساني أفضل أم أسوأ"؟.

وفي محاولة لتحسين فهم هذه القضية عن طريق البيانات، أجرى الكاتب دراسة استقصائية عن التحالف الخليجي، والحكومة الأمريكية، والحكومة البريطانية، وكذلك مقاييس المنظمات غير الحكومية بشأن الواردات عبر الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون، والموانئ التي تسيطر عليها الحكومة، والحدود البرية والمطارات التي تسيطر عليها الحكومة. وركزت فترة التغطية على الربع الأول من عام 2018، بما في ذلك سجلات مفصلة عن 428 سفينة تم تفريغها في ستة موانئ (الحديدة، عدن، المكلا، الصليف، نشطون، والشحر)، بالإضافة إلى التغطية من الحدود البرية عبر منفذ الوديعة والخضراء (على الحدود السعودية) والشحن وصرفيت (على الحدود العمانية)، بالإضافة إلى الشحنات الجوية عبر مأرب.

الحديدة لا تزال مهمة

تعتمد شحنات الغذاء والوقود إلى اليمن، بشكل شبه كامل، على الموانئ البحرية. تشير بيانات مركز إسناد العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن والتي شاهدها الكاتب إلى أنه تم إدخال 4.757.797 طناً مترياً إلى اليمن في الربع الأول من عام 2018، ولكن فقط 158.870 طناً مترياً (3.3٪) دخلت من خلال المعابر البرية، فيما دخل 292 طنًا عبر الجسر الجوي المدني الى مأرب. (غالبًا ما تكون بيانات السفن التي تصف الحمولة المترية للسفن الواردة خاطئة، ويرجع ذلك إلى أن جزءًا من الغذاء يتم تحويله الى بؤر الفساد قبل وصوله إلى اليمن. ومع ذلك، بافتراض أن هذه الخسارة تكون مكافئة تقريبًا عبر السفن المتجهة إلى جميع الموانئ، فإن التوازن النسبي بين الموانئ ﯾﺟب أن تظل ذات أهمية).

ويبين توزيع الواردات الغذائية عن طريق البحر، بحسب بيانات مركز إسناد العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن، الدور الحاسم للموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون.

فوائد تحرير الحديدة وموانئها

لا تزال الحديدة نقطة دخول حرجة للغذاء وبالتالي، لا يوجد في الوقت الحاضر أي احتمال حقيقي لاستبدال تدفقات الغذاء من مينائي الحديدة والصليف: فالموانئ الأخرى مثل عدن بعيدة جداً عن المراكز السكانية التي يسيطر عليها الحوثيون، ولا تستورد سوى القليل جداً من الغذاء.

ومع ذلك، فإن التقاعس في تحرير الحديدة - بشكل سريع - يحمل معه تكاليف باهظة ومدمرة. وطالما بقي الميناء تحت سيطرة الحوثيين، لن يعود التجار والشاحنون لأنهم يخشون مخاطر الحرب، والابتزازات والضرائب الحوثية.

لكن، في حال تم تحريرها، يمكن توسيع قدرة الميناء بسرعة، خاصة إذا ما تم التحرير بسرعة وبعناية فائقة.

كما أن المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة أفضل حالاً من من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وذلك على وجه التحديد بسبب إعادة ربطها بالموانئ العاملة بنظام الرواتب الحكومية. وبالتالي، سيستفيد المواطنون في الحديدة من التحرير بشكل كبير. كما أنهم يريدون التخلص من الحوثيين كون المتمردين ليسوا من أهالي مناطقهم، في حين أن تقدم القوات اليمنية يتضمن أعدادًا كبيرة من قوات البحر الأحمر.

وأخيراً، من المرجح أن تنخرط الحكومة اليمنية والتحالف في محادثات سلام بحسن نية، في حال ضمنوا عدم تواجود الحوثيين المرتبطين بإيران في البحر.

