تحليل- معطيات مواجهة مصيرية بين "التحالف" و"الحلفاء" في اليمن

السياسية - Wednesday 10 October 2018 الساعة 09:39 pm
عدن، نيوزيمن، خاص:

المسكوت عنه منذ 2011 (الأفعال والفاعلين) ليس من الأسرار التي تخفى على كثير من اليمنيين، فضلاً عن السعودية والإمارات، وعلى صلة بذلك فيما يحدث اليوم أين يمكن وضع حملة التحريض والتجييش الأخيرة بصدد انتفاضة ضد السعودية والإمارات؟ وأين موقع وموقف هادي في مجال رؤية ورصد التحالف المؤيد لشرعية رئيس بات يمثل في حقيقة الأمر تهديداً حقيقياً وخطيراً لتماسك التحالف ومصالح دولتيه إقليمياً وقومياً، وفي الخندق الأول/ الأخير مع الإخوان وقطر؟

لحسابات تكتيكية طارئة فرضها متغير الانقلاب الحوثي من المفهوم أن تجنب دولتا التحالف معطيات ومؤشرات مهمة وخطيرة، وأن تتعاملا مع عبدربه منصور بحسابات وشروط فرضتها أوضاع طارئة جمدت التحفظات الكثيرة حول الرجل وأملت أن يقبل عليهما بأجمعه، أو أن يجمد بدوره حسابات واستحقاقات عقد العمل مع الحليف القطري وحلفائه من الإخوان الذين استقطبتهم الرياض وخصتهم بامتيازات كبيرة بأمل –أيضاً- أن تأمن جانبهم والرئيس في وقت واحد.

مقدمات أولى

مثّل عبدربه منصور هادي الورقة الرابحة في يد الإخوان وفي الجيب الخلفي للقطريين. خطورة وأهمية هادي (سياسياً ودستورياً) تعدت علي محسن في تلك المرحلة لجهة موقعه من رأس السلطة، كنائب للرئيس ويوشك أن يصبح الرئيس بالنيابة خلفاً للرئيس الراحل في تفجير جامع الرئاسة.. لكن الرئيس نجا وبقي هادي نائباً، ثم قائماً بأعمال الرئاسة المنقولة إليه من الرئيس الذي يخضع للعلاج.

ومن حيث هو، في جميع الأحوال، تمتع هادي بصلاحيات وسلطات الرجل الأول في النظام، ورجل قطر والإخوان الأول في جبهة إسقاط النظام.

هذه الخلفية مهمة للانتقال إلى المرحلة الانتقالية واستواء الرئيس التوافقي على رأس السلطة، كممثل افتراضي لمعسكر وساحة السبعين-النظام، وممثل فعلي لمعسكر وساحات الستين- إسقاط النظام.

"حرائق انتقالية"

كانت مهمته المزمّنة بعامين في جدول أعمال محدد وفق آلية تنفيذية، نسفها هادي والإخوان من اليوم الأول وراحوا ينفذون جدول أعمال خاصاً بهم، وتواطأت الدول العشر الراعية وجيئ بمجلس الأمن إلى صنعاء، ودشن هادي والإخوان معارك إعاقة تنفيذ المبادرة، المعيقين، الهيكلة، وانتهاءً بقرارات الفصل السابع والتي مثلت ذروة حرب ملعونة وشخصية نفذها القطريون وأدواتهم ضد صالح شخصياً وعائلته بصفة أخص.

استنزفت معارك الانتقاليين الشخصية ضد الرئيس المنصرف عامي الفترة الانتقالية ليصار إلى فرض التمديد ورفض التقيد بآلية مزمنة.

وتحت بصر وسمع حكام وحكومة الإخوان بدأ تمدد الحوثيين خروجاً من معاقلهم في جبال أقصى الشمال بصعدة باتجاه العاصمة. ولم يعترض طريقهم أحد. وأرسل هادي وزير دفاعه مراراً لتقديم واجب الحياد والطاعة لقادة قوات المليشيا الزاحفة.

كانت سنوات الخراب الممهد للانقلاب الأسوأ. وخلال الأعوام الثلاثة الأولى من الانتقالية، التي شارفت على العشرية الأولى، فتحت الأبواب على مصراعيها أمام القطريين الذين صاروا يمارسون أعمالاً سياسية مباشرة انتقاصاً من السيادة الوطنية اليمنية. تعاقبت الصحافة المحلية على نشر الوقائع المدوية والتفاصيل المخزية لبعض من حالات التغول القطري أمنياً وسياسياً وتنفيذياً في العاصمة ومن مطارها وباتجاه أجهزة الأمن والاستخبارات ثم عربدوا على امتداد خارطة البلاد طولاً وعرضاً.

كان السعوديون والإماراتيون يشاهدون ويرصدون كل ما يحدث. تعاقب هادي ووزراء حكومة باسندوة على زيارة الدوحة تباعاً وتكراراً، وتسليمها المزيد من الامتيازات وعوامل النفوذ. وخلال ذلك سعت قطر في إعادة مياه العلاقات إلى مجاريها بين صنعاء وطهران واستقبل هادي سفير إيران الجديد بصنعاء مرحباً بالاستثمارات الإيرانية على مبعدة أيام فقط من دخول الحوثيين آمنين إلى العاصمة.

كل شيء سار بوضوح شديد. لكن الجميع لديهم مصلحة مشتركة وراء إلقاء المسئولية على كاهل صالح لوحده وحصرياً. تم إعفاء وتبييض صفحات الحكام والسلطة التنفيذية وقادتها والقيادة العليا للجيش والأركان من جميع مسئولياتهم وخياناتهم الموثقة، ومنحوا شهادات براءة بتواقيع سفراء العشر الراعية للمبادرة غير المنفذة والآلية المزمنة الممزقة برعاية رعاة المبادرة والآلية.

"الحلفاء".. و"التحالف"

مرة أخرى قطر تربح. آلت الأمور في صنعاء من يد حلفائها الإخوان إلى يد حلفائها الحوثيين. وانقسم الإخوان إلى فريقين: الكهول والعجزة إلى المملكة (بمن فيهم هادي)، والطاقات القيادية الفاعلة والشابة والتنفيذية إلى قطر وتركيا.

ومن قطر وتركيا دشن الإخوان انقلاباً مدوياً على السعودية والإمارات والشرعية إلى صف ومعسكر قطر التي باتت تدير بالإخوان وهادي معركة مصيرية مع السعودية والإمارات انطلاقاً من الرياض نفسها وعبر هادي والإخوان أنفسهم.

وفي صنعاء أنجز الحوثيون لأنفسهم وللإخوان وللقطريين الهدف النهائي بالتخلص من علي عبدالله صالح. وهذه النتيجة المأساوية المفزعة (في نتائجها) ما كان لها أن تتم بهذه السهولة لو لم تتوافر على خدمات مباشرة وجانبية فعلها الجميع على حين انجرار وراء دوافع غامضة من أنهم كانوا يستهدفون الحوثيين الانقلابيين الموالين لإيران.

حصيلة كارثية

في المحصلة انفرد الحوثيون الموالون لإيران ولقطر والذاهبون علناً إلى زواج مصلحة ومصالحة مع الإخوان وعلى خط معركة ناجزة يديرها هادي والإخوان مع السعودية والإمارات ولحساب قطر وإيران في تعز وشبوة والمهرة ولا تسأل عن مأرب أو الجوف حيث الإصلاحيون يتقربون الآن "الهواشم" ويقلدونهم مواقع عليا وحساسة في قيادة المنطقة العسكرية الرابعة تزامناً مع دعوات مصالحة ونداءات صلح كانت إلى الأمس مستنكَرة ومجرَّمة إن جاءت من صالح الذي كان يريدها مصالحة وطنية شاملة لا تستثني أحداً.

أملت السعودية أن تأمن جانب الرئيس الممدد بعيداً خارج أسوار المبادرة والآلية المنسية (والموسح في الرياض وطاقمه العقيم المقيم) وجانب الإخوان، وأن تأخذ بوجوههم عن قطر. خابت الآمال ومجدداً تكتشف الرياض أن وجوههم وإن تحولت إليها فإن قلوبهم جاثمة في قصر أمير الدوحة وسلطان أنقرة.

أسئلة مفخخة

بالتسلسل مع ما سبق، أين يمكن وضع حملة التحريض والتجييش الأخيرة بصدد انتفاضة ضد السعودية والإمارات، مركزها تعز، برعاية وإدارة الإخوان وعبر منصتي الدوحة اسطنبول؟
وأين موقع وموقف الرئيس هادي في مجال رؤية ورصد التحالف المؤيد لشرعية رئيس بات يمثل في حقيقة الأمر تهديداً حقيقياً وخطيراً لتماسك التحالف ومصالح دولتيه إقليمياً وقومياً، وفي الخندق الأول/ الأخير مع الإخوان وقطر؟

بالتالي، تتبادر وتتوارد تباعاً وتبعاً لذلك، أسئلة جوهرية ومصيرية، حول مصير عمليات وأهداف التحالف؟ ومصير وبدائل رأس وجسم سلطة الشرعية المتحالفة ضد تحالف دعم الشرعية؟ ومصير العمليات العسكرية المشتعلة في أكثر من جبهة ـ أو على الأقل في الجبهات الفعلية (الساحل الغربي/ الحديدة، حجة، وصعدة) ثم مصير ومسار الحرب برمتها وحسابات الأرباح والخسائر بالتوزيع على أطراف طاولة الحرب والسلام؟ ومصير مأرب؟ ومصير الجنوب؟ ومصير الجيش والقوات العسكرية والأمنية في كل اليمن؟ ولا تنتهي الأسئلة.

خيارات التحالف

بحسابات واقعية سيبدو أن خيارات التحالف تتقلص عامودياً وأفقياً، ليس بسبب مباشر من مجريات الحرب وحسابات الجبهات، وإنما بسبب الحروب اللعينة والخطرة، التي أدارها ويديرها هادي والإخوان من داخل التحالف وفي مساحات المحافظات المحررة، وراحت تستنزف مجهودات وطاقات وإمكانات التحالف في متوالية معارك وحرائق جانبية وداخلية من شأنها أن تعيد توجيه الأهداف نحو نتائج كارثية، ليس إلا أقلها سوءاً تفكيك دولتي مركز التحالف وإضعافهما معاً وفي آن واحد، ومنح قطر انتصاراً جديداً لا تقتصر قيمته على صعيد واحد.
ناهيكم عن الخدمات الجليلة التي تذهب للحوثيين. وإضعاف جبهات التحالف وحلفائه على الأرض، في مقابل تشكيل ألوية عسكرية جديدة لحساب الإصلاح في أكثر من جبهة وخصوصاً في تعز تضاف إلى ألوية ومعسكرات كبيرة خاضعة لسيطرة الإخوان.

لكن هذا لا ينبغي أن يعني بالضرورة تقييد حركة التحالف ومقدرته على المناورة وتحجيم أثر وضرر وخطر مقامرات ومغامرات هادي والإخوان وفرض شروط جديدة كلياً لمسرح جديد وفق أولويات معقولة ومقبولة تحافظ على تماسك جبهة التحالف ومصالح أطرافه وتضمن بيدها صلاحية وقوة الإحاطة والتحجيم لقوة وحجم الإخوان والحوثيين في أية صيغة مقبلة لترتيب مشهد مختلف ليمن مختلف.

آخر جولات هادي

سيكون من الإجحاف والتنكيل بحق اليمنيين إعطاء أي توقعات أو سيناريوهات تمدد لهادي في مدى يتجاوز بضعة أشهر على أبعد الاحتمالات. هو لا يساعد نفسه كثيراً للإفلات من إدمانه المزمن على التبعية للإخوان ورؤية العالم بأعينهم.
ومن غير الواضح حتى الآن أن هادي يرغب أو يخطط لخروج مختلف عن ملابسات وأجواء (خرجاته) المتعاقبة من عدن إلى صنعاء ثم من صنعاء إلى عدن ثم من عدن إلى الرياض. وبقيت له واحدة سنرى كيف ينجزها.

على أية حال، ليس كذباً ما يُقال من أن خبرة ولعنة التفكيك تسبق هادي إلى حيث يذهب وأينما حل. ولعلها تكون الجولة الأخيرة.