لماذا يستثني "غريفيث" نصف اليمن من إيمانه العميق بـ"السلام" المستحيل؟

السياسية - Friday 14 December 2018 الساعة 09:43 pm
الحديدة، نيوزيمن، سياف الغرباني:

لم يكن قد مر كثير من الوقت على إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الخميس 13 ديسمبر 2018، التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة في ختام مشاورات السويد، حتى جاء بيان الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، ليعيد توصيف ما حدث في ستوكهولم في سياق "الخطط".

ولم يفوت أنطونيو غوتيريس، التنبيه إلى أن "اتفاق الحديدة يعني الكثير للإنسانية، لأنه خطوة نحو السلام وحل الأزمة في اليمن"، لكنه عاد لتأكيد "عدم وجود اتفاق على وقف إطلاق النار في باقي اليمن".

وقد فتحت تصريحات غوتيريس، وقبلها مبادرة مبعوثه الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث حول الحديدة، الباب واسعاً لتدفق الاستفسارات الطارئة حول أسباب تركيز الأمم المتحدة وموفدها الخاص إلى اليمن، مارتن غريفيث، عملية المباحثات الأخيرة في السويد لملف الحديدة، وكذا عن حيثيات اقتصار مقترح وقف إطلاق النار عند حدودها فقط؟

تقول الأمم المتحدة، ومسؤولوها في اليمن، إن أي عمل عسكري سيجابه بعمل مضاد وستنتج عنه معاناة كبيرة، وهي ذات الجملة العسكرية التي قالوها عند تحرير ميناء "المخا" ولم تجد جماعة الحوثيين، غير ظهور الأهالي لتتخذ منها دروعاً بشرية في مواجهة قوات التحالف العربي، وفرت في النهاية.

المؤكد أن فرص هزيمة الحوثيين نهائياً في الحديدة، متاحة الآن أكثر من أي وقت مضى، قياساً بالأفضلية العسكرية على مستوى القوة والإمكانات لصالح القوات المشتركة، وأيضاً بالمعادلة الميدانية الجديدة التي فرضتها الأخيرة منذ بدء عملية المدينة، وبالتالي فإن مخاوف الكلفة الإنسانية لا تعدو عن ورقة ضغط لجهة إبقاء الوضع يراوح في مربع الميوعة، خاصة وأن فظائع الحوثيين ضد المدنيين في مناطق تهامة، لا تحرك هذا الضمير الأممي الإنساني.

ولا ترى المنظمة الأممية من 9 محافظات مشتعلة بالمواجهات المسلحة، غير الحديدة، ولا ترى في الأخيرة غير الميناء، شريان بقاء وكيل إيران في اليمن، وأنبوب الأوكسجين، الذي يتنفس به المقاتلون القادمون من أعالي الجبال في شمال الشمال، والوعاء الذي يتلقف أسلحة الحرس الثوري وخبراءه العسكريين، والرصيف الذي يستقبل المساعدات الإنسانية ليتاجر بها قبل وصولها إلى أفواه الجياع.

وقد أعطت مبادرة غريفيث للأمم المتحدة نصيب الأسد في إدارة الحديدة موانئ ومرافق حيوية، إذ تنص على أن تقوم المنظمة بنشر عدد من مراقبي آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش في موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى وفقاً للتفويض الممنوح من قبل مجلس الأمن، بالإضافة إلى القيام بدور قيادي في الإشراف والتشغيل للموانئ المرتبطة بالحديدة.

وباستقراء مضمون الخطة، فإن مخاوف الكلفة الإنسانية، لعملية الحديدة، لا تمثل رقماً مهماً في حسابات مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، بقدر ما يستخدم البعد الإنساني غطاءً أنيقاً لما يبدو "فيتو" أممياً على حسم ملف الحديدة عسكرياً، ومدخلاً لاعتساف معركة اليمنيين الكبيرة مع الحوثيين، في نطاق صراع على مكاسب المدينة والميناء.

تسجيل حضور شخصي

الراجح أن الموفد الدولي، مارتن غريفيث، يدرك جيداً أن وضع الأزمة مجتمعة على طاولة تشريح أممية تمهيداً لبحث وصفة سياسية شاملة لفكفكة العقدة اليمنية، ليست بالمهمة الممكنة، قياساً بمستوى الأزمة وتعقيداتها، إضافة إلى الاشتراطات الحوثية وتصورات الجماعة المنفتحة على إملاءات إيران للشكل الذي يجب أن يكون عليه الاتفاق.

ومن هنا اتجه غريفيث لتسجيل محطة حضور مهنية شخصية كسابقيه جمال بن عمر، وإسماعيل ولد الشيخ، من خلال استجلاب ضغط دولي كبير مورس على التحالف العربي، بشأن عملية الحديدة، بالتوازي مع تقديم عروض كبيرة للحوثيين لدفعهم إلى المشاركة في مشاورات ستوكهولم، وإبداء مرونة لا بأس بها حيال التفاهمات الشكلية.

وقدت برزت إغراءات المبعوث الخاص، لجماعة الحوثيين، في خضم الترتيبات لعقد جولة السويد، بدءاً من عدم وضع أجندة واضحة للمباحثات، ووضعها في قالب مفتوح من دون أي شروط، وصولاً إلى تسفير خمسين جريحاً حوثياً من صنعاء إلى مسقط، بينهم ضباط وخبراء إيرانيون ولبنانيون من حزب الله.

ولوحظ أن غريفيث كان يجتهد في حقل ألغام شديدة التعقيد، ويحاول القفز فوقها، من دون الاقتراب من جذورها وأسبابها الحقيقية، لمجرد رغبة في تحقيق خطوات هشة تخلق ضجيجاً وتوفر مادة آنية لوسائل الإعلام للحديث عن نجاحات شخصية فحسب.

وكان يتوقع أن يدير المبعوث الخاص، محادثات سياسية تفضي إلى حل شامل للأزمة في اليمن، غير أن مارتن غريفيث اكتفى بتفصيل مبادرة للحديدة، على مقاس جماعة الحوثيين، التي لا تريد، في الأصل، أكثر من مخرج آني يتيح لها بعض الوقت لإعادة ترتيب صفوفها المتصدعة، بعد الهزات العسكرية التي طالتها في المدينة.

وقد بدت "وصفة الحديدة" مؤشراً على ارتباك المبعوث الدولي، وعجز واضح لجهة إحداث أي اختراق في جدار الأزمة اليمنية، عبر مسار المشاورات، في وقت عكست رغبة أممية لتوطين الحرب في الحديدة وتحويل تهامة إلى ميدان احتراب دائم.

ومن وقت مبكر للأزمة، تذهب عواصم دول أوروبية وغربية لتكريس الاعتقاد بأن المسار الدبلوماسي والمفاوضات تظل السبيل الوحيد لإنهاء الصراع في اليمن، بيد أن "ورشة السويد" التي قادتها الأمم المتحدة، اقتصرت على وضع تصورات هلامية لترتيب وضع الحديدة، وموانئها، مع إغفال حروب طويلة تدور على نطاق 8 محافظات غير الحديدة.

على أن معظم الزخم الذي حفلت به جبهات القتال من مطلع العام الحالي كان على ساحل البحر الأحمر، باتجاه الحديدة شمالاً، أكبر الأهداف الاستراتيجية، لكن الأسباب ذاتها التي جعلتها استراتيجية على الصعيد العسكري للقوات المشتركة، دفعت ذراع إيران لإجراء أكثر من مناورة سياسية لمنع خسارة المدينة الأهم على ساحل البحر الأحمر.

وفقاً لمصادر دبلوماسية فإن جماعة الحوثيين وعبر وفدها المفاوض المتواجد خارج البلاد، كثّفت من تواصلها مع الأمم المتحدة وأطراف دولية فاعلة، في الفترة الأخيرة، إثر تطورات الحديدة، ضمن خطوات الجماعة بالاستنفار على مختلف الصعد لمواجهة مأزق الحديدة.