من (الأخونة) إلى (الحوثنة).. تجريف الوظيفة العامة في اليمن (2-2)

السياسية - Thursday 09 August 2018 الساعة 10:20 pm
سمير الصنعاني، نيوزيمن، تقرير خاص:

هادي والشرعية: الفساد العائلي

عقب تسلمه السلطة رئيساً للجمهورية خلفاً للرئيس السابق علي عبدالله صالح، بدأ عبدربه منصور هادي ينتهج خطاباً إعلامياً وسياسياً، تبنى فيه دعاوى ومواقف أحزاب المشترك، خاصة حيال موضوع وجود عدد من أقارب الرئيس صالح في مناصب عسكرية، وتضمنت خطاباته السياسية سواءً التي كان يدلي بها في المناسبات الرسمية أو العادية ذات الدعاية عن النظام العائلي، رغم أنه ظل يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية في ذلك النظام لعقد ونصف من الزمن، واستغل منصبه ذلك في توظيف أبنائه وأقاربه في عدد من مناصب الدولة العسكرية والأمنية والإدارية.

أسطوانة العائلية التي ظل هادي وشركاؤه في الحكم يستخدمونها كشماعة لتبرير فشلهم في الحكم وفسادهم، سرعان ما انهارت، خاصة بعد أن بدأت روائح الفساد الإداري والمالي الذي تمارسه السلطة من خلال تعيين الأقارب ومنحهم صلاحيات غير مسبوقة في الإدارة على أعلى مستوى داخل أجهزة الدولة.

وبالإضافة لإبقاء شقيقه منصور في منصبه كمسئول للأمن السياسي في محافظات عدن ولحج وأبين، ومنحه صلاحيات إضافية وغير مسبوقة، وتعيين نجله ناصر في منصب عسكري منح مهمة الحماية الرئاسية لوالده، إلا أن روائح الفساد العائلي الكبرى ارتبطت بالتدخلات التي كان يقوم بها نجله جلال والتي شملت كل المجالات العسكرية والمدنية.

ومع أن جلال هادي لم يرتبط اسمه بأي منصب رسمي منذ تولي والده الرئاسة، إلا أنه ظل الشخص الأكثر تأثيراً على والده وقراراته والأكثر نفوذاً ولعباً لدور في كل ما يتعلق بعملية الإدارة والتعيينات والوظيفة العامة.

وارتبط اسم جلال هادي بإنشاء شبكة إعلامية من المواقع الإخبارية الالكترونية التي تولت مهمة تلميع هادي، والدفاع عن قضايا الفساد التي تمارس، ومهاجمة خصومه ومنتقديه، مروراً باستقطاب ومنح بعض الإعلاميين هبات وأموالاً مقابل سكوتهم أو تحويل مواقفهم في الدفاع عنه وعن والده، لينتقل الأمر إلى تدخله في عملية التعيينات للقيادات والمسؤولين العسكريين والمدنيين في مختلف مؤسسات الدولة المركزية والإدارية، وتكوين شبكة واسعة من الأشخاص المرتبطين به، واستخدامهم في عمليات تجارة وغسيل أموال وإنشاء شركات تجارية.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد إلى ارتباط وعلاقة جلال هادي بكثير من رجال الأعمال، وخاصة في مجال النفط، حيث يستغل منصب والده كرئيس لممارسة نشاط تجاري في مجال النفط يدر عليه ملايين الدولارات.

ومنذ انطلاق الحرب في اليمن نهاية مارس 2015م تزايدت تدخلات جلال هادي في مجال تجارة النفط بشكل غير مسبوق، حيث تشير المعلومات إلى أنه يجني ثروة طائلة من وراء تدخله في منح تراخيص السفن المحملة بالمشتقات النفطية والداخلة إلى الموانئ اليمنية، ومنها ميناء الحديدة الذي تسيطر عليه مليشيا الحوثي التي تؤكد معلومات أن تجاراً محسوبين عليها أبرموا، سواءً بشكل مباشر أو عبر وسطاء، صفقات مشبوهة مع جلال هادي مقابل حصولهم على تراخيص لسفن محملة بمشتقات نفطية.

قضية الفساد المرتبط بالجانب العائلي والأسري لم تنحصر في الرئيس هادي وحده، بل امتدت لتشمل كل أركان حكومته، خصوصاً منذ انطلاق حرب التحالف العربي بقيادة السعودية ضد مليشيات الحوثي، وانتقال هادي وحكومته المعترف بشرعيتها عالمياً إلى الرياض لممارسة عملها من هناك، حيث بدأت عملية التعيينات التي يصدرها هادي وحكومته تأخذ منحى غير مسبوق في عملية الفساد المرتبط بمحاباة الأقارب.

وتمثل التجريف المتعمد الذي مارسه هادي وحكومته بحجم التعيينات المهول في مناصب كثيرة لوزارات ومرافق لا تمارس أي عمل على أرض الواقع بحكم الحرب، والتي كان أبرزها عملية التجريف الممنهجة للتعيينات في وزارة الخارجية والتي شهدت عملية إحلال لكوادر وموظفين غير مؤهلة ومن خارج الوزارة، إلى التعيينات الكثيرة في مناصب نواب الوزراء ووكلاء ووكلاء الوزراء المساعدين، والملحقين العسكريين والأمنيين والاقتصاديين والثقافيين والإعلاميين في سفارات اليمن في الخارج والتي ترتبط بعلاقة المعينين بالوزراء والمسئولين في حكومة هادي.

ويشن إعلاميون وناشطون حملات كشف لفضائح الفساد الخاصة بعملية التعيينات التي تتم من قبل هادي وحكومته لأبناء وأقارب الوزراء والمستشارين والسفراء والقادة العسكريين، فضلاً عن إعطاء المنح الدراسية في المجالات العسكرية والمدنية لهم.

وعلى مدى ثلاثة أعوام من وجود هادي وحكومته في الخارج، ارتبط فساد التعيينات بموضوع المرتبات التي يتسلمها المعينون بالعملة الصعبة والتي لا يقل أدنى مرتب فيها عن 1500 دولار، بل ويتجاوز بعضها 30 ألف دولار، كما كشفت عن ذلك وثائق رسمية خاصة بمرتب محافظ البنك المركزي اليمني، وهو الأمر الذي أدى إلى انعكاسات سلبية كبيرة على قيمة العملة المحلية وانهيارها مقابل العملات الأجنبية خاصة مع وجود معظم إن لم يكن جميع أعضاء ومسئولي الرئاسة والحكومة اليمنية الشرعية وحتى المحافظين خارج البلاد.

فساد حكومة الشرعية يمتد إلى عملية التجريف التي تمت لمؤسستي الجيش والأمن اللذين كان هادي قاد عملية تدمير لهما عبر ما سمي بالهيكلة، من خلال إنشاء مؤسسة عسكرية وأمنية جديدة تحت مسمى الجيش الوطني غلب عليها طابع المليشيات السياسية والحزبية، والمناطقية، والارتباط بمراكز النفوذ، فضلاً عن قضايا الفساد المتعلقة بحجم المنتسبين لهذه المؤسسة، حيث تؤكد المعلومات أن كشوف القوات التابعة للشرعية تمتلئ بأسماء وهمية لا وجود لها ويتم تسلم مرتباتها من قبل القادة العسكريين والأمنيين.

الحوثنة... تجريف وفساد سلالي وعنصري

وإذا كانت الأخونة التي مارسها حزب الإصلاح، وعملية التعيينات العائلية التي يمارسها هادي وحكومته تشكلان عملية جرف للوظيفة وفساد مالي وإداري غير مسبوقة للوظيفة العامة في الجمهورية اليمنية، فإن ثالثة الأثافي، كما يقال، هو ما بات يعرف بـ(الحوثنة) التي تتم من قبل مليشيات الحوثية المرتبطة بإيران بحق الوظيفة العامة.

ويؤكد مختصون بالإدارة أن مخاطر (حوثنة) الوظيفة العامة في كونها تتم بشكل لا صلة له بكل النظم والقوانين والنصوص واللوائح التي تنظم الوظيفة العامة والإدارة لمؤسسات الدولة بمختلف مستوياتها.

وأظهرت مليشيات الحوثية سعيها للقضاء على كل ما له علاقة بالدولة منذ اليوم الأول لانطلاقها العسكري المسلح الذي تزامن مع أزمة العام 2011م، من خلال قيامها بمهاجمة معسكرات الجيش والاستيلاء عليها ونهبها، وهو الأمر الذي مكنها من إسقاط العاصمة صنعاء عسكرياً، والاستيلاء على السلطة بالقوة وممارستها خارج إطار نصوص الدستور والقوانين من خلال ما سمته اللجان الثورية.

وعلى الرغم من أن سيطرتها العسكرية على العاصمة أفضى إلى شراكتها في السلطة من خلال تشكيل حكومة جديدة برئاسة المهندس خالد بحاح، إلا أن الحركة سرعان ما انقلبت على هذه الحكومة واستولت على مختلف مؤسسات ومرافق الدولة وشرعت في ممارسة الحكم عبر ما سمي باللجنة الثورية العليا واللجان التابعة لها.

وتكمن خطورة ممارسات وفساد المليشيات الحوثية في أنها تمارس عملية تجريف ممنهج لمؤسسات ومرافق الدولة ولمفهوم الوظيفة العامة سواءً من خلال الاستيلاء عليها ونهبها واستغلال مقدراتها وإمكاناتها ومواردها لصالح الحركة ومليشياتها، أو من خلال تشكيل كيانات ومؤسسات جديدة خارج إطار نصوص الدستور والقوانين النافذة، ناهيك عن إنشاء كيانات موازية لسلطات ومؤسسات الدولة تتولى مهام رسمية بدلاً عن تلك المؤسسات.

ورغم تشابه الإجراءات التي مورست بحق مؤسستي الجيش والأمن سواءً من قبل هادي وشركائه في السلطة وعلى رأسهم الإخوان، أو من قبل مليشيات الحوثي، إلا أن إجراءات الأخيرة اتسمت بثقافة الحقد والانتقام ضد قيادات ومنتسبي هذه المؤسسة على خلفية حروب الدولة الست ضد تمردها في صعدة.

تجريف المليشيات الحوثية لمؤسستي الجيش والأمن بدأ بمداهمة ونهب معسكرات الجيش والأمن، ثم بعملية التسريح القسري والمتعمد لقياداتها ومنتسبيها، مروراً بتغيير وتعيين قيادات للوحدات العسكرية والأمنية تنتمي للمليشيات، ومعظمها إن لم يكن جميعها عناصر مليشاوية من خارج إطار مؤسستي الجيش والأمن، ولا تملك أي خبرة أو كفاءة، فضلاً عن كونها صغيرة السن، وصولاً إلى قطع مرتبات القوات المسلحة والأمن، وانتهاءً بإحلال مليشياتها المسلحة كبديل عن الوحدات العسكرية والأمنية.

وعلى غرار ممارساتها في مؤسستي الجيش والأمن، تواصل مليشيات الحوثي إجراءات تجريفها للوظيفة العامة في القطاع المدني بذات الوتيرة وبنفس الأساليب سواءً من خلال تعطيل عمل مؤسسات الدولة، أو من خلال تعيين مشرفين بيدهم كل الصلاحيات، أو من خلال إيقاف مرتبات الموظفين، أو عبر الاستيلاء على إيرادات وموارد هذه المؤسسات (الإيرادية كالضرائب والجمارك وغيرها) أو من خلال تعيين قيادات ومسئولين لهذه المؤسسات ينتمون للمليشيات.

ومنذ ما بعد إقدام المليشيات الحوثية على اغتيال الرئيس السابق علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام ورفيقه الأمين العام عارف الزوكا في ديسمبر الماضي، تزايدات عملية التجريف من قبل المليشيات لكل مؤسسات الدولة من خلال سياسة الحوثنة التي تتم بشكل غير مسبوق والتعيينات التي تتم في مختلف مرافق الدولة.

السلطة القضائية هي الأخرى بمؤسساتها المختلفة تعرضت وتتعرض لعملية حوثنة مستمرة لمختلف هياكلها التي تشمل مجلس القضاء الأعلى والمحكمة العليا والمعهد العالي للقضاء ورؤساء المحاكم الاستئنافية والابتدائية والمحاكم المختصة والتجارية ومنصب النائب العام ورؤساء وأعضاء النيابات الابتدائية والاستئنافية، حيث عمدت المليشيات الحوثية إلى تعيين أشخاص يتبعونها في مختلف هذه المناصب، وأقصت كل القضاة والمحامين الذين يناهضونها ويرفضون تنفيذ توجيهات قيادات المليشيات.

حوثنة السلطة القضائية لم تقف عند حد تعيين الموالين للمليشيا في مفاصل القضاء، بل امتدت إلى استخدام القضاء كوسيلة من وسائل تصفية الحسابات ضد الخصوم السياسيين والمعارضين لها، وذلك من خلال إحالة كل من يعارض المليشيات إلى القضاء وتلفيق تهم وإصدار أحكام بحقه أقلها الحكم بالسجن وبعضها يصل إلى الإعدام.

كما لجأت المليشيات إلى استغلال السلطة القضائية لإصدار أحكام خاصة تقضي بمصادرة واستيلاء ونهب ممتلكات وعقارات وأراضٍ واستثمارات تابعة لأشخاص وتجار مناهضين لها.

واستغلت مليشيات الحوثي نظام البصمة والصورة الوظيفية لتنفيذ مشروعها في حوثنة الوظيفة العامة على المستوى المركزي والمحلي في مناطق سيطرتها، حيث شرعت وتحت مزاعم استكمال عملية تطبيق البصمة والصورة بهدف إنهاء الازدواج الوظيفي واستبعاد الموظفين الوهميين، واستبدال الموظفين الموالين لـ(العدوان)، إلى القيام بممارسة عملية إسقاط وإقصاء سياسية ممنهجة من خلال إسقاط أسماء عشرات الآلاف وإحلال عناصر منتمية إليها بديلا عنهم.

وتؤكد مصادر في وزارة الخدمة المدنية في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون لـ(نيوزيمن)، أن وزير الخدمة طلال عقلان –وهو قيادي في مليشيا الحوثي- مارس عملية فساد مالي لمبلغ يتجاوز (200) مليون ريال بحجة تنفيذ إجراءات البصمة والصورة في العاصمة صنعاء وبعض المحافظات للموظفين، فضلا عن استغلال هذه الإجراءات في استبعاد وتنزيل أسماء موظفين محسوبين على أحزاب وقوى سياسية معارضة للمليشيات ومعظمهم ممن يتواجدون في الخارج ويساندون حرب التحالف العربي أو من القيادات والكوادر التابعة للمؤتمر الشعبي العام والتي تجاهر بمواقف سياسية ضد المليشيات، واستبدالهم بعناصر موالية للمليشيا.

وتضيف تلك المصادر أن خطورة (الحوثنة) التي تمارسها المليشيا للوظيفة العامة في كونها قائمة على نزعة سلالية عنصرية، فجميع من تم ويتم تعيينهم وتوظيفهم في مختلف المناصب القيادية العليا أو الوسطى أو حتى الصغيرة ينتمون إلى الأسر الهاشمية ويدينون بالولاء للمليشيات الحوثية مذهبياً وفكرياً.

ووفقاً لتلك المصادر، فإن عناصر المليشيا الحوثية الذين يتم تعيينهم في مناصب قيادية يقومون بممارسة عمليات فساد مالي غير مسبوقة، ويستخدمون أساليب القوة والعنف في فرض قراراتهم في حال تم معارضتها لكونها مخالفة للنصوص القانونية والأنظمة واللوائح.

وبشكل لم يسبقه أحد تتعمد مليشيات الحوثي استخدام الوظيفة العامة في عملية الإهانة والسطو على الناس، وفي الوقت نفسه ممارسة عملية ابتزاز مالي، حيث تتعمد العناصر التابعة للمليشيات والتي تتولى مناصب أمنية إلى اختطاف واعتقال كثير من المواطنين دون تهم وممارسة عملية ابتزاز بحق أسرهم التي تضطر إلى دفع مبالغ مالية كبيرة للمليشيا مقابل الإفراج عن ذويها.

المستقبل الملغوم

وتكاد تجمع آراء خبراء الإدارة أن ما تعرضت له الوظيفة العامة سواءً على المستوى العسكري والأمني أو المدني من فساد ممنهج منذ تسلم هادي للسلطة مروراً باستيلاء المليشيات الحوثية عليها، وصولاً إلى مرحلة الحرب وانقطاع مرتبات موظفي الدولة وممارسات العبث من قبل حكومة الشرعية أو حكومة المليشيا الحوثية بالوظيفة العامة، فضلاً عن الانقسام الذي تشهده مختلف سلطات ومؤسسات الدولة خاصة القضائية والتعليمية والتربوية كلها تشكل عوامل تسهم في تعمد الطرفين استثمار الحرب لصالحهم، ناهيك عن ما تمثله من تحديات على مستقبل اليمن بعد انتهاء الحرب، فالتجريف والفساد الذي شهدته الوظيفة العامة في مجال القوات المسلحة والأمن ستظل بمثابة ألغام تحصد أرواح اليمنيين وتهيء الظروف لحروب واقتتال داخلي مستمر، ناهيك عما ستشكله من عوائق في طريق القدرة على إعادة مؤسسات الدولة إلى العمل في خدمة الناس وإدارة وتلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم وتنظيم حياتهم.

 

اقرأ ايضا:

من (الأخونة) إلى (الحوثنة).. تجريف الوظيفة العامة في اليمن (1-2)