الاعتقال من أجل الفدية.. داعش أم الحوثي؟!!

السياسية - Sunday 20 May 2018 الساعة 08:39 pm
فارس جميل، نيوزيمن، خاص:

كان الذهول على وجهه لا يخفى على أحد، فحين سافر إلى محافظة قريبة لزيارة ابنته التي تزوجت، مؤخراً، من شاب يسكن تلك المحافظة، لم يكن يتوقع أن يقع في ضيافة الحوثيين بدلا عن ضيافة أنسابه الجدد، لكن (م.س) وجد نفسه هدفا لفوهات بنادق الحوثيين في نقطة تفتيش، تطالبه بالنزول من السيارة والذهاب معهم إلى المشرف، ولا زالت ابنته بانتظار طلته الأولى عليها في منزل الزوجية.

بحثا عن شرائح يحملها لتحديد أماكن يقصفها التحالف العربي، حسب اتهامهم المعلب والمستمر لمن يريدون ابتزازه، تم تفتيش كل أغراضه البسيطة بما فيها الأحذية وماكينة طحن القات كونه قد تجاوز السبعين من العمر وفقد أسنانه مع الزمن، لكنهم لم يجدوا شيئا غير دهشته واستغرابه وألمه.

تنفس الرجل الصعداء لأنه بريء من اتهاماتهم التي لا أساس لها، كان يعتقد أنهم يشكون به حقا، ولم يدر في خياله أن كل ما جرى مجرد مسرحية لابتزازه، وأن اعتقاله سيستمر حتى بدون تهمة.

بعد مفاوضات طويلة وليال أطول قضاها في أسوأ مكان يمكن أن يزوره، أفصح المسؤولون عن المعتقل الحوثي الرهيب عن مطالبهم:

"200 ألف ريال يمني تدفعها من سكات، لو تشتي تصوم عند عيالك"، وقدمت كتسهيلات احتراما لسنه كما أبلغوه، وفعلا انتظر الرجل عدة أيام إضافية حتى تمكنت أسرته من توفير المبلغ وتسليمه إليهم، ليتم الإفراج عنه، ليعود إلى قريته دون أن يتمكن من زيارة ابنته في بيتها الجديد.

مقارنة بحالات أخرى كان (م.س) محظوظا، فلم يتعرض للكثير من التعذيب، بل إهانات اعتبرها خفيفة أمام ما رآه بعينيه.

(ص.ع) استمر اعتقاله لأشهر وتعرض لأصناف من التعذيب أفقدته القدرة على الحركة، ولم يتم الإفراج عنه رغم ذلك إلا بعد دفع (2 مليون ريال) ذلك أنه متهم بالانتماء لداعش، وداعش هنا هي التجمع اليمني للإصلاح الحزب السياسي المعروف الذي طالما انتقد حرب صالح مع الحوثيين خلال الحروب الستة، واتهم صالح بتوظيفها سياسيا والإضرار بمصالح البلد، وأصبح الحوثيون يطلقون على أعضائه توصيفهم المستحدث (داعشي/دواعش).

بعد أن استطاع (ص.ع) دفع المبلغ بتضامن أبناء قريته تقديرا لظروفه الصحية نتيجة التعذيب في معتقل الحوثيين، قامت الجماعة باعتقال نجله طمعا في المزيد من المال، وقام الرجل ببيع بعض أمواله بالقرية لتوفير مبلغ الفدية الذي طلبه السجان القبيح دون رحمة، وهو مليون ونصف المليون ريال، أما التهمة فلم يتعب نفسه بالسؤال عنها لأن قالب التهم الذي تسقطه الجماعة على مناهضيها جاهز دائما دون دليل ولا سند، ويتم تهويله ورفع مستواه لرفع مستوى الابتزاز لا أكثر.

رغم هذا فقد كان الرجل ونجله محظوظين أيضا أمام رفيقهم بالمعتقل الذي لم أحصل على معلومات حوله إلا أنه بعد اعتقاله لعامين وعدة أشهر تمت إعادته لأسرته جثة هامدة من ثلاجة المستشفى.

الغريب في الأمر أن الجماعة طلبت من معتقل آخر تسليم مبلغ الفدية لإخراجه من المعتقل بالريال السعودي وليس بالريال اليمني، فحسب معلوماتهم عن أسرته كان عدد من أقاربه مغتربين في السعودية، وبالتالي تم طلب (20 ألف ريال سعودي)، وبعد تدخلات كثيرة ومتابعات طويلة تم خفض المبلغ إلى النصف، أما التهمة فرسائل واتس أب على هاتفه تنتقد زعيم الجماعة.

المفاجأة التي كانت بانتظار (ص.ع) عند عودته إلى قريته هي أن الشخص الذي قام بالإبلاغ عنه والوشاية به إلى الحوثيين لخلافات حزبية سابقة بينهما، كان بدوره قد زار معتقلا أشد وأسوأ من ذلك الذي تسبب ل(ص.ع) في البقاء فيه لأشهر، لقد اختلف مع مشرف حوثي أعلى منه، ولأنه ظن أن انتماءه للجماعة سيشفع له إن اختلف مع أحد مشرفيها، فقد هدد المشرف أنه سيشكوه إلى مشرف أعلى منه، إلا أن هذا الأخير أمر بإيداعه السجن وشكك في ولائه واتهمه بالخيانة، ليتلقى تأديبا مطولا على يد الجهاز الأمني الداخلي للجماعة كما أبلغ خصمه السابق وهو يعتذر له عما تسبب له به: "كنا مخدوعين يا صاحبي، وبعدما شفته بعيني مستعد أرضيك بواحد من عيالي".

إن الاعتقال لطلب الفدية سلوك مارسته القاعدة وداعش، ولكنها بكل بشاعتها كانت تستهدف رؤوسا كبيرة من خصومها، أو من المسؤولين الدوليين، ولم تستهدف مواطنين عاديين كما تقوم به جماعة الحوثيين اليوم.

هذه مجرد أمثلة مباشرة، لا تعكس حجم المأساة في كل محافظة ومديرية واقعة تحت سيطرة الجماعة، تم إيرادها دون أية مبالغة أو تفاصيل مع تغييرات بسيطة برقم المبالغ المالية، وعدم الإشارة للمحافظات التي تمت فيها هذه الممارسات نظرا لأن المعتقلين اللذين نقلا هذه الحالات طلبا عدم الإشارة لأي معلومة يمكن أن تدل عليهما بأي شكل، فقد يتعرضان لاعتقال آخر، وتعذيب آخر، وفدية أخرى.