النزاع المسلح في اليمن

المخا تهامة - Saturday 01 December 2018 الساعة 01:31 pm
(نيوزيمن)

خلفية الاشكالية

حركة الحوثي المسماة رسميًا أنصار الله، هي حركة إسلامية سياسية مسلحة، متجذرة في صعدة، شمال اليمن تنتمي الى  المدرسة الزيديّة، وهي احدى المذاهب الشيعية الأقرب فقهيا إلى الإسلام السني الحنفي. ظهرت لأول مرة كحركة يمنية مستقلة في نهاية التسعينات لكنها تحركت تدريجيًا نحو إقامة تحالف مع النظام الإيراني وحزب الله في لبنان تحت قيادة حسين بدر الدين الحوثي. ظهرت الجماعة أولا كمعارضة زيدية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح حيث دخلت في مواجهات معه بشكل متكرر منذ عام 2004. ولما قُتل حسين بدر الدين الحوثي في الشهر التاسع (سبتمبر) من نفس العام على يد قوات صالح خلفه اخوه عبد الملك الحوثي.

في نهاية مؤتمر الحوار الوطني الذي رعته الامم المتحدة اضافة الى الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية من ضمنها مجلس التعاون الخليجي، بدأت  التوترات من جديد عندما قدمت لجنة صياغة الدستور المسودة الأولى ليرفض الحوثيون الأحكام المتعلقة  بالنظام الفدرالي المقترح.

أصر الرئيس عبد ربه منصورهادي على تنفيذ مسودة الدستور وهو ما أثار غضب الحوثيين الذين اقتحموا بعد ذلك  القصر الرئاسي ووضعوا الرئيس هادي ورئيس وزرائه واثنين آخرين من الوزراء تحت الإقامة الجبرية وفي فبراير/ شباط، أعلن الحوثيون أنه تم استبدال هادي بمجلس رئاسي مؤقت مؤلف من خمسة أعضاء.

هرب الرئيس هادي من صنعاء إلى عدن في 21 فبراير حيث واصل بعدها إدارة البلاد بعيداً عن التأثير القسري الحوثي.  في مارس 2015 ، بدأ المتمردون الحوثيون بدعم من إيران التقدم نحو جنوب اليمن.  فر الرئيس هادي مرة أخرى من عدن إلى المملكة العربية السعودية وطلب الدعم العسكري لاستعادة الحكومة الشرعية.

استجاب تحالف من تسعة بلدان أفريقية وشرق أوسطية بقيادة المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة لنداء الرئيس هادي في عملية أطلق عليها اسم عملية "عاصفة الحزم". وبدأت حملة قصف المتمردين الحوثيين متبوعة بفرض حصار بحري (تطبيقا لقرار مجلس الأمن 2216) ونشر قوات برية. في حين ادعى الحوثيون أنهم استولوا على السلطة من خلال ثورة شعبية وهم الآن يدافعون عن اليمن من غزو تشنه قوات مرتزقة يدعمها الغرب.

قرار مجلس الأمن الدولي 2201 (2015)

في 15 فبراير 2015، أكد مجلس الأمن الدولي بموجب قراره 2201 (2015) تحت الفصل السابع ما يلي:

- الالتزام بوحدة وسيادة واستقلال اليمن

- الالتزام بحماية الشعب اليمني.

- دعم جهود مجلس التعاون الخليجي والثناء على مشاركته في المساعدة على الانتقال السياسي في اليمن.

- استنكار الإجراءات الأحادية التي اتخذها الحوثيون لحل البرلمان والسيطرة على المؤسسات الحكومية اليمنية التي صعدت الوضع بشكل خطير.

- ادانة أعمال العنف التي ارتكبها الحوثيون وأنصارهم والتي قوضت عملية الانتقال السياسي في اليمن وعرضت  أمن واستقرار وسيادة ووحدة اليمن للخطر.

- الاعراب عن قلق مجلس الأمن البالغ إزاء التقارير التي تفيد باستخدام الأطفال في النزاع المسلح.

فريق خبراء  مجلس حقوق الانسان  (Group of Experts)يعتبر النزاع في اليمن ك "ثورة شعبية"

رغم الواقع الموصوف أعلاه، وضع فريق الخبراء التابع للمفوضية السامية لحقوق الانسان النزاع اليمني في سياق ما وصفوه "بثورة شعبية" ضد حكم علي عبد الله صالح الذي استمر 33 عامًا (الفقرة 17 من التقرير) مما جعل نجائج التقرير متوقعة. إن وضع النزاع المسلح الدائر في اليمن في السياق الضيق لانتفاضة  شعبية مؤيدة للديمقراطية هو رأي لا يعكس بالضرورة واقع الأحداث التي بدأت قبل فترة طويلة من عام 2011 والتي يطلق عليها "الربيع العربي"، علما أن مهمة فريق الخبراء هو تقصي الحقائق بالأدلة القاطعة وليس الادلاء بأراء.

تدخل التحالف العربي في اليمن و"واجب الحماية الانسانية" (R2P)

لقد طلب الرئيس هادي المعترف بحكومته دوليا، بعد فراره من عدن إلى المملكة العربية السعودية، طلب تدخل التحالف العربي للحماية من عدوان ميليشيات الحوثيين المتقدمة نحو الجنوب. وقد ساند هذا الطلب مجلس الأمن في قراره 2201 (2015). وقدمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وآخرين مشورة ودعم مادي لـ "عملية عاصفة الحزم". وتندرج هذه العملية في إطار مبدأ "واجب الحماية الانسانية" (R2P)، وهو مفهوم ظهر بعد الحرب الأهلية في رواندا، حيث قُتل عام 1994 أكثر من ثمان مئة ألف شخص في أقل من 100 يوم تحت أعين قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام دون أن تحرك هذه ساكنا. وقعت الإبادة الجماعية وفشلت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فشلاً ذريعاً في منعها وفي وقفها.

R2P أو المسئولية الجماعية للدفاع الشرعي والحماية الانسانية؟

تنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة على أنه «ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء (الأمم المتحدة) وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين».

ويعتبر التحرك العسكري لميليشيا الحوثيين من صعدة إلى السيطرة على العاصمة صنعاء وما بعدها هو هجوم مسلح بالمعنى المقصود في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. كما يعتبرتشكيل مجلس رئاسي للحوثيين ليحل محل الحكومة المعترف بها دوليًا فعل عدواني بالمعنى المقصود في المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أن "يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما".

وتنص المادة 42 "إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لإعادتهما إلى نصابهما. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة".

في هذا الحساب ، اتخذ مجلس الأمن عددًا من التدابير في القراراته 2014 (2011) و 2051 (2012) و 2140 (2014) و 2201 (2015) و 2204 (2015) والأهم 2216 (2015). وقد تم تبني جميع هذه القرارات بموجب الفصل السابع، بهدف استعادة الحكومة الشرعية، ومنح الدعم للائتلاف العربي، والتصدي لعدوان الحوثيين واستعادة القانون والنظام العام.

وقد حدد مجلس الأمن من خلال القرارات المذكورة أعلاه أسباب ومنابع الصراع، وحدد الطرف المسؤول عن عرقلة عملية السلام (تحالف الحوثيين المدعوم من ايران / الرئيس السابق علي عبدالله صالح ) وفرض عقوبات ضدهم على اساس انهم  يتحملون المسؤولية الأساسية عن انهيار القانون والنظام العام، وتفكك الدولة اليمنية والانتهاكات الموثقة لحقوق الإنسان والمبادئ الإنسانية المحمية دولياً.

مخرجات نتائج فريق الخبراء الذي أنشأه مجلس الأمن Panel of Experts

كلف قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2342 (2017) تشكلة من الخبراء الدوليين بما يلي:

(أ) مساعدة لجنة مجلس الأمن بتزويدها بالمعلومات ذات الصلة عن طريق تشخيص الأفراد والكيانات الذين قد يكونون ضالعين في أعمال تهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن، على النحو المحدد في الفقرة 18 من القرار 2140 (2014) والفقرة 19 بالقرار 2216 (2015) ؛

(ب) جمع وفحص وتحليل المعلومات من الدول وهيئات الأمم المتحدة ذات الصلة والمنظمات الإقليمية والأطراف المعنية الأخرى فيما يتعلق بتنفيذ تدابير الجزاءات وحظر الأسلحة، لا سيما الأحداث التي تقوض الانتقال السياسي ؛

(هـ) التعاون مع هيآت الخبراء الأخرى ذات الصلة التي أنشأها مجلس الأمن، ولا سيما فريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات المنشأ بموجب قرار المجلس 1526 (2004).

الوضع في اليمن كما هو مبين من قبل تشكلة الخبراء (Panel of Experts)

جاء في تقرير تشكلة الخبراء التابع لمجلس الأمن الدولي أنه "بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من الصراع ، اليمن ، كدولة ، لم تعد موجودة. فبدلاً من دولة واحدة ، توجد دويلات متناحرة ، ولا يوجد جانب واحد يملك الدعم السياسي أو القوة العسكرية لإعادة توحيد البلاد أو تحقيق النصر في ساحة المعركة".

في الشمال ، يعمل الحوثيون على تعزيز قبضتهم على صنعاء وكثير من المرتفعات بعد معركة شوارع استمرت خمسة أيام في المدينة انتهت بإعدام حليفهم السابق، الرئيس السابق علي عبد الله صالح في 4 ديسمبر 2017. وفي الأيام والأسابيع التي تلت ذلك، استغل الحوثيون الكثير مما تبقى من الشبكة العسكرية والقبلية الموالية للرئيس السابق لسحق وتشتيت القوات الحكومية الرسمية.

في الجنوب والشرق ، ضعفت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي بسبب انشقاق العديد من رؤساء المحافظات وتحويل ولاءهم إلى المجلس الانتقالي الجنوبي المنشأ حديثا، والذي يطمح الى جنوب اليمن المستقل. وثمة تحد آخرفي الشرق يتمثل في وجود قوات مسلحة وممولة من الدول الأعضاء في التحالف، تسعى لتحقيق أهدافها الخاصة. ويزيد من تعقيد ديناميكيات ساحة المعركة الجماعات الإرهابية كالقاعدة في شبه الجزيرة العربية والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وكلاهما تنفذ بشكل متكررضربات ارهابية ضد كل الأطراف.

إن إطلاق الصواريخ البالستية قصيرة المدى، أولا من قبل قوات تحالف الحوثي - صالح ، وبعد ذلك ، في أعقاب انتهاء التحالف بينهم ، من قبل قوات الحوثي ضد المملكة العربية السعودية، قد غير من طبيعة الصراع بحيث تحول من صراع محلي الى صراع إقليمي أوسع.

وقد توصل الفريق الى معاينة مخلفات الصواريخ والمعدات العسكرية ذات الصلة والحوامات الجوية العسكرية من أصل إيراني والتي تم إدخالها إلى اليمن بعد فرض مجلس الأمن حظر الأسلحة الى الحوثيين. ونتيجة لذلك ، يرى الفريق أن جمهورية إيران الإسلامية في حالة عدم امتثال للفقرة 14 من القرار 2216 (2015) من حيث أنها لم تتخذ التدابير اللازمة لمنع الإمداد المباشر أو غير المباشر للصواريخ الباليستية قصيرة المدى، وخزانات تخزين ميدانية لمواد مؤكسدة ثنائية البروبلين السائلة المستعملة للقذائف وحوامات بدون طيار إلى تحالف الحوثي- صالح.

كما قام الحوثيون بنشر الغام بحرية بشكل عشوائي في البحر الأحمر، تمثل خطرًا على النقل البحري وخطوط الاتصال البحرية. وقد يطول خطرها لمدة قد تمتد من 6 إلى 10 سنوات ، مما يهدد الواردات إلى اليمن والحصول على المساعدات الإنسانية عبر موانىء البحر الأحمر.

كنا علينت تشكلة الخبراء النظام المالي في اليمن المعطل. اذ هناك بنوك مركزية متنافسة، واحدة في الشمال تحت سيطرة الحوثيين، وواحدة في الجنوب تحت سيطرة الحكومة. لا يعمل أي منها بكامله. وقد عجزت الحكومة الشرعية على تحصيل الإيرادات بفعالية، في حين يقوم الحوثيون بجمع الضرائب وابتزاز الشركات والاستيلاء على الأصول باسم المجهود الحربي.

اليمن يعاني من مشكلة سيولة. غالباً ما تكون الرواتب في جميع أنحاء البلاد غير مدفوعة الأجر، وهذا يعني أن الأدوية والوقود والمواد الغذائية، عندما تكون متاحة، غالبًا ما تكون باهظة التكلفة. لقد بدأ المستفيدون الجدد في الظهور نتيجة للحرب حيث تطغى الاسواق السوداء على الاسعار الرسمية.

تقرير فريق الخبراء الدوليين والإقليميين المستقلين حول اليمن (Group of Experts)

ما يظهر جليا في تقرير فريق الخبراء هو نقص الحيادية والتوازن وعدم احترامه للمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة في كيفية تقصي الحقائق واصدار التقارير.

تعزو الفقرة 28 من تقرير فريق الخبراء معظم الخسائر المدنية الموثقة إلى الضربات الجوية للتحالف وتخصص 13 فقرة (27-39) لضربات التحالف الجوية. في حين يخصص التقرير6 فقرات فقط (40-45) لقصف الهاون، وزرع الألغام البحرية، والقنص، وإطلاق النار العشوائي، وإطلاق القذائف من قبل تحالف الحوثيين/صالح والميليشيات والمجموعات الإرهابية الأخرى كاقاعدة في الجزيرة العربية وداعش.

يضع فريق الخبراء(Group of Experts)  خلافا لقرارات مجلس الأمن المشار اليها أعلاه ونتائج تشكلة خبراء مجلس الأمن Panel of Experts)) الصراع في اليمن في سياق الربيع العربي باعتباره انتفاضة شعبية ضد حكم علي عبد الله صالح. وبهذا يكون التقرير فريق الخبراء قد أخفق في وضع النزاع في سياقه التاريخي الصحيح للحركة الحوثية التي تقف في وجه الحكومة المركزية اليمنية بمشروعها الرامي الى إعادة تأسيس الإمامة الزيدية الوراثية كشكل من أشكال الحكم. ولا يذكر التقرير أن الحوثيين قد دخلوا في نزاع مسلح ضد الحكومة 6 مرات منذ عام 2004.

استخدم تقرير فريق الخبراء مصطلحات غامضة لتحديد أطراف النزاع. فقد استخدم "القوات الموالية للحكومة" للإشارة إلى الجش النظامي الحكومي الذي يقاتل ضد قوات تحالف الحوثيين- صالح. في الواقع هناك قوة حكومية تساعدها قوات التحالف تدافع بتفويض وبدعم من مجلس الأمن. وكان من أجل عدالة التقريرأن يؤكد على شرعية هذه القوى المعترف بها دوليا.

من جهة أخرى ، يشار إلى ميليشيا الحوثي بـ "سلطات الأمر الواقع". هذا المصطلح يمنح الحوثيين وضعا قانونيا خاصا يفتح الطريق أمام الاعتراف بهم كحكومة موازية.

وعلاوة على ذلك ، وباستخدام هذين المصطلحين للتمييز بين طرفي النزاع ، فقد أبعد التقرير من المعادلة عددا من الجهات الفاعلة الأخرى، مثل جماعات القاعدة الإرهابية في الجزيرة العربية والدولة الإسلامية في العراق و بلاد الشام (داعش) الذين يقاتلان ضد كل من القوات الحكومية والحوثية.

في الفقرة 17 ، أشار التقرير إلى "الثورة الشعبية" لعام 2011 كنقطة بداية للنزاع. والحقيقة هي أن الذين نهضوا ضد حكم علي عبد الله صالح ليسوا أولئك الذين حملوا السلاح للإطاحة بالحكومة الشرعية في اليمن واحتلوا صنعاء وأنشأوا حكومتهم الخاصة. لقد بدأ الصراع بين الحوثيين المدعومين من إيران والحكومة المركزية اليمنية قبل ذلك بكثير.

جاء في الفقرة 13 من التقرير أن "الحكومة تحتفظ بالتزامات إيجابية فيما يتعلق بالتزاماتها (الدولية في مجال حقوق الإنسان) في المناطق التي فقدت فيها سيطرتها الفعلية". ان هذا الاستخلاص مخالف للقانون الدولي للنزاعات المسلحة.

 يصنف القانون الدولي النزاعات المسلحة في مستويين. الحالات التي يتم فيها تمرد ضد الحكومة دون السيطرة على اقليم ودون وجود جيش منظم يطبق قواعد الحرب وأعرافها. هذا هو المعروف باسم حالة التمرد (Insurgency) ويخضع للتشريع الوطني بما في ذلك القانون الجنائي الأهلي. عندما يتطور الصراع وينظم المسلحون جيش نظامي ويمارسون سيطرة فعلية على إقليم ما، فإنهم يعاملون كمحاربين(Belligerency) . إن المحاربين كونهم السلطة الفعلية للإقليم الخاضع لسيطرتهم ملزمون بقواعد وأعراف الحرب بشكل مستقل عن الحكومة المعترف بها وهم مسؤولون عن حماية حقوق الإنسان والتعامل بحسب المبادئ الإنسانية والالتزامات الدولية المعروفة في مثل هذه الحالات. فما دام الحوتيون مسيطرون فعليا على بعض الأقاليم في اليمن ويقاتلون بجيش خاضع لتنظيمهم، فهم ملزمون طبقا لأحكام معاهدات جنيفة الأربعة والبروتكولين التابعين لمعاهدات جنيفة الأربعة عن ما يرتكب في الأقاليم التي تأتي تحت سيطرتهم.

وطبقا لتوصية مجلس حقوق الأنسان المؤسسة لفريق الخبراء، فقد كلف هذا الأخير بفحص جميع الانتهاكات والتجاوزات المزعومة لحقوق الإنسان وسائر مجالات القانون الدولي دات العلاقة. يتفرع القانون الدولي للنزاعات المسلحة الى فرعين رئيسيين، وهما قانون الحرب العادلة، أي القواعد التي تنظم اللجوء إلى استخدام القوة من قبل الأطراف المتحاربة في الدفاع عن النفس أو الدفاع الجماعي الشرعي أو عندما تأذن الأمم المتحدة بذلك (jus ad bellum). الفرع الآخر هو الذي يشمل القواعد الخاصة بتلطيف سلوك الأطراف المتحاربة(jus in bello)  والتي يشار إليها أيضًا باسم القانون الدولي الإنساني كما هو مقنن في اتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكوليها الإضافيين. وإن اللجنة الدولية للصليب الأحمر هي الجهة الراعية لاتفاقيات جنيف والبتوكولين التابعين لها وهي المعترف بها عالمياً في مراقبة القانون الدولي الإنساني.

وفيما يتعلق بالمساءلة ، فإن انتهاكات القانون والقواعد الضابطة لكيفية اللجوء الى استعمال القوة (jus ad bellum) تترتب عنها جرائم العدوانية (aggression). في حال حدد مجلس الأمن أعمال حربية بهذه الصفة بموجب المادة 39 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فترقى هذه الأفعال الى جريمة العدوانية وهي تشكل الجريمة الرابعة التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية (الجرائم الثلاثة الأخرى هي الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب وجرائم الابادة الجماعية).

وقد تجاهل فريق الخبراء في تقريرهم هذا الشق من معطيات القانون الدولي المتعلق بالاختراقات المتكررة لقرارات مجلس الأمن الملزمة حيث اقتصر تقريرهم على القانون الدولي الانساني. ولا يمكن تفسير هذا الاغفال الا بفرضيتين. اما أن فريق الخبراء تنقصه الخبرة في القانون الدولي للنزاعات المسلحة وكيفية اعداد التقارير أو أنه تعمد اغفال هذا الشق من القانون الدولي المطالب بالنظر فيه بومجب قرار مجلس حقوق الانسان A/HRC/RES/36/31 الذي كلف الفريق بالاضافة الى استقصاء جميع الانتهاكات والتجاوزات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، استقصاءالمجالات الأخرى المناسبة والقابلة للتطبيق من القانون الدولي والتي ارتكبتها جميع الأطراف.

حماية الأهداف المدنية، قاعدة التناسب  (proportionality)والأضرار الجانبية

 (collateral damage)

تحديد المدنيين والأهداف المدنية ليست مهمة سهلة. في منطقة الحرب، لا يوجد افتراض قانوني للوضع المدني للأشخاص أو الأشياء بموجب القانون الدولي العرفي. ما هو مستوى التأكيد المطلوب على القائد أن يفكر فيه قبل رمي أو اعترض هدف ما أثناء الطيران بسرعة تفوق سرعة الصوت وفي ارتفاع يستحيل فيه التعرف على طبيعة الهدف بالعين المجردة؟ لا توفر القواعد العسكرية للولايات المتحدة والمملكة المتحدة معظم الدول التي تعمل وفقًا للقوانين العسكرية المتوافقة مع اتفاقيات جنيف الأربع مبادئ توجيهية واضحة في هذا الشأن.

ولم يحاول فريق الخبراء معالجة هذه المسألة ولم يعط أي مؤشر على ما إذا كانوا قد درسوا بالفعل القوانين العسكرية لأعضاء التحالف ولم يقدموا أي توصية في هذا الاتجاه، رغم أنه يترتب عليه عواقب وخيمة.

بخلاف عمليات إنفاذ القانون، لا يوجد مبدأ تناسبي عام ينطبق على سير الأعمال العدائية خلال نزاع مسلح دولي أوأهلي. قواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني نفسها هي نتاج الموازنة بين الإنسانية والضرورة العسكرية. ومع ذلك، هناك بعض القواعد التي تتطلب صراحةً من أطراف النزاع المسلح تطبيق اختبار نسبة تناسبية معينة، مثل حظر المعاناة غير الضرورية والخسائر دون أي ميزة عسكرية.

ويبدو أن فريق الخبراء قد ركز على تطبيق حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في وقت السلم وليس في زمن الحرب.

فريق الخبراء التفاعل مع الفريق المشترك لتقييم الحوادث (JIAT)

استعرض الخبراء ملخصات 71 حادثة تم التحقيق فيها من قبل JIAT ، وهو فريق التحقيق الذي أنشأه التحالف رداً على مزاعم عن ضربات جوية تستهدف المدنيين أو الأهداف المدنية.

أخفق فريق الخبراء في تحديد القواعد السارية للقانون الدولي الإنساني العرفي أو اتفاقيات جنيف التي تم انتهاكها والتغاضي عنها من قبل JIAT.

تحديد اطراف الصراع

يقدم التقرير أسماء متخذي القرار في سلسلة القيادة لأطراف النزاع. وترسل هذه القائمة رسالة عامة قوية مفادها أنه يمكن اعتبار الجهات الفاعلة المذكورة مشتبهاً بها في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويمكن أن تخضع للمساءلة وفقاً لذلك. إن هذا الإجراء الجريء من الخبراء لم يسبق له مثيل، ويخشى أنه قد يشكل عقبة أمام الحفاظ على علاقات العمل مع صناع القرار المذكورين في حين أن الصراع مستمر والجهود مازالت تبدل لاقافه. من الصعب توقع تعاون منتج من قبل القادة الواردة أسماءهم في قائمة الاتهام  بأخطر الجرائم كجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية دون تقصي الحقائق بدقة منصفة.

ان التسمية والتشهير العلني ليسا دائماً الطريقة الأكثر حكمة أو دبلوماسية في التعامل مع لحالات حقوق الإنسان المعقدة. فالصراع المستمر في اليمن يجمع كل المكونات ليتحول إلى حرب إقليمية كاملة. وكان ينبغي لفريق الخبراء أن يولي النظر في العملية الجارية لاستعادة السلام والأمن لمنع المزيد من الانتهاكات، ولا ينبغي له أن يتجاهل التفكير في كيفية تنفيذ جميع جوانب القانون الدولي، على السواء حسب تفويض مجلس حقوق الإنسان (القرار 36 / 31). والأهم من ذلك ، ينبغي أن يكونوا قد أكدوا على ضرورة وقف الحرب لضمان تعزيز حقوق الإنسان والمبادئ الإنسانية وحمايتها.


* طاهر بومدره

نائب رئيس منتدى باريس للسلام والتنمية

خبير القانون الدولي الانساني

الرئيس السابق لبعثة الامم المتحدة لحقوق الانسان في العراق، مستشار خاص لممثل ألمين العام وممثل سابق للمفوض السامي لحقوق الانسان في العراق

 

* من اوراق ندوة "الأمم المتحدة في اليمن.. تقارير تناقض القرارات، باريس - 30 نوفمبر 2018 م"