سياسة الولايات المتحدة في الحديدة والموانئ الأخرى

بالإضافة إلى الحد من احتمالية المجاعة، يجب على الولايات المتحدة التركيز على إنهاء الحرب في اليمن، وهو تشتيت مكلف ومدمر لحلفاء الولايات المتحدة في الخليج. لكن ليس من المرجح أن يتخلى التحالف اليمني السعودي-الإماراتي أو الحوثيون عن المنافسة المكثفة على الموانئ. وفي وقت تزحف الحرب بصورة حتمية أقرب إلى الحديدة كل يوم، فإن لدى واشنطن ثلاثة خيارات يجب أخذها في الحسبان:

الخيار الأول: تجميد العمليات العسكرية في البحر الأحمر دون أن تقدم حلاً: الخيار الأسوأ هو أن تواصل الولايات المتحدة معارضتها الكامنة وراء عملية عسكرية حاسمة تقودها الإمارات لتحرير الحديدة وساحل البحر الأحمر، بينما لا تقدم في الوقت ذاته بديلاً. قد يجذب هذا الخيار البعض لأنه لا يترتب عليه أي تكاليف أو التزامات أمريكية مباشرة، ولكن من المرجح أن يطيل أمد الحرب والمعاناة الإنسانية. سيستمر المصدرون والتجار بتجنب الحديدة حتى يتم وضع حل الميناء مستقبلاً. وفي الوقت نفسه، سيزحف التحالف وحلفاؤهم اليمنيون باتجاه الموانئ، كما يحدث الآن، لأنه من المعلوم أنها لن تستطيع أن تدعم أي اتفاق سلام في اليمن، تاركة الحوثيين ينشئون كيانًا يشبه "حزب الله" يتمتع بحرية الوصول المباشر إلى إيران. وثانياً، لأن نظام التفتيش البحري الذي تشرف عليه الأمم المتحدة ثبت أنه غير عملي، وزاد الحوثيون من تهريب الأسلحة.

الخيار الثاني: تجريد موانئ الحوثي في ​​البحر الأحمر من السلاح: قد يكون سيناريو تجريد موانئ البحر الأحمر من السلاح وإخضاعه لسيطرة الوكالات الدولية واليمنيين المحليين من أفضل السيناريوهات. إذا نجح سيناريو تجريد الحديدة وموانئها من السلاح، يمكن محاولة تتبع مجموعة من الخطوات الإيجابية. وقد يتم تجنب الإضرار بالميناء بالكامل، وحينها يمكن للتحالف إصدار توجيهات طويلة الأجل للشاحنين وتجار المواد الغذائية مع ضمان أن يظل الميناء مفتوحاً. وفي هذه الحالة قد تنخفض تكاليف التأمين إذا تم ضمان أمن الميناء من قبل الجهات الدولية الفاعلة، وقد يعود الميناء بسرعة إلى مستويات الاستيراد السابقة. وطالما تم تأمين ميناء الصليف، فربما سيسمح للتحالف بفحص الشحنات البحرية بشكل أكثر فاعلية وأقل إثارة للجدل، مما يقلل إلى حد كبير مخاوف إعادة تزويد إيران بالأسلحة للحوثيين عبر الميناء.

وفي هذه الحالة، يمكن للولايات المتحدة أن تعطي إشارة للمجتمع الدولي بأن هذه هي الفرصة الأخيرة لتجنب العمليات العسكرية لتحرير الميناء وأن واشنطن لن تكون قادرة على ثني اليمن والتحالف عن إطلاق عملية حاسمة في غياب التقدم الدبلوماسي الفوري في الحديدة.

الخيار الثالث: دعم التحرير السريع للحديدة وموانئها: في حال فشل المجتمع الدولي في تبني الخيار الثاني وتجريد الحوثيين من السلاح، سيشهد هذا الصيف عمليات عسكرية مكثفة بالقرب من الحديدة والصليف.

وفي ضوء هذا التطور، يمكن القول، إن المصالح الأمريكية سوف تتغير: يجب أن يكون القتال قصيرًا ونظيفًا وحاسمًا قدر الإمكان. يجب انتهاج الحد الأدنى المطلق من تكتيكات "الأرض المحروقة" والأضرار الجانبية (كما سيتم مناقشته في الجزء الثاني من هذه السلسلة).

إذا تم إطلاق معركة الحديدة، قد تنظر الولايات المتحدة إلى تحرير الميناء باعتباره أفضل طريقة لإنقاذ أرواح اليمنيين من خلال تقصير الحرب ومعالجة المزيد من السلع بسبب زيادة كفاءة تفتيش البضائع على المرافئ.

بالاعتماد على السلطات الدفاعية لحماية حلفاء الخليج والممرات البحرية العالمية، يمكن أن يقتصر الدعم الأمريكي من خلال اتباع تدابير غير منظورة مثل الكشف عن إطلاق صواريخ الحوثي بالإضافة إلى ألغام الحوثي البحرية والهجمات المضادة على سواحل البحر الأحمر.

*معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى