"اتفاق لفظي" بالسويد وقرار بريطاني بمجلس الأمن يمدد "اللحظة الهشة"

السياسية - Tuesday 18 December 2018 الساعة 06:05 pm
الحديدة/ المخا، نيوزيمن، أمجد قرشي:

تتبنى مسودة مشروع قرار بريطاني جديد في مجلس الأمن اتفاق استوكهولم، غير الموقع فعلياً من طرفي وفدي الحكومة والمليشيا، وقيل -هكذا- إن الموافقة أخذت لفظياً (..)، ولا توجد لائحة تفسيرية وجدولة متفقة وتقيد صارم.

حول موضوع اتفاق الحديدة في السويد، كانت صحيفة نيويورك تايمز انفردت بالتقاط الغموض المريب وكتبت في اليوم التالي مباشرة "وكانت شروط الاتفاق التي أعلن عنها السيد غوتيريس مبهمة في بعض المواضع، مع الحديث عن "إعادة الانتشار" المتبادل لوقف القتال في الحديدة، و"الدور القيادي" للأمم المتحدة في المدينة."

لا يبدو مفهوماً كيف تعالج اتفاقات كبيرة وحاسمة بهذه الخفة. انعدام التوقيع وتوافر الموافقة في آن. والأغرب هو أن أشياء غريبة كهذه تحدث على مستوى دولي ولا تثير الدهشة أو تستوقف حس الريبة لدى أحد.

قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس للصحفيين إن (التحالف) الذي تقوده السعودية، والمتمردين الحوثيين وافقوا على سحب قواتهم من الحديدة، ووقف إطلاق النار في المناطق المحيطة. (بهذه الصيغة نصاً انفردت نيويورك تايمز ترجمة عن غوتيريس).

الإحالة على التحالف وليس على الشرعية أو وفدها، هو جزء من الغموض المبهم. فبينما يفاوض ويوافق وفد الحكومة الشرعية، يدفع التبعات على التحالف. وفي الحديدة بالذات لا وجود للشرعية وجيشها الوطني في المعركة، واقتصر دورها في الأخير على التفاوض وعقد صفقة مجحفة لم تتكشف تفاصيها كاملة بعد.

وقال وزير الخارجية اليمني، خالد اليماني، للصحفيين إن الاتفاقية لن تدخل حيز التنفيذ إلا إذا قام الحوثيون بإخلاء المدينة أولاً. وقال مارتن غريفيث، إنه يتوقع حدوث ذلك في غضون أيام. لكن اليماني وغريفيث عادا وقدما خلال الأيام التالية تفسيرات عدة ومغايرة.

مثلاً، احتفلوا باتفاق السويد للحديدة، ولم يحددوا فعلاً متى يبدأ وقف إطلاق النار؟! قال غريفيث يومها "فوراً"، ثم قيل بعد الذهاب إلى مجلس الأمن، ثم قرر هكذا أن يحدد هو يوما معينا وقال من يوم الثلاثاء. هذه الفراغات الرهيبة والمريبة أعطت المليشيا وقتا كافيا للتصعيد العسكري واشعال النيران بكثافة رهيبة في الحديدة. وهو يجعلنا نسأل: ما هي احتمالات أن تتكرر هكذا حالات وتخضع لتفسير غريفيث وحده؟

في التايمز "حذر محللون من فشل هذه الصفقة مثل سابقاتها" ناقلة عنهم الحاجة إلى عمل دولي متضافر وعاجل للحفاظ عليها من مصير مماثل.". تجد هنا بذور شك عميق تسربت في تحليل خبري.

وقف التحرير وتفويض ووصاية دولية أو أممية، ومن ثم ترك التفسيرات لمزاج المبعوث الخاص، بما يعني إمكانية إعادة تفسير الاتفاق في كل مرة بحسب الحاجة.

في هذه الحالة سيكون هناك طرف ملزم وملتزم وتحت الضغط المباشر والمستمر (القوات المشتركة مدعومة بالتحالف)، وطرف آخر يتمتع بحقوق الاتفاق وبحقه في انتهاك الاتفاق والتنصل من الالتزامات في آن، مستنداً على حاجة الرعاة الدوليين الجاهزين لإعادة التفسير. 
فأين هي الشرعية في هذه المعادلة؟

هذا لا يعني تماماً أكثر أو أقل من اتفاق الطرفين والمبعوث الوسيط على نتيجة لم تكتب وآلية أخرى غير معلنة، وعدم التوقيع على ما هو مكتوب وموزع يترك المجال واسعا أمام تفسيرات آنية ومرحلية متغيرة وبحسب الحاجة وبما يخدم الوصول إلى النتيجة التي لم تذكر أو توثق رسميا.

لكن ليس هذا هو كل شيء، الأخبار السيئة لن تتوقف حيال الملف ومعركة الحديدة برمتها. تتبنى مسودة مشروع القرار البريطاني الجديد في مجلس الأمن الاتفاقية وتترك لمارتن غريفيث وحده وبلا ضوابط حق وصلاحية تفسير الاتفاقية وبنودها، وعلى الأطراف التقيد والالتزام برأيه وتفسيراته للاتفاقية وليس بالاتفاقية وبنودها العائمة.

مثلت الحديدة والساحل الغربي لدى الشرعية ملف تفاوض، ولم تكن أو تمثل لها يوما معركة تحرير. مجهوداتها لم تحضر أبدا هنا. كانت دائما تتمتع بإلقاء الحمولة على التحالف، وأخيرا عقدت صفقة غامضة، وألقت بالمسئولية على التحالف لمراقبة وضمان التزام قوات التحرير، تاركة المليشيا لجريفث، يستخدمها حيث وكيف يشاء.

كتب بيتر ساليسبري، وهو خبير مختص بشؤون اليمن في مجموعة الأزمات الدولية، على تويتر: "لقد حان الوقت الآن كي يرسخ مجلس الأمن الدولي هذا الاتفاق بقرار". مضيفا "لا يوجد عذر للتراخي الدولي الآن، ويجب حماية هذه اللحظة الهشة".

يتحدث ساليسبري هنا حول "لحظة هشة" بالفعل، واتفاق سلام ملغوم. لكن ليست صدفة أن مشروع القرار البريطاني يخالف توقعاته ويكرس الهشاشة كزمن ممتد لا مجرد لحظة.