مهمة "غريفيث" المستحيلة.. هل تطيل أمد الحرب في اليمن؟

السياسية - Saturday 07 July 2018 الساعة 06:27 pm
عبدالله أنعم، نيوزيمن، تقرير خاص:

في جلسته الأخيرة لمناقشة ملف اليمن، فشل المبعوث الدولي إلى اليمن مارتن غريفيث في إقناع مجلس الأمن بإصدار قرار يشرعن سيطرة المليشيا الحوثية على مناطق في اليمن، وذلك بطلبه اعتماد صيغة تسليم ميناء الحديدة من الحوثيين للأمم المتحدة باعتبار الحوثي طرفاً معترفاً به.

وكانت مليشيا الحوثي رفضت مقترحاً بالانسحاب من الحديدة ومينائها وتسليم إدارتها للأمم المتحدة، واقترحت بدلاً من ذلك وضع الحديدة ومينائها تحت إدارة مشتركة مع الأمم المتحدة.

وأقر المبعوث الأممي بفشله في انتزاع اتفاق منفرد حول ميناء الحديدة، وأبدى رغبته في التوجه لإيجاد تسوية شاملة يكون ملف الحديدة ضمن أجندتها.

وكشفت مبادرة غريفيث، التي قدمها لمجلس الأمن عن اعتزامه الدفع باتجاه استئناف المشاورات بين الحكومة اليمنية والمليشيات الانقلابية خلال الفترة القادمة بعد فشله في التوصل لاتفاق جزئي حول مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي وبمعزل عن مطالبة الحكومة اليمنية بحزمة شاملة للحل تتضمن انسحاب المتمردين من المدينة ونزع أسلحتهم قبل أي حوار.

ورجحت مصادر سياسية فشل غريفيث في جمع الفرقاء اليمنيين على طاولة الحوار التي كان من المقرر استئنافها في أواخر يوليو الجاري بعد عرض خطته للتسوية في اليمن على مجلس الأمن الدولي الخميس الماضي.

غريفيث.. وتسوية على حساب أمن المنطقة

وبحسب مصادر سياسية لـ"نيوز يمن"، فإن مقترحات غريفيث حول تطبيع الأوضاع في الحديدة اصطدمت برفض الحوثيين، فيما اعتبرت الحكومة اليمنية، أن أي اتفاق لا يتضمن انسحاب المسلحين الحوثيين من مدينة الحديدة غير واقعي، ولا يتلاءم مع طبيعة التطورات الميدانية على الأرض.

ويقول مراقبون، إن غريفيث تعمد تحريف نتائج محادثاته مع المتمردين الحوثيين، وذلك في ضوء إعلانه الأسبوع الماضي بأن الميليشيا وافقت على تسليم الحديدة ومينائها وأنه أجرى محادثات مع زعيم الميليشيا عبدالملك الحوثي وصفها بالمثمرة.

ولا تفسير بنظر هؤلاء لموقف غريفيث، إلا أنه يوفر غطاءً سياسياً لتعنت الحوثيين في رفضهم الانسحاب من الحديدة.

وتتهم أطراف سياسية يمنية وعربية المبعوث الأممي بالسعي لفرض تسوية للملف اليمني لا تقدم أي تطمينات للدول المحيطة باليمن من ناحية أمنها القومي والاستراتيجي في ظل التورط الإيراني بدعم الميليشيا الحوثية ومحاولته نقل دائرة التأثير في الملف اليمني من المنطقة وربطه بالرؤية الاقتصادية والسياسية الأوروبية وابتزاز دول الإقليم ومقايضة مصالحها بالأمن القومي لتلك الدول.

وكان غريفيث قال في تصريح صحفي لإذاعة الأمم المتحدة، إن أولوياته تنحصر في "منع وقوع هجوم على الحديدة" وبدء المفاوضات السياسية، مشيراً إلى أن محادثاته خلال الأيام الماضية نجحت في منع حدوث هجوم كبير على مدينة الحديدة ومينائها.

غريفيث ممتن لزعيم المتمردين

وقال الموفد الدولي "الثالث" إلى اليمن "مارتين غريفيت"، عقب زيارته الأخيرة لصنعاء، "إنه ممتن لزعيم الحوثيين، مثنياً على دعمه ومشيداً بالمناقشة التي جرت بينهما ووصفها "بالمثمرة "!

مهمة إطالة أمد الحرب

واعتبر مراقبون ومحللون سياسيون، أن التصريح المقتضب الذي أدلى به غريفيث بُعيد لقاء عبد الملك الحوثي يسوغ لإطالة أمد الحرب في اليمن، خاصة وأنه يعطي إيحاءات بتعاون حوثي مع جهود الوساطة الأممية فيما الواقع عكس ذلك تماماً.

تعاطٍ مغاير للواقع

ويشير العديد من المراقبين إلى أن رؤية المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن تتجه نحو التعاطي بانحياز واضح لطرف الحوثيين دون التعامل بواقعية تتماشى مع المعطيات على الأرض بما في ذلك التحولات العسكرية التي تؤكد انحسار النفوذ الحوثي حتى في داخل محافظة صعدة التي تمثل العمق الاستراتيجي للجماعة المتمردة.

ويحذر سياسيون يمنيون من ترحيل بعض القضايا الأساسية عند تقديم أي إطار أممي للمفاوضات في اليمن، ويشمل ذلك عدم التطرق لقضية الانسحاب الحوثي من المدن وتسليم الأسلحة قبل التوقيع على أي اتفاق.

ويقول المحلل السياسي بليغ المخلافي لـ"نيوز يمن"، إن الحوثيين ما زالوا يعتقدون أن أي تسوية سياسية ستمنحهم فرصة لشرعنة سلطتهم، لذلك سيقومون بالتوقيع على أي مبادرة مقابل أن يتم الاعتراف بوجودهم وسلطتهم، لكنهم في المقابل سيماطلون في تنفيذ بنود الاتفاق، وبالتالي أنا أحذر من أي تسوية سياسية قاصرة تجد المليشيات الحوثية فيها فرصة لتكريس سلطتها والاحتفاظ بأسلحتها.

مناورات حوثية لكسب الوقت وترتيب الصفوف

ويضيف المحلل السياسي بليغ المخلافي، أن الحوثيين يسعون اليوم إلى كسب المزيد من الوقت لوقف قوات الجيش اليمني والمقاومة المشتركة من التقدم إلى ميناء الحديدة لأنهم خلال فترة "التهدئة" سيحولون الحديدة وميناءها إلى ساحة موت وجسد مفخخ في كل شبر منها، وتلك أهم طرقهم القذرة في التعامل مع أي زحف أو أي انتصار للقوات المشتركة.

ويؤكد أن على الجميع أن يعي أن الحوثيين مسيرة موت لا يمكن أن تخضع لأي عملية سلام أو المضي في أي مباحثات سياسية صادقة، وأنهم يتعاملون مع عصابات متوحشة فقدت من قاموسها كل قيم الحياة وكل معاني السلام ولم يعد خيارهم الوحيد لأنفسهم أو لغيرهم إلا خيار الموت.

ويستبعد المخلافي خضوع الحوثيين لأي عملية سلام حتى لو تم تحرير الحديدة وتعز والبيضاء وإب وغيرها، وستظل هذه المليشيات توغل في تصدير الموت لطابور المخدوعين والإماميين الجدد تحت مسميات ولافتات متعدة، ولن تتوقف هذه الحركة المتوحشة والدموية عن منهجها الإجرامي حتى يتم استئصال رموزها ورؤوسها الكبار ممن يغذون خطاب الكراهية ويقدسون لغة الموت.

مهمة غريفيث المستحيلة

وتبدو مهمة غريفيث في اليمن شبه مستحيلة رغم ما يتردد حيال امتلاكه حظوظاً أوفر من سلفيه بن عمر وولد الشيخ أحمد، فالراجح أن الميليشيا الحوثية لن تذعن لنداءات المجتمع الإقليمي والدولي ولن تجنح للسلم، بقدر ما ستمضي في مشروع إغراق البلاد بسيول الدماء وإيثار الاستثمار في الأزمات لبناء مراكزهم المالية الخاصة على حساب معاناة الشعب الذي يعاني من المجاعة والفقر والأوبئة.

وتواجه خطط غريفيث للحل في اليمن بالعديد من التحديات نتيجة عدم اهتمامها بوضع الضمانات الخاصة بتنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه وهي الجزئية التي ارتكزت عليها جهود سلفه إسماعيل ولد الشيخ أحمد في نهاية مهمته كمبعوث دولي في اليمن.

ويؤكد سياسيون لـ"نيوزيمن"، أن المبعوث الأممي الجديد لا يمتلك عصا سحرية لحل الأزمة الشائكة التي تزداد تعقيداً مع استمرار الحرب، إلا أنه يبدو أكثر قبولاً من الأطراف كافة، لكن الثابت أن مساعيه ستصطدم بمواقف الحوثي المتشدد حيال قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي ينص صراحة على نزع سلاح مليشيا الحوثي، وإنهاء السيطرة على مؤسسات الدولة اليمنية.

في هذا الشأن يقول المحلل السياسي اليمني وهيب النصاري لـ"نيوز يمن"، إن بوادر الحل السياسي التي يقدمها غريفيث تغلب عليها محاولة التقاط الفرصة المواتية التي تحققت بعد تحرير مطار الحديدة.

ولفت النصاري، إلى أن نتائج معركة الحديدة أوصلت الحوثيين إلى قناعة بأنهم غير قادرين عسكرياً على خوض حرب معركة كسر العظم؛ بسبب موازين القوة التي فرضها التحالف العربي على الأرض.