من سليماني إلى شعباني.. صنعاء كأداة إيرانية على الهامش

السياسية - Saturday 11 August 2018 الساعة 10:16 pm
مهدي العمراني، نيوزيمن، خاص:

إلى ما قبل اغتيال رئيس الجمهورية السابق ورئيس حزب المؤتمر علي عبدالله صالح، مطلع ديسمبر من العام الماضي 2017م، لم يكن مسئولو إيران يملكون الجرأة الكافية للخوض في الشأن اليمني بصراحة ودونما مواربة، واستثمار اليمن والقضية اليمنية بكل وضوح وشفافية، كورقة مساومة وضغط معلنة في سياق لعبتهم السياسية وملفاتهم الشائكة مع أمريكا وبريطانيا وتحركاتهم في المنطقة العربية.

صمت حوثي وتوارٍ مؤتمري

اليوم تختلف الصورة تماماً عن أيام صالح، فمن يوم لآخر تتوالى صور سلب إيران للقرار اليمني وصوت صنعاء، في ظل صمت سلطات الانقلاب الحوثية، وغياب وتواري الصوت المؤتمري، فبعد نحو 12 يوماً من ظهور علني فجّ لقائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، تحدث فيه عن "أن البحر الأحمر غربي اليمن لم يعد آمناً"، مطلقاً التحذيرات لأمريكا استناداً لما يعتبرها قوتهم في المنطقة، في إشارة إلى جماعة الحوثيين وسلطة القرار في صنعاء، جاء اعتراف القائد في الحرس الثوري الإيراني، ناصر شعباني، والذي كشف فيه بجرأة غير معهودة "أن الهجوم الحوثي الذي استهدف ناقلتي النفط السعوديتين في مضيق باب المندب، كان بطلب من الحرس الثوري".

جاء هذا التصريح الذي نشرته وكالة "فارس" الإيرانية، نقلاً عن قائد عمليات مقر "ثار الله" التابع للحرس الثوري، شعباني، ليجلي بقية الصورة، ويعلن صراحة سلب الإرادة السياسية من صنعاء كلياً، مدشناً بذلك مرحلة جديدة من الصراع الإيراني الأمريكي الاستراتيجي في المنطقة (ملفات البرنامج النووي والعقوبات)، وأضاف شعباني، بكل وضوح: أن مليشيات الحوثي في اليمن، ومليشيات حزب الله اللبناني، تمثلان العمق الإيراني في المنطقة.

وصاية إيرانية علنية على صنعاء

الاعتراف والإعلان الإيراني الصريح بالوصاية على صنعاء والذي جاء بصيغة "طلبنا من اليمنيين أن يهاجموا ناقلتي النفط السعوديتين، ففعلوا ذلك"، جاء بعد يوم واحد من إعلان "التحالف"، عن إحباط هجوم حوثي استهدف ناقلتي نفط سعوديتين في مضيق باب المندب قبالة السواحل الغربية لليمن، وأكد المتحدث باسم التحالف، العقيد الركن تركي المالكي، أن إحدى ناقلات النفط تعرضت لإصابة طفيفة قبل أن تتدخل سفن القوات البحرية للتحالف وتفشل الهجوم، وبعد هذا التصعيد أعلن وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودية، خالد الفالح، عن تعليق جميع شحنات النفط الخام السعودية التي تمر عبر مضيق باب المندب، قبل أن يعلن استئنافها في وقت لاحق.

ردة فعل أمريكية

وبمثل الجرأة الإيرانية لاستلاب القرار على سلطة صنعاء، وإشهار الوصاية الإيرانية على اليمن وسلب إرادتها وصوتها السياسي وخطفها من محيطها العربي في تصريحات سليماني وشعباني، جاءت ردة الفعل الأمريكية بذات الجرأة والشفافية غير المعهودة، فقد عبرت واشنطن، بلسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر نويرت، عن مخاوفهم بشأن التصعيد في اليمن والبحر الأحمر، قائلة: "لدينا مخاوف بشأن ما يفعله المتمردون الحوثيون، لقد قاموا بالعديد من الهجمات ضد الشعب اليمني"، وأضافت الخارجية الأمريكية، في تغريدية على حسابها رصدها موقع "نيوزيمن": "لقد رأينا ما حدث في ميناء الحديدة، وعدم القدرة على التدفق الحر للبضائع القادمة"، ولأول مرّة تستخدم الخارجية الأمريكية، مصطلحات "القضاء" و"لاعبين سيئين"، قائلة في تعليقها على حادثة استهداف السفينة السعودية "وللمملكة العربية السعودية بالتأكيد الحق في محاولة القضاء على بعض اللاعبين السيئين".

ضعف حوثي في غياب صالح

ويرى المحامي القانوني والناشط السياسي بحزب المؤتمر، نزيه العماد، أن تصريحات القائد العسكري الإيراني، قاسم سليماني، بشأن اليمن، كشفت عن الدافع وراء اغتيال رئيس الجمهورية السابق علي عبدالله صالح، مشيراً إلى أنه "تأكد للجميع بأن السبب هو سلب صنعاء أي إرادة سياسية، إخفاؤها عن الخارطة السياسية تماماً، وجعل الأمر يُدار ضمن ملفات التفاوض بين الدول الخارجية وخصوصاً إيران وبريطانيا وأمريكا"، ولاعبين سيئين..!

ويرى العماد، أن صنعاء كانت حاضرة بقوة في خطابات صالح، فقد كانت خطاباته تعبيراً عن إرادة وموقف الجماهير وآلامها وطموحاتها، فيتناقل العالم صوت صنعاء باهتمام وجدية في كل مرة، مضيفاً "بينما الآن المبعوث الأممي غريفيث يكرر زياراته لصنعاء عسى أن يخرج منها بأي موقف سياسي يعبر عن صوت الجماهير هناك، ولا يجد إلا لقاءً تلفزيونياً لقائد ميليشيا دينية لا يعبر إلا عن صوت جماعته والمنعزل تماماً عن نبض الشارع اليمني".

وباغتيال الرئيس صالح -حسب العماد- أصبح الحوثيون في حالة ضعف أمام حليفتهم إيران أكثر من ضعفهم أمام التحالف الذي يواجههم، وأصبحوا "مجرد أداة في الهامش السياسي"، وباتوا، حسب تعبير الخارجية الأمريكية، "لاعبين سيئين" وللسعودية الحق في "القضاء" عليهم..!

خطط إيرانية سابقة

وكانت وسائل إعلامية كشفت في مارس من العام الماضي 2017م، تفاصيل خطة إيرانية جديدة، لزيادة الدعم للحوثيين، بهدف تحويلهم إلى كيان يشبه حزب الله اللبناني، ونقلت وكالة "رويترز"، حينها، عن مصادر إقليمية وغربية، أن إيران مستمرة في إرسال أسلحة متطورة ومستشارين عسكريين إلى جماعة الحوثي المسلحة في اليمن. وأوضحت المصادر، أن هذا الدعم قد يغير نتيجة ميزان القوى في المنطقة والشرق الأوسط عموماً.

وقال مسؤول إيراني كبير، إن الميجر جنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، اجتمع مع كبار مسؤولي الحرس الثوري في طهران الشهر الماضي (فبراير 2017م) لبحث سبل "تمكين" الحوثيين، حسب "رويترز" ، وذكر المسئول أنه "في هذا الاجتماع، اتفقوا على زيادة حجم المساعدة من خلال التدريب والسلاح والدعم المالي.". وأضاف قوله: "اليمن هو المنطقة التي تدور فيها الحرب بالوكالة الحقيقية وكسب معركة اليمن سيساعد في تحديد ميزان القوى في الشرق الأوسط."

إنشاء مليشيا إيرانية في اليمن

وأقر المسئول الإيراني أنهم يخططون لإنشاء ميليشيا في اليمن على غرار جماعة حزب الله، من أجل مواجهة سياسات الرياض المعادية، وأن إيران تحتاج لاستخدام كل أوراقها، وتطابق حديث المسئول الإيراني مع حديث مسئول دبلوماسي غربي نقلته عن وكالة رويترز قوله: "تحاول إيران منذ فترة طويلة صقل قطاعات من ميليشيات الحوثيين ليكونوا قوة معطلة في اليمن". وأوضح: "ليس معنى هذا أن الحوثيين مثل حزب الله، لكنهم ليسوا بحاجة إلى أن يكونوا مثله ليحققوا أهداف إيران وهي تطويق السعوديين وتوسيع نطاق نفوذها وقوتها في المنطقة وخلق أدوات ضغط غير تقليدي."