الحركة الحوثية واستحالة الرهان على جنوحها للسلام

السياسية - Wednesday 25 July 2018 الساعة 07:38 pm
سمير الصنعاني ، نيوزيمن، خاص:

مع دخول الحرب عامها الرابع، لاتزال بعض القوى الخارجية تراهن على إمكانية الضغط على المليشيات الحوثية للجنوح نحو الحل السياسي القائم على ضمان مشاركتهم في السلطة والحكم، وهو ما يتجلى من خلال بعض المساعي الدولية الرامية إلى إيقاف معركة التحرير التي وصلت إلى مدينة الحديدة، غرب اليمن، ومحافظة صعدة، شمال البلاد، حيث المعقل الرئيس للمليشيا الحوثية.

ويرى بعض المراقبين، أن الرهان الخارجي الرامي إلى إنقاذ المليشيا الحوثية لا يمكن تفسيره سوى بسعي هذه القوى لاستثمار الحركة الحوثية وفكرها المذهبي في إطار تحقيق أهدافها ومصالحها في المنطقة، لكنه رهان خاسر لأسباب كثيرة، لعل أهمها أنه يصطدم بموقف المليشيا الحوثية الفكري والسياسي المستند على أيديولوجية دينية مذهبية ونزوع قوي للعنف وثقافة إقصائية لا تقبل بالآخر.

وليس مبالغة القول، إن رفض المليشيا الحوثية للسلام وإصرارها على مواصلة القتال والحرب، واستحالة قبولها بالجنوح إلى السلام والقبول بالتعايش مع الآخرين، يعود إلى الإشكالية التي تعاني منها الحركة الحوثية في فكرها وموقفها من الآخر، وارتباطها وعمالتها للنظام الإيراني انطلاقاً من التعصب المذهبي.

ويجمع المراقبون على أن ثمة عوامل عدة تكاد تمثل حاجزاً يمنع قبول الحوثيين للسلام والتعايش، وهو ما يمكن تلخيصه في الآتي:

-نظرية الاصطفاء الإلهي والأحقية في السلطة

حيث تستند الحوثية كحركة تمرّد على نظرية مذهبية فقهية تضفي طابع الاصطفاء والحق الإلهي في الحكم لمن يدعون انتسابهم للرسول نسباً باعتبارهم من نسل حفيدي النبي محمد الحسن والحسين، وهو فكر يتجاوز مفهوم الأحقية في الحكم إلى الإيمان بأن جميع البشر خلقوا ليكونوا مجرد عبيد وسخرة يعيشون حياتهم من أجل خدمة سلالة (آل البيت) بشتى الوسائل والسبل.

وانطلاقاً من ذلك فإنه يستحيل أن تتقبل المليشيا الحوثية التعايش مع الآخرين وفقاً لمبدأ المساواة والاحتكام لدولة ودستور وقوانين الجميع فيها متساوون في الحقوق والواجبات وإمكانية الحصول على فرص متكافئة في الوصول إلى السلطة والحكم بعيداً عن أي اعتبارات ذات بعد متعلق بالنسب أو المذهب أو اللون.

- انتهاج العنف والقوة والتطرف

ارتبط نشوء وظهور الحوثيين كحركة بانتهاج أسلوب العنف والقوة في إشهار أنفسهم من خلال إعلان تمردهم على الدولة ورفضهم الالتزام بتطبيق نصوص القوانين وإعلانهم الأحقية في جباية الزكاة من الناس لصالحهم، وهو الأمر الذي أدى إلى أن تشن الدولة ضدهم ست حروب.

ولعل تمدد الحركة الحوثية وبسط سيطرتها وتواجدها الذي بدأ مع أزمة العام 2011م التي عصفت باليمن يعد خير دليل على مدى انتهاج الحركة الحوثية لأساليب العنف والقوة في التوسع وتصفية الخصوم والحلفاء والسيطرة على السلطة بالقوة ونهب مقدرات وممتلكات الدولة.

وانطلاقاً من استخدامهم للعنف والسلاح في طرد اليهود اليمنيين من صعدة وعمران مروراً بمعركتهم وتهجيرهم للسلفيين من منطقة دماج ثم شنهم حروباً ضد الجيش اليمني ومعسكراته وعمليات النهب للسلاح، وصولاً إلى سيطرتهم على صنعاء وفرضهم الإقامة الجبرية على الرئيس والحكومة، ومد نفوذهم إلى معظم المحافظات اليمنية، واستخدام أساليب الترهيب ضد الخصوم والتي انتهجت طريقة تفجير المنازل، وانتهاءً بغدرهم بحليفهم في مواجهة العدوان الخارجي على اليمن الرئيس السابق الزعيم علي عبدالله صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام واغتياله ورفيقه الأمين العام عارف الزوكا، والتنكيل بالمؤتمر والمؤتمريين بمزاعم الخيانة.. كلها شواهد تؤكد أن مليشيا الحوثي يستحيل أن تقبل بسلام يفضي إلى نزع سلاحها وتحويلها إلى مجرد قوة سياسية بلا مخالب وأنياب تعتمد على العنف خصوصاً وأن هذا النهج مرتبط بفكر وثقافة تعبوية مذهبية تستحضر الماضي وتقوم على نظرية (الدم ينتصر على السيف).

- ثقافة الرفض للآخر واستحالة القبول به

ويمثل شعار الحركة الحوثية القائم على تبني الموت للآخر، أحد المظاهر التي تجعل من إمكانية قبول المليشيا الحوثية للتعايش مع الآخرين مستحيلاً، وهو الأمر الذي يتجسد بوضوح في ثقافة تمجيد الموت والتحريض على قتل الآخرين التي لا تقتصر لدى المليشيا على المختلف معهم دينياً ممثلاً باليهود، وسياسياً ممثلاً بأمريكا، بل تتجاوزه إلى كل من يختلف مع هذه المليشيا على المستوى المحلي، فالمليشيا الحوثية ترى في كل القوى والأحزاب والتنظيمات السياسية في اليمن مجرد منافقين ودواعش وخونة وعملاء يجب تصفيتهم وقتلهم.

والخلاصة، أن الرهان على إمكانية قبول المليشيا الحوثية بسلام يجعلها في موضع المساواة مع القوى الأخرى وينزع عنها السلاح ويسمح للآخرين أفراداً وجماعات بانتقاد ورفض فكرها وثقافتها وشعاراتها، يكاد يكون أمراً مستحيلاً خصوصاً وأن مليشيا الحوثي أثبتت منذ نشأتها أنها ليست حركة مذهبية عصبوية سلالية فحسب، بل ومليشيا متطرفة تعتمد العنف والقتل سبيلاً لسيطرتها على السلطة، وترفض القبول بأي وجود لمؤسسات الدولة أو الأنظمة والقوانين المنظمة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، ناهيك عن قناعة المليشيا بأن القبول بها كقوة سياسية تملك جناحاً مسلحاً على غرار وضع حزب الله اللبناني، سيقابل برفض شعبي محلي مهما كانت الضغوط الخارجية.