بين صالح والحمدي

السياسية - Thursday 21 June 2018 الساعة 09:28 am
فارس جميل ، نيوزيمن، خاص:

بكى كثيرون مرة أخرى عند عرض الخطاب المسجل والأخير للرئيس الراحل علي عبدالله صالح ليلة عيد الفطر، اعترف بعض خصوم الرجل في حياته بافتقاده وسوء من بعده لدرجة جعلت من عارضه ذات يوم يتمنى عودته اليوم.

لقد غطى خطاب رجل ميت بحسابات فيزيائية إعلاميا وشعبيا على خطابين للرئيس هادي وزعيم الحوثيين بمناسبة العيد، وهما على قيد الحياة فيزيائيا أيضا، وأثار رعبا غير مسبوق في قلوب ميليشيا الحوثي تحديدا، بقيامها بمداهمة محلات الانترنت التي تحتفظ بنسخة من الخطاب على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بزوارها.

قال صالح في خطاب بمثابة الوصية الأخيرة كثيرا مما تحفظ عن قوله في خطاباته السابقة، وقام بتعرية جماعة الحوثيين حتى النخاع، ولأن الجماعة تعجز عن الرد على أي نقاش منطقي وعقلاني حتى لو صدر من طفل صغير، فقد عجزت عن الرد المنطقي على خطاب صالح الأخير، لأنه بكلمات بسيطة ومتزنة وثابتة رغم أنها صدرت تحت القصف وعلى بعد دقائق معدودة من لقاء ربه، وفي أبهى تجلياته وصدقه، قدم وصفا مكثفا ومختصرا لما تعنيه هذه الجماعة على حاضر اليمن ومستقبلها.

من باب المكابرة، كما يبدو، أو من باب تقديم خدمة جليلة لصاحب الكهف ظهر من يصنف نفسه باحثا ويرأس مركز دراسات لم يدرس شيئا حتى الآن، ليتصدر مشهد الرد على صالح، بينما توارى قادته عن الرد لأن تعريتهم وكشف حقيقتهم كانت أقسى من هزائم الساحل الغربي عليهم، وبما أن بث الخطاب تزامن مع انطلاق معركة تحرير الحديدة، فقد كان أثره كقنبلة نووية انفجرت في الكهف.

هنا فقط يسمح الحوثيون لمثل عبدالملك العجري، صاحب مركز الدراسات الذي لم يدرس شيئا، أو العماد صاحب المؤسسة الإعلامية التي تتمثل وظيفتها الأساسية في غسيل أموال فساد أخيه بتصدر المشهد.

كان مجمل ما يمكن استخلاصه من رد العجري أن جماعته في قتل صالح وفي نوعية الكذبة التي أعلنتها كإخراج لمقتله كانت أقل سوءا من طريقة اغتيال الحمدي والكذبة التي تم إعلانها كإخراج مسرحي يغطي على الجريمة، لكنه بهذا أبدى مدى بشاعة هذه الجماعة التي قارنها بجماعة بشعة أيضا اغتالت الحمدي، وهذه شهادة من أهلها ببشاعتها من حيث المبدأ مع اختلافنا على هذه البشاعة من حيث الدرجة.
أراد الرجل أيضا اتهام صالح ضمنيا بالمشاركة في اغتيال الحمدي لكنه لم يذكر مؤشرا واحدا على ذلك، وبالعكس أورد مؤشرات تثبت العكس، وفي كل الأحوال فالمقارنة بين حاكمين بحجم الحمدي وصالح هي شهادة للأخير، من أراد أن تكون اتهاما له، فماذا قال العجري؟

