المخا من "سيل الثلوث" المدمِّر إلى "ميناء ميناء يا سلال" و"موت" ما بعد 1990

المخا تهامة - Saturday 18 May 2019 الساعة 03:30 am
المخا، نيوزيمن، كتب/ عادل حسين:

الحلقة الأولى: 
> تاريخ المخا أو "مخن" الحميرية.. مدينة التجارة حكم أهلها سواحل أفريقية باسم أمير المعافر في عهد الملك "كرب إل"

الحلقة الثانية:
> المخا بعد جلاء الأتراك ”بدرٌ ضحكا“.. العصر الذهبي لمدينة القصور والميناء الرئيس لليمن و"كافي موكا"

الحلقة الثالثة:
> المخـا.. من حملة علي بن المجثل التدميرية 1834 إلى صراع الدول الاستعمارية وحتى 1918

.. وفي عام 3601 هجرية -1942م في يوم الثلاثاء غرة شهر رجب منه تعرضت المخا لسيل عظيم عرمرم سمي بسيل الثلوث أتى إليها من جبال ذبحان في الحجرية وجبل حبشي وسيلة العوشقة وجرف وادي موزع وخربة، ووصل إلى المخا وجرف أشجار النخيل المحيطة بها من الجهة الجنوبية وهجم على المدينة وخرب البيوت وهدمها لأن المدينة بعد أن هجرها معظم سكانها بعد حملة علي بن المجثل أصبحت الديار خاوية على عروشها تدهورت وبدأت تتساقط لعدم ترميمها والمحافظة عليها، كذلك أشجار النخيل الكثيفة التي كانت تحيط بالمدينة بدأت تتساقط وتهلك لعدم الاعتناء بها وسقيها بعد فرار أصحابها من المخا عندما حاصر علي بن المجثل مدينة المخا (انظر الحلقة السابقة 3)..

فعندما جاء سيل الثلوث جرف ما تبقى وكذلك بعض القصور والسور الدرب كانت قد تخربت بسبب القصف بالمدفعية التي تعرضت لها المخا من البحر عدة مرات فعندما تعرضت لسيل كان سهلاً عليه أنه سيهدمها.

وبسبب تساقط وهلاك أشجار النخيل المحيطة بالمخا من الجهة الجنوبية، كانت معرضة للرياح العاتية عندما جرفت الأشجار أصبحت الأرض جرداء زال عنها الغطاء النباتي فعندما تتعرض للتيارات الهوائية القوية الآتية من المحيط الهندي وخليج عدن خلال الاشهر من اكتوبر الى منتصف ابريل من كل عام تثير الاتربة وتقذفها فوق المدينة.

وفي عام 1370م- 1950 تم إنشاء ميناء المخا الحديث وانجزت المرحلة الأولى عام 1955وفقاً لتصاميم فرنسية بمحاذاة الفنار جهة القبلة الواقع في الطرف الغربي للخور (طمر ودفن بالرمال خور المخا) وكان الرصيف عرضه 20 متراً وطوله 200 متر، وكانت الأعماق الأصلية بمحاذاة الرصيف بعمق 2.5 متر على طول 50 متراً، و3.5 متر على طول 50 متراً، و4.7 متر على طول 100 متر، وكان أمام الرصيف حوض عرضه 40 مترا، وبعد بنائه وإنجازه تكوم الطمي في الحوض بفعل الانجراف الساحلي الشديد بمعنى انطمر حوض استقبال السفن بالتراب وتقلصت أعماقه، وأصبح غير كافٍ لرسو السفن الكبيرة، لذلك كانت السفن ترسو في الغاطس وتتم عملية الشحن والتفريغ ونقل البضائع بالكراريك والصنابق من السفن في الغاطس إلى الميناء وفي عام 1382هجرية 1962م.

بعد قيام الثورة المباركة وفي أول زيارة للمخا للقائد عبدلله السلال رئيس الجمهورية، رحمه الله، طالب أهل المخا السلال بإنشاء ميناء المخا، وهم يهتفون عند استقباله: "ميناء ميناء يا سلال".

وكان ميناء المخا التاريخي القديم يقع ما بين مبنى مستشفى المخا حالياً ومبنى مؤسسة الأسماك عند مبنى مكتب شركة هائل سعيد أنعم، فكانت البواخر ترسو في الغاطس، ويتم نقل البضائع من البواخر الراسية في عرض البحر إلى الرصيف المدفون عبر الكراريك ثم تفرع يدويا إلى فوق الشاحنات.

وفي أواخر عام 1977 دعت هيئة التخطيط المركزي نخبة من المقاولين لتقديم عطاءات ”مناقصات“ لتصميم وبناء المنشآت البحرية لميناء المخا ورست المناقصة على شركة ريجن-شيلد-فيرولم التي عهدت بموجب عقد من الباطن جميع الأعمال إلى شركة ديركرفيرستوب بي ڤي من هولندا لبناء مشروع توسعة ميناء المخا وبلغ مجموع كلفة الأعمال حوالى 75 مليون ريال يمني، وانجزت معظم الأعمال في نيسان أبريل 1979، ومن حينئذ شهدت المخا حركة تجارية وعمرانية..

.. إلى بداية التسعينات من القرن المنصرم، وأمسى الميناء وكأنه شبه ميت إلى حين كتابة هذه النبذة التاريخية المختصرة عن مدينة المخا.. كتبتها في عجالة، ولو أردنا التفصيل وسرد جميع الأحداث والوقائع وكل ما يتعلق بها وعن من حكم المخا ومن سكنها وعن تجارتها وعشائرها ونماذج الفن المعماري فيها وعن المساجد وأضرحة الأولياء فيها والديانات التي كانت موجودة بها لصنفنا في ذلك مجلدات.

* قيل في المخا شعر

وأختم هذه الأسطر المتواضعة بذكر لبعض الأبيات الشعرية التي قيلت في المخا:

هذه المخا فقف بنا يا حادي
فقد حلا في ذكرها إنشادي
أرض تمنتها الكواكب منزلا
والشمس والقمر المنير الهادي
يشهد لها التاريخ أن مناخها
فيه الشفاء لحاضرