مع مايكل هورتن وعن ميزانية بريطانيا "الإنسانية".. هل اليمن وجبة على مائدة مجلس الأمن؟

السياسية - Friday 16 November 2018 الساعة 05:28 am
عدن، نيوزيمن، أميــن الـوائـلي:

إضاءات وجيزة استخلصناها من خبير أمريكي ضليع في الشئون اليمنية.. قبل ساعات بقيت على موعد مجلس الأمن.. وما يشبه الامتحان الأخير بترادف و"العشاء الأخير".. على مائدة دولية.. وفي المتحلقين من يُتهم بذهابه إلى استحضار اليمن كوجبة استراتيجية.

في أجواء الهجمة الإعلامية على السعودية يمكن وضع الحملة السياسية والضغوط التي تقودها الدبلوماسية البريطانية بصفة خاصة على صلة بالملف اليمني تجاه السعودية ومحاولة ترجمة الحملات المسعورة إلى قيم مادية وسياسية. جدد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أمس الخميس 15 نوفمبر 2018، التذكير بأن المملكة تتعرض لهجمة إعلامية لا أساس لها.

مادة صناعة سياسية

في الواقع العملي تتراجع نسبة مبالغ الدعم البريطاني المقدم لكل برامج الأمم المتحدة في اليمن ومساعداتها المقدمة للحكومة اليمنية عن أن تبلغ حتى 5 بالمائة فقط أو أقل من هذا مما تقدمه الرياض سواءً عبر تمويلات متنوعة لبرامج ومنظمات الأمم المتحدة وتدخلاتها النوعية أو بصورة خاصة ومباشرة عبر مركز الملك سلمان للإغاثة وعبر دعم البنك المركزي اليمني.

المجال الحقوقي والإنساني بالنسبة إلى البريطانيين وشركاء غربيين كُثر، تعتبر مادة أولية في صناعة الانتهازية والابتزاز وتكتسب بُعداً سياسياً بالدرجة الأولى.

هذا مجال لممارسة ألاعيب السياسة والضغوط المغرضة بخلفية أهداف وأغراض خاصة بعيدة تماماً عن معاناة الناس والسكان في اليمن؛ بسبب الانقلاب الحوثي وما استتبع من حروب وصراعات وممارسات وانتهاكات مدمرة للدولة وللمؤسسات وللاقتصاد وبالتالي للأوضاع الإنسانية.

لكن بريطانيا وغيرها، وبدلاً من إنهاء ومعالجة الأسباب، يتبنون رؤية غريبة؛ تقوم على احتواء وحماية السبب الموجب لكل الخراب والمعاناة، وبدعاوى منافقة تتلبس معاناة الناس والظروف القاسية..

..نفسها الظروف التي خلقتها المليشيات وتتسبب باستمراريتها جهود بريطانية حثيثة لحماية المليشيات والحيلولة دون تخليص مدن ومحافظات مهمة من تحت يدها وسيطرتها خصوصاً ميناء الحديدة الاستراتيجي.

معالم.. مع مايكل هورتن

يقول مايكل هورتن، كبير خبراء مؤسسة "جيمس تاون" الأمريكية ومختص بشؤون اليمن وتنظيم القاعدة، في تصريح خاص مع نيوزيمن: "لا يزال الحوثيون -رغم فسادهم وجرائمهم- يحظون بالدعم ما يكفي للقتال لفترة طويلة".

هذا يعني فيما يعني أن من يدعم الحوثيين وهو يعرف فسادهم وخطرهم، يهمه أن يستمروا كمصدر للخطر والتهديد الدائم. بمعنى أن الخطر هنا مطلوب لذاته كقوة ضغط بيد داعمي المليشيات، لممارسة الابتزاز وانتزاع المصالح والتنازلات من دول كبرى مهمة في المنطقة، علاوة على الاحتفاظ بقوة مليشياوية كافية للتهديد على ضفة البحر الأحمر وخطوط الملاحة الدولية المارة بمضيق باب المندب.

يضيف هورتن: "أعتقد أنه يجب أن يكونوا -الحوثيين- جزءاً من أي مفاوضات وإلا ستستمر الحرب لأعوام".

للتمييز بين الرأي والقراءة، تفيد جملة الخبير والمختص الأمريكي الأخيرة بأن الدعم والتمويل الذي يقدم للحوثيين، ويشمل الدعم السياسي والدولي بالتأكيد، يمنع التخلص من المليشيا كما يمنع جهود التخلص منها ويتكفل بالحفاظ عليهم كقوة محاربة لسنوات قادمة. هل هذا هو ما تعنيه الضغوط البريطانية وغير البريطانية؟

كان ولي العهد السعودي طرَق مبكراً وقبل أسابيع هذا الموضوع الحساس، وقال إنه على البريطانيين أن يتفهموا مصالح الرياض والخطوط الحمراء في اليمن. وقال في مرة نادرة، قياساً إلى الحدة والجدية، إن الرياض مستعدة لمواجهة كل احتمالات التصعيد من جانب بريطانيا في هذا الشأن ".. وليكن".

من البداية كان الحوثيون جزءاً من المفاوضات ومؤتمر الحوار الوطني ولديهم ممثلون في رئاسة الجمهورية والحكومة. وانقلبوا على كل ذلك. وكانوا جزءاً من محادثات ومفاوضات تقودها الأمم المتحدة ومبعوثوها الثلاثة الذين تعاقبوا الملف اليمني، وعطلوا كل شيء بينما تمتنع الأمم المتحدة عن إدانة ممارسات وانتهاكات المليشيات في كل مكان في اليمن.

في جزء من مقاربات السياسة البريطانية، هناك استياء تجاه توالي التصدعات في قمة هرم القيادة الحوثية. كما أن الأمر مقلق للإيرانيين فهو بالمثل لا يمثل أخباراً جيدة للبريطانيين. مرد الاستياء أن التصدع يضعف الحركة ويخصم من قيمتها كورقة ابتزاز بيد اللاعبين والسماسرة الدوليين.

بالعودة إلى مايكل هورتن، يضيف: "قيادة الحوثيين ليست متماسكة، وهناك انشقاقات كثيرة بينهم رغم التشديد، ولعل ذلك علامة جيدة، وهو سيضعفها بالتأكيد. لكن لا يوجد حل عسكري".

هذا تشخيص جيد بكل تأكيد، لكنه -أيضاً- إقرار باستحالة السماح من قبل الداعمين وجهات دولية ممولة للحوثيين بإضعاف الحركة المليشياوية إلى الحد الذي يمكن معه اجتياحها عسكرياً بصورة نهائية.

ويجب القول إن اليمنيين وحدهم معنيون بتقرير مصيرهم ومستقبل علاقتهم بمليشيا أوغلت القتل والسفك والتدمير والتخريب وزرعت الثارات في كل منطقة. لا بريطانيا ولا حتى مجلس الأمن يمتلكون سلطة من أي نوع في مستوى العلاقات الاجتماعية والمجتمعية هنا.

وفي الواقع إن التحالف العربي الذي يقود مجهودات حرب الشرعية لاستعادة الشرعية من أيدي الانقلابيين المدعومين والموالين لإيران -والآن للبريطانيين وللأمريكيين أيضاً- لا يقول إن الهدف هو فرض حل عسكري، وإنما الضغط على الانقلابيين ودفعهم إلى القبول بالمفاوضات وجلبهم إلى طاولة سلام دونما مراوغة أو تحايل على القرارات والمرجعيات الموثقة دولياً في قرارات مجلس الأمن.

التخلص من الانقلاب شيء (وهو ما تقوله القرارات الدولية وأهداف اليمنيين والتحالف العربي وقوات التحرير الوطنية)، والتخلص من الحوثيين ككيان وجماعة هو شيء آخر لا يقول به الآن، فيما نعلم، أحد لا من اليمنيين ولا من التحالف.

ولا يوجد حل عسكري، ينبغي أن تعني تماماً أنه ما من سبيل أبداً لفرض استمرارية الانقلابيين كخيار تحت ضغط القوة العسكرية التي بحوزتهم أو تلك القوة التي يستمدونها والدعم الذي يحصلون عليه من جهات وعواصم ومراكز إقليمية ودولية، وليس بالضرورة عسكرياً فقط بل الدعم السياسي أيضاً بنفس الدرجة من الخطورة.

في الانتظار.. وباستمرار

بقيت ساعات على حلول موعد انعقاد مجلس الأمن في جلسته المنتظرة حول اليمن. مسودة مشروع قرار بريطاني سوف تقدم على الأرجح، ما لم يكن طرأ ما يحيلها إلى مشروع بيان.

وأمام الكلام الكثير والتحليلات والخبط في كل اتجاه، ينبغي التمسك بحكمة الانتظار حتى يتبين الجميع حقيقة ما عليه موقف وتوجه الجميع.

وإلى ذلك وما بعده.. وباستمرار: فإن مستقبل ومصير اليمنيين هو قرار بيد اليمنيين وهو حقهم الحصري، وهذا لا ينتظر قراراً دولياً ولا موافقة بريطانيا أو غيرها.

ومع أحقية القول بأن اليمن لا يمكنها أن تمضي دون العالم، فإن العالم لا يمكنه أن يمضي بيمن لا ينتمي إلى اليمن وإلى اليمنيين الذين يشكلون طاقة اليمن ومستقبله.

عصابة ما، لا يمكنها أن تقطع باليمن أو من دونه. ومهما حاول خبراء التجميل تحسين وجهها المتوحش ومظهرها الملطخ بالجرائم ودماء الضحايا لن تكون يوماً جزءاً من خيارات اليمنيين، لا سلماً ولا حرباً.