قال في منشور تحول إلى مادة صحفية لبعض المواقع، ونشر وهو ممتلئ بالأخطاء الإملائية واللغوية إنه لا يريد "الخوض في حادثة مقتل صالح -لاعتبارات كثيرة -لولا الإصرار على تحويلها لمناحة عظيمة"، ولكنه دون تفاصيل لديه "بعض التعقيبات السريعة على بعض ما يثار عن رواية مقتل صالح"، وبدأ الرجل طرحه بالتشكيك برواية جماعته الكهنوتية عن مقتل صالح وهو يحاول الخروج من صنعاء، ليعتبر مقتله في منزله أمرا واردا بما أنه أعلن الحرب على شركائه الحوثيين يومها، "حسنا قلتم إن صالح قتل في بيته وهذا احتمال وارد وشيء طبيعي بعد أن أعلن الحرب على شركائه والمجلس الأعلى، وهذا ما لا يستطيع أحد إنكاره لأنه موثق ومشهود بصرف النظر عن الدوافع وهي نتيجة طبيعية، أعلن القتال ولم يحالفه الحظ فقتل سواء قتل في بيته أو خارج بيته لا تفرق كثيرا"، وهذا الاقتباس عنه بعد تصحيح الأخطاء الإملائية.

لا يمكن لغبي أن يتذاكى على الآخرين، وهذا ما حاول العجري القيام به، "لم أفهم إيش كان المطلوب بالضبط يقاتلنا صالح ونحن نبقى على الحياد مثلا، وإلا فنحن متوحشين مثلما قال ضاحي خلفان، مش مشكلة خلونا نفترض معكم أن صالح قتل في بيته وأن الحوثيين متوحشين وعديمي أخلاق مثلما بدكم" وهذا الاقتباس عنه أيضا بعد تصحيح الأخطاء الإملائية، وترك كلمة (بدكم) كما هي لأنها مفردة غير يمنية.

في محاولة منه لوضع صالح في موقع المتهم بقتل الحمدي قال "طيب من هو الغدار ومنعدم الأخلاق؟ الذي يهاجم خصمه إلى بيته في مواجهة معلنة؟ أم الذي يشارك في قتل رئيسه وهو عنده ضيفا في بيته، رئيسه الذي رفعه وقربه إليه واختاره على غيره، يدعوه إلى بيته وفي ضيافته فيأتيه مطمئنا وبعد أن يصل يشبع جسده رصاصا كما عملوا مع الشهيد الخالد إبراهيم الحمدي؟ !. ". وقد تم تصحيح الأخطاء الإملائية من هذا الاقتباس أيضا.

العجري صاحب مركز الدراسات، تحدث عن الشهيد الحمدي، وقارن حادثتي اغتيالهما، لكن اليمنيين جميعا يعرفون في أي بيت تم اغتيال الشهيد الحمدي، وليس هذا موضوعنا الآن، إلا بالإشارة لغباء أو كذب أو تغابي من يحاول تزوير التاريخ، وفي كل الأحوال، يكفي صالح مفخرة وخلودا أن يوضع بكفة واحدة مع الشهيد إبراهيم الحمدي الذي اعتبر استخدام كلمة (سيد) جريمة يعاقب عليها القانون.

في فقراته الركيكة اللاحقة فإن العجري وهو قيادي حوثي رفيع يتمتع بسفريات مكوكية من دم الشعب اليمني إلى جانب محمد عبدالسلام وآخرين يعتبرون ال
وجه المدني لحركة الكهنوت، قارن بين إخراج عمليتي اغتيال صالح والحمدي، واستصغر من كذبة جماعته بمقتل صالح خارج منزله، أمام إخراج حادثة اغتيال الحمدي ووضع الفتاتين الفرنسيتين بجوار جثته.

هذا ما توصل إليه الرجل، دون أن يستخدم عقله تماما، فإخراج عمليات اغتيال الزعماء أمثال صالح والحمدي لابد أن تكون ركيكة ومفضوحة، وإن كان غباء الحوثيين جعل حادثة اغتيال صالح واستشهاده مقاتلا لهم، أقل بشاعة من رواية وإخراج مقتل الحمدي بجوار فتاتين تم استقدامهما لتلك المهمة، فلأن الحمدي كان في موضع الآمن والمأخوذ غيلة وغفلة، بينما كان صالح مستعدا ومقاتلا ويعرف مصيره مسبقا.

هل هناك من يبرر قبحا بقبح أكبر، غير غبي ومجرم؟!
هذا هو الباحث ورئيس مركز الدراسات الذي لم يدرس شيئا، باعتباره أذكى نسخة من مخلوقات الجماعة، فماذا كان يمكن لأغبيائها قوله يا ترى؟!!
"هو ذا طارق تمكن من الهرب، وهرب إلى مناطق التحالف، والتحق بالعدوان وقلتم عنه حريف وبطل، يعني إن بقي في بيته فبطل، وإن هرب برضو بطل، وإلا كيف يا أصحابنا"!!!

هكذا في اقتباس أخير عن العجري وبعد تصحيح الأخطاء الإملائية أيضا، استغرب كيف يمكن اعتبار صالح بطلا إن قتل في بيته، وبطلا إن قتل وهو في طريقه إلى خصوم الحوثيين، والحقيقة أنه بطل في الحالتين لأنه أعلن رفضه لمشروع الجماعة وقام بقتالهم شخصيا وبسلاحه ويده وزناده، ولم يفر إلى الكهف ويرمي بأبناء أتباعه للموت كما يفعل عبدالملك، طبعا عبدالملك الحوثي، وليس العجري، مجرد تشابه أسماء وتقارب وظائف، وهو بطل لمجرد إعلانه القتال ضد جماعة ترفض الثورة والجمهورية، حتى لو كتبت له الحياة، أما التلويح بتمكن العميد طارق من مغادرة صنعاء فهو مجرد تذكير لجماعته بعجزها عن تعقبه يوما.

المتصدر الآخر لدحض رواية استشهاد صالح بطلا مقاتلا في منزله، كان شابا اسمه محمد العماد منحته جماعة الحوثيين ما يلزم لتأسيس إذاعة محلية وقناة فضائية، وعينت أخاه على رأس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، واستطاع بناء عمارة من 8 أدوار خلال الحرب، واقتناء سيارة بورش باهظة الثمن، حسب رواية قيادات حوثية وأنصار للجماعة بحجم محمد المقالح وأحمد سيف حاشد، وكثيرين غيرهم، ومن يكذبه أصدقاؤه كيف يمكن لغيرهم تصديقه !!!

ماذا قال العماد؟
قال إن العميد طارق باع عمه صالح للحوثيين مقابل هروبه من صنعاء.
فلماذا قلب الحوثيون صنعاء عاليها سافلها للبحث عن طارق يومها يا ترى؟!!
لابد أن الشاب المتسلق أراد أن يقول إنه داهية وخطير، وسيورد رواية تشكك محبي صالح وكل اليمنيين بالعميد طارق، فينسحبون من الجبهة الغربية، وفعلا تحقق الهدف، فقد تسارع تقدم جبهة الساحل وأصبحت في قلب الحديدة، فيا له من داهية هذا العماد !!

بالمناسبة وكحقيقة تاريخية مؤكدة، وبإمكان أي قارئ ليس البحث في كتب التاريخ، ولكن سؤال أي معروف لديه من أسرة شجاع الدين وآل الإرياني بمديرية القفر عن نسب أسرة بيت العماد، وسيتأكد بنفسه أن جهم من أسرة شجاع الدين انتقل إلى منطقة الذاري بمديرية الرضمة، وهناك قام بتزوير نسب عائلته من شجاع الدين الحميرية اليمنية إلى آل العماد، ثم نسب نفسه قفزة واحدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يعرف هذه الأسرة يعلم كيف توزع الأدوار بين عصام الإثنى عشري في قم الإيرانية، وبين عمه عبدالرحمن الإخواني الإصلاحي، وبين قيادات مؤتمرية واشتراكية أخرى، بما يجعل الخوض في ادعاءات شاب انتهازي كمحمد العماد لا تستحق الرد من الأساس، مع احترامنا لكل أعضاء الأسرة الذين لا ذنب لهم في تأليف وتزوير هذا النسب.

هذا هو إلباس الباطل بالحق، إذا أردنا الحديث بلغة محمد البخيتي، ولكن هذا ليس موضوعنا، فيكفي أن علي عبدالله صالح وإبراهيم محمد الحمدي تعرضا لنفس السيناريو في رواية عودتهما إلى الخالق سبحانه، وكل نفس بما كسبت رهينة.