حكم الأئمة.. مشيخات محلية وتمردات على دول يمنية

السياسية - Thursday 16 May 2019 الساعة 03:31 pm
صنعاء، نيوزيمن، سهيل القادري:

"حكمناكم ألف سنة".. بهذا المعنى يخاطب الحوثيون، ومن قبلهم الأئمة الشعب اليمني، وينجر معهم كثيرون من معارضي حكم الولاية والحق الإلهي.

خطاب يجعل خرافة الولاية ومخرجاتها وكأنها قدر ومصير لا مهرب منه لليمنيين، ويرسم هويتهم ويحدد ملامح شخصيتهم، وبهذه المفاهيم تمتلئ كلمات الأخوين الحوثي حسين المؤسس، وعبدالملك زعيم الجماعة منذ مقتل شقيقه في أول تمرد مسلح لها على الدولة عام 2004م.

زعامة مزعومة

ليست مقولة خضوع اليمنيين لحكم الأئمة معظم تاريخهم الإسلامي وارتضائهم بذلك، كما سبق أن صرح يحيى حميد الدين في مفاوضاته للأتراك العثمانيين والإنجليز، إلا واحدة من الأكاذيب المراد تثبيتها كحقيقة في وعي ووجدان اليمنيين.

يشير الواقع التاريخي بوضوح إلى تفنيد الزعم الإمامي لناحية الامتداد الزمني أو المكاني حيث تجمع المصادر التاريخية على نشوء دول باليمن شملت معظم العهد الإسلامي، وامتد بعضها على مساحة تتجاوز الجغرافية اليمنية في الوقت الراهن، وكان لكثير منها آثار علمية ومادية ما زال عدد منها ماثلاً للعيان، بخلاف دويلات الأئمة التي تكاد تقتصر منتوجاتها على كتب ذات نفس طائفي، وقباب على قبور أئمة.

ظهرت في اليمن خلال التاريخ الإسلامي دول بعضها مستقل، وأخرى تتبع اسمياً مراكز الخلافة العباسية في بغداد أو الفاطمية في القاهرة، كدولة علي بن الفضل، وبني يعفر، والنجاحيين، وبني مهدي، وبني حاتم والزريعيين، غير عشرات السلاطين والأسر الحاكمة المحلية في معظم الأراضي اليمنية.

غير أن دولاً امتد حكمها في فترات قوتها إلى سائر اليمن، كدولة بني زياد، والصليحيين، والأيوبيين، والرسوليين، وإلى حد ما الطاهريين، والعثمانيين في عهدهم الأول.

حكمت الدولة الزيادية قرابة مئتي عام مطلع القرن الثالث الهجري الذي دشن الدول اليمنية المستقلة فعلياً عن مراكز الخلافة الإسلامية، تلتها الدولة الصليحية نحو قرن من الزمان ووصل امتدادها إلى مكة، وتولت ملكتها السيدة أروى الصليحي القيادة الروحية الإسماعيلية في عُمان والهند، وأعقبتها دولة بني أيوب القائمة على أنقاض الدولة الفاطمية بقيادة صلاح الدين الأيوبي الذي سيطر إلى جانب مصر على الشام والحجاز واليمن، واستمرت هذه الدولة في اليمن ما يقارب الستين عاماً لترثها الدولة الرسولية إحدى أهم الدول اليمنية في العصر الإسلامي وأطولها عمراً، إذ حكمت أكثر من مئتين وثلاثين عاماً وصل امتدادها السياسي حتى مكة شمالاً، وظفار بعمان شرقاً، وبعض الجزر على الساحل الإفريقي وحظيت بعلاقات احترام مع العديد من الدول القوية حينها كدولة المماليك، والصين، وعلى أنقاضها قامت الدولة الطاهرية لتسقط بعد 75 سنة على يد المماليك بوشاية ودعوة من الإمام شرف الدين، ثم جاء الحكم العثماني الأول لليمن عقب قضائه على دولة المماليك وبقيت مئة سنة لتعاود احتلال اليمن نحو سبعين عاماً منذ منتصف القرن التاسع عشر.

بعملية جمع حسابي بسيط يتكشف أن الدول اليمنية المستقلة التي غطت سلطتها معظم أو تجاوزت جغرافية اليمن الحديث، يقارب عمرها ثمانية قرون ونصف، إضافة إلى قرنين سابقين تحت الحكم النبوي والراشدي والأموي والعباسي، وإذا زدنا عليها الدول المزامنة والمنافسة لها في بعض الأجزاء فإنها تتعدى كل التاريخ الهجري.
إذن أين حكم الأئمة الممتد لألف سنة كما يروج أنصار – وأحياناً المعارضون بدون قصد – نظرية الولاية والحق الإلهي؟

انقطاعات وتمردات

بدأ عصر سلطة نظرية الحق الإلهي مع يحيى بن حسين بن القاسم الرسي، الملقب بالهادي في 282 هجرية، وبلغ عدد الأئمة نحو 66 إماماً -بدون البدر- من أسر مختلفة ادعت كل منها الانتساب للإمام علي بن أبي طالب من زوجته فاطمة الزهراء، وبحسب مشجرات الأنساب المزعومة ينتمي 59 إماماً إلى الهادي ويعرفون بالحسنيين، أما البقية فخمسة منهم ينتسبون إلى الحسن بن زيد بن علي واثنان إلى الحسين بن علي، وهم الحسينيون.

ومنذ الهادي انقطع حكم الأئمة عن مناطق يمنية لحوالي 165عاماً، بسبب تمدد دول أخرى على الأرض اليمنية، ووصل الحكم الفعلي للأئمة 833 عاماً – منها 186 سنة بتزامن السلطة بين أكثر من إمام ليتبقى الحكم الفعلي للأئمة نحو ستة قرون ونصف، وحتى في هذه الحالة الأخيرة ظلت سلطة الأئمة محصورة في مساحات ضيقة لحد يمكن معه وصف حكم الكثير منهم بأنه مشيخات محلية على مستوى قرى وحارات يشبه إلى حد كبير عشرات السلطنات والمشيخات الأسرية في مخاليف اليمن.

وتؤكد المصادر التاريخية أن تمدد سلطة الأئمة على معظم الجغرافية اليمنية اقتصر على عقود قليلة منذ القرن الحادي عشر الهجري في عهد المتوكل على الله إسماعيل وأولاده، فيما ظل حكم الأئمة محصوراً في شمال الشمال اليمني وخصوصاً في صعدة، إلا من فترات متقطعة خلال القرنين الثامن والتاسع تمكنوا خلالها من الوصول إلى صنعاء وذمار، وبقيت إب وتعز وتهامة وحضرموت مغلقة بوجه الأئمة عدا حوالي أربع سنوات في عهد شرف الدين.

لقد كان حكم الأئمة ليس أكثر من تمردات عسكرية وسياسية على الدول الشرعية أغلب فترات التاريخ الإسلامي تتسلط خلالها على قطع من الأراضي اليمنية مثلما يحدث تماماً اليوم على يد المليشيا الانقلابية الحوثية تحت يافطة الحق الإلهي والجهاد وحماية الدين الإسلامي، وكأن التاريخ يصر على تكرار نفسه ليجعل لسان حال اليمنيين يردد "ما أشبه الليلة بالبارحة".