في ذكرى أكتوبر.. هادي يؤكد انتماءه لدولة 94 ويرفض مشروع التحالف العربي مع القوى الجديدة

السياسية - Monday 15 October 2018 الساعة 06:58 pm
عدن، نيوزيمن، صالح أبوعوذل

ألقى الرئيس اليمني الانتقالي عبدربه منصور هادي، خطاباً بمناسبة ذكرى ثورة الـ14 من أكتوبر التي انطلقت ضد الوجود البريطاني، وهو الخطاب الذي أثار حالة من الجدل والسخرية لدى قطاع واسع من اليمنيين والجنوبيين الذين تندّر بعضهم بعبارته الأخيرة: "نحن هنا أين أنتم"، والتي قالها بالإنجليزية، ربما رداً على الساخرين من ركاكة لغته العربية.

ثورة في جنوب ممزق

استهل هادي خطابه بالحديث عن بداية انطلاق ثورة الـ14 من أكتوبر 1963م، والتي أكد أنها انطلقت "من قمم جبال ردفان الشماء وسقط أول شهيد فيها راجح بن غالب لبوزة، وامتدت جذورها إلى جميع السلطنات والولايات في الجنوب"؛ وهنا أراد هادي القول "إن الجنوب لم يكن جغرافيا واحدة، حين انطلقت ثورة أكتوبر وإنما كان جنوباً ممزقاً بفعل سياسة الاحتلال البريطاني، التي قسمت الجنوب إلى ولايات وإمارات، وأنه لا ضرر من السير على نهج بريطانيا في تقسيم الجنوب إلى اقليمين، (حضرموت وعدن)، وهو المشروع الذي يؤكد المتحاورون في صنعاء أنه مشروع (إقليمي يمني) قُدم لضرب مشروعية القضية الجنوبية القائمة على استعادة دولة اليمن الديمقراطية الشعبية، المنقلب عليها بالحرب والاحتلال الذي استمر لأكثر من ربع قرن.

تجاهل الرئيس هادي ذكر الانتفاضات الجنوبية التي سبقت 14 أكتوبر 1963م، والمتمثلة في انتفاضات واحتجاجات، من قبل النقابات والقوى الوطنية الجنوبية، وقد قوبلت بالقمع العسكري البريطاني قبل أن تتحول إلى ثورة مسلحة خلدت باسم الشهيد البطل بن لبوزة.

وهي تشبه بداية الثورة الجنوبية الثانية التي بدأت بمظاهرات سلمية تعرضت للقمع من قبل نظام صنعاء، قبل أن يجبرها العدوان الشمالي الثاني على الجنوب لحمل السلاح وطرده من عدن بدعم من التحالف العربي.

واحدية الثورة والأرض اليمنية

في الفقرة الثانية من خطاب الرئيس هادي، زعم أن ثورة أكتوبر في (الجنوب المقسم) هي امتداد لثورة 26 سبتمبر، ملمحاً إلى أن ذلك يؤكد "مصطلح (واحدية الأرض والثورة)"، الذي أطلقه بعض من يعقدون أنهم قومجيون في اليمن، رداً على مطالب الجنوبيين بالاستقلال.

ثورة 26 سبتمبر.. هل هي ثورة تشبه ثورة أكتوبر، بالتأكيد لا.. فلا وجه للشبه بين ثورة ضد وجود أجنبي وبين انقلاب على نظام.

كان الزعيم العربي الخالد جمال عبدالناصر يدعم أي انتفاضة في أي قطر عربي للتخلص من الأنظمة القمعية والكهنوتية، ولأن (صنعاء) كانت تحكمها "المملكة المتوكلية"، دعم جمال عبد الناصر قلب النظام هناك من ملكية إلى جمهورية.

وللمعلومية من قام بالثورة هم "الضباط الأحرار"، الذين دفعوا بقائد حراسة الإمام "عبدالله السلال"، باعتباره سهل لهم عملية الانقلاب ضد النظام الملكي، إلى رئاسة أول جمهورية "الجمهورية العربية اليمنية".

الضباط الأحرار هم من فجر الانقلاب، لكن من انتصر للجمهورية هم المصريون والجنوبيون، فالزعيم الخالد جمال عبدالناصر (وصفه هادي بالمرحوم)، دفع بقوات عسكرية مصرية لدعم الجمهوريين، وقد قتل الكثير من رجالها، بفعل سياسة (في الليل مع الملكية والنهار مع الجمهورية)، والتي لا تزال تمارس إلى اليوم في تخوم صنعاء وساحل ميدي وحارات تعز.

كما شارك الكثير من رجال الجنوب في محاربة الإمامة ودعم الجمهوريين، وقدموا تضحيات كبيرة، انطلاقا من شعارات ومبادئ جمال عبدالناصر القومية، لكن لم يشارك أي شمالي في ثورة 14 أكتوبر الجنوبية، وهذا أبسط دليل يدحض ما يسمى بواحدية الثورة.

ويحسب للجنوبيين أنهم شاركوا في فك الحصار عن صنعاء "حصار السبعين"، فالجنوبيون هم من فك الحصار عن صنعاء، ولا أحد سواهم.

التقليل من نضالات ثوار أكتوبر

قلل الرئيس اليمني من نضالات ثوار الـ14 من أكتوبر، حيث زعم أن خروج بريطانيا من الجنوب، جاء عقب خلافات نشبت بين حزبي العمال والمحافظين في بريطانيا، حيث قال "حينها كانت بريطانيا تعتبر الجنوب جزءاً من محميات الأمبراطورية وكان صراعا بين حزب العمال وحزب المحافظين الذي رفض الخروج من عدن وحزب العمال يقول لابد أن نسلم (السلطة) لأننا لا نستطيع أن نواجه هذا الشعب".

وهذا الصراع الذي ذكره هادي بين الأحزاب البريطانية، لم يرد ذكره في تاريخ الثورة الجنوبية، ولست مخولا للحديث فيه، فهناك من عاصروا الثورة وكانوا جزءاً منها، فهم المخولون بالرد على ما ذكره خطاب هادي.

التحالف العربي احتلال

وقال هادي "إننا اليوم نتذكر تاريخ ومراحل الثورة، وما أشبه الليلة بالبارحة، إن ما يحدث في صنعاء حاليا هو محاولة الحوثي أن يعيدنا إلى نقطة الصفر، وهناك في المحافظات الجنوبية أيضا من يريد أن يقودنا إلى نفس الوضع"؛ أي أن الحوثيين يريدون إعادة اليمن الشمالية إلى عهد الإمامة، وهذا يبدو جلياً، فالحوثيون باتوا يتحكمون في كل مفاصل الأمور في شمال اليمن، وذلك بفضل الدعم الإيراني وسياسة (في الليل مع الحوثي والنهار مع الشرعية)، ناهيك عن التحالف الأخير بين الإخوان والحوثيين، والذي أسقط الشمال كلياً بيد الحوثي وباتت القوى الشمالية تسعى عن طريق هادي للسيطرة على الجنوب، واحتلاله مجدداً.

وأبسط دليل ما ذكرته القيادية الإخوانية توكل كرمان التي طالبت نائب الرئيس علي محسن الأحمر باجتياح الجنوب واحتلاله، ما لم فإنها قد تتعاون مع الحوثي للسيطرة على عدن مرة أخرى.

الاستعمار الجديد

اتهم هادي الجنوبيين بالسعي إلى إعادة الوضع إلى مرحلة الاستعمار البريطاني، فالجنوبيون -يلمح هادي إلى- أنهم يريدون من المطالبة باستعادة دولة الجنوب، إعادة الجنوب إلى ما قبل 30 نوفمبر 1967م، أي إلى الجنوب الممزق، (ولايات وإمارات وسلطنات)، على عكس مشروع هادي القاضي بتقسيم الجنوب إلى قسمين فقط.

"لماذا يريد الجنوبيون أن يعيدوا البلد إلى وضع الاستعمار البريطاني".. هل يتهم هادي التحالف العربي بالسعي لاستعمار الجنوب، على غرار استعمار بريطانيا لعدن، خاصة وأنه قد ألمح إلى أن الحوثيين نجحوا في إعادة الإمامة إلى الشمال "نقطة الصفر"، أي ما قبل الجمهورية، فهل تشبيه الجنوبيين بذلك، يعتبر اتهاما صريحا للتحالف العربي بالسعي لاحتلال الجنوب؟

وهذا الخطاب الذي رفع مؤخراً من قبل تحالف قطر وإيران، وهو ما يوحي بأن هادي يتحدث بنفس المصطلحات التي سمعها الكثير على لسان حلفاء الدوحة وطهران في اليمن، وهي التصريحات التي وصفت دول التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات بدولة احتلال للجنوب المحرر.

توصيف الصراع في الجنوب

وصف هادي في خطابه "مطالب الجنوبيين"، بالصراع الداخلي في الجنوب، وهذا غير صحيح بالمطلق، فالصراع هو صراع مشاريع، مشروع جنوبي يتمثل في استعادة دولة الجنوب، مع مشروع يمني يقوده نظام هادي ذاته ويتمثل في تقسيم الجنوب إلى إقليمين، وهو المشروع الذي يهدف في الأساس إلى ضرب مشروعية الوحدة، كما سبق وأشرت لذلك سلفا.

فهادي الذي يقول إنه لن يسمح بأي اقتتال جنوبي داخلي، يتوعد بأنه لن يسمح للجنوبيين بالمضي في مشروعهم المتمثل في استعادة دولتهم، قبل أن يتهمهم بالعمالة لإيران وبأن إيران لا تزال تمدهم بحساب مالي في بيروت.

وتحدث أيضا عن وجود قناة عدن لايف التي أغلقت أثناء العدوان الحوثي على الجنوب، ولم تعد تبث منذ ذلك الحين.
واعتبر هادي وجود قناة العالم الإيرانية والمسيرة الحوثية وعدن لايف (المغلقة) دليلاً على أن إيران لا تزال تمد الجنوبيين بالمال، في حين أن من هم على علاقة بإيران باتوا اليوم في تحالفات علنية مع أتباع الشرعية، ويتظاهرون معا ومشاريعهم باتت واحدة.

تشبيه من هزموا الانقلاب بالحوثيين

شبه هادي نضالات الجنوبيين بالانقلاب الحوثي، وقال إنهم عملاء لإيران، وهو خطاب جاء عقب ساعات من فتوى دينية أطلقها قيادي إخواني شبه الجنوبيين ومطالبهم بالحوثيين وأجاز قتلهم.

فالجنوبيون الذين وصفهم هادي ورجل الدين الإخواني بأنهم عملاء لإيران استطاعوا دون غيرهم من هزيمة المشروع الإيراني، وهم من تصدى للعدوان الحوثي حين فرّ هادي وقادة الإخوان من صنعاء وسلموا كل شيء لمليشيات الحوثي الإيرانية، بما في ذلك غرف النوم.

وبفضل تضحيات الجنوبيين استطاع هادي العودة إلى عدن مجددا، بعد أن فر خلسة عن طريق عمان إلى السعودية، عقب أن خانه أقرب المقربين منه، وأبرزهم عبدالعزيز بن حبتور.

حوار وطني لمحاربة إيران

قال هادي إنهم قاموا بحوار وطني في صنعاء، في حين كانت العاصمة مقسمة إلى ثلاثة أقسام، دون أن يكشف عنها، لكنه أكد "تحملنا المسؤولية لكي لا نترك الشعب اليمني يقتاد وفقا لخطة إيران التي تريد أن تبني الإمبراطورية الفارسية".
وتحدث هادي عن ما قال إنها "شواهد كثيرة على ذلك، عندنا في معتقلاتنا عدد من الحرس الثوري الإيراني، وعندنا من أعضاء حزب الله اللبناني معتقلون، وكنا نحقق معهم ولا ينكرون ذلك ويقولون إننا امتداد للإمبراطورية الفارسية وأن الأمبراطورية الفارسية ستأخذها إلى البحر.
الأحمر "اقتباس"

وأكد هادي أنه سبق له وحذر السعودية من المشروع الإيراني، مخاطبا الجنوبيين بالقول "اليوم نقول لكل من يدعوا للعودة إلى الماضي وإلى إحياء النعرات المناطقية، عودوا إلى التاريخ، ستعرفون أن العودة للماضي لن يجلب لكم غير الندم".

تمثيل الجنوبيين في الحوار

تحدث هادي عن مشاركة الحراك الجنوبي في مؤتمر الحوار اليمني، غير أن الفريق الذي شارك بقيادة محمد علي أحمد انسحب احتجاجا على الانقلاب على ما تم التوافق عليه مع الرئيس هادي بأن يمنح الجنوب إقليما منفصلا عن صنعاء على حدود العام 1990م، وهو المشروع الذي جاء عقب ما عرف بمؤتمر القاهرة 2011م، وقد انسحب بن علي عقب انسحاب الفقيد المناصل "أحمد بن فريد الصريمة" احتجاجا على عدم منح الجنوب اقليما موحداً.

خرج الجنوبيون في سبع تظاهرات مليونية، رفضا لمخرجات مؤتمر الحوار اليمني، التي قالوا إنها تستهدف بلادهم وتضرب مشروعية قضيتهم العادلة القائمة على استعادة دولة دخلت في وحدة سلمية انتهت بالحرب والاحتلال.
حينها، لم يبق في حوار صنعاء من يمثل الجنوبيين، وحتى الشخوص الذين تم الدفع بهم لتمثل الجنوب، لم يكن أحد منهم من قيادات الحراك الجنوبي الحقيقية أو من كانوا يمثلون تطلعات الجنوبيين، بل هم أتباع لهادي ألبسهم لباس الحراك الجنوبي بعد انسحاب محمد علي أحمد.
فلم يكن الحراك ممثلا في الحوار الوطني بعد انسحاب فريق بن علي، كما أن هادي رفض الاستماع أو على الأقل قبل بالحوار مع القوى الجنوبية التي رفضت مشروع الأقاليم الستة.

حتى إن الأموال التي قدمتها الكثير من الدول المانحة لمعالجة قضية الجنوب ذهبت إلى خزينة تنظيم الإخوان الحاكم الفعلي لليمن بعد 2011م، والتي أعلن عنها "اثنان مليار وثلاثمائة وخمسون مليون دولار"، لا يعرف مصيرها إلى اليوم، لكن على الأرجح أنها ذهبت إلى خزينة تنظيم الإخوان حلفاء الدوحة.

وقال هادي مخاطباً اليمنيين "تتذكرون أني قلت إن القضية الجنوبية هي المرجع لكل مخرجات الحور الوطني واستمرينا في هذا الاتجاه وانتقل الحوار الوطني إلى فندق موفنبيك"، لم أدر ما علاقة نقل الحوار إلى الفندق بمعالجة قضية الجنوب!

هادي الذي رفض كل أشكال الحوار مع الجنوبيين، قال إنه ماض في مشروع الأقاليم الستة وأن خمسة من زعماء العالم أيدوا "دولة الأقاليم الستة"، فحكومة صنعاء سبق لها وتحاورت مع عناصر تنظيم القاعدة، لكنها رفضت أي حوار مع الجنوبيين، بل إنها أتت بشخصيات صورية لتقرير مصير الجنوب بما ارتضاه هادي.

وصف هادي "حكم الهضبة" بـ"المركزية المقيتة"، غير أن دستور الدولة الاتحادية أقر أن يذهب جزء من ثروات الجنوب إلى صنعاء "المركز"، ثم توزع على الأقاليم التي لا توجد فيها ثروات، ناهيك عن أن هادي يسعى لتمكين مأرب من أجزاء من شبوة وحضرموت، وهذا يفضح دولة الأقاليم الستة التي يهدد هادي بفرضها على الجنوبيين.

طالب هادي اليمنيين بالصبر لمواجهة الأزمات الاقتصادية، وهي مطالب متكررة لشعب ملّ من الوعود الكثيرة، في ظل استحواذ حكومة هادي على كل موارد البلاد من ميناء ومطار وغيره، فميناء عدن الذي يديره موالون لهادي لا أحد يعرف أين تذهب موارده، وغيرها من الموارد.

وزعم هادي أن الأزمة الاقتصادية جاءت كمؤامرة خبيثة للإطاحة به من الحكم، في حين يقول رئيس الحكومة بن دغر أن الأزمة ناتجة عن تجريف للعملة الصعبة من قبل الحوثيين والانفصاليين والإرهابيين.

توعد هادي بالدفاع عن الدولة الاتحادية، مهما كلفه ذلك من ثمن، قائلا إن "أي طرف يفكر أن يعيد اليمن إلى ما قبل الاستقلال ويريد أن يعيد اليمن إلى حكم الكهنوت والإمامة هذا مستحيل، لأن الشعب اليمني قد شب عن الطوق واليوم في ظل ثورة التكنولوجيا والمعلومات، فالعالم تغير".. مطالبا الشعب الذي شب عن الطوق "أن يتغير فقط، وأن يمشي مع الركب".

بقي أن نشير إلى أن هادي بعث برسائل إلى السعودية، أكد فيها أن الشمال بات مع الحوثي الإيراني، وأن الجنوب ماض إلى يد إيران أيضاً، وأن الحل يكمن في دعمه للتخلص من القوى الجنوبية أولا ثم التخلص من الحوثي لاحقاً. فمواجهة الجنوبيين تسبق أي مواجهة للحوثيين الذين يحكمون شمال اليمن، كما أراد هادي قوله للرياض، انطلاقاً من فتوى الشيخ عبدالله صعتر، الذي قال إن "الضرورات تبيح المحظورات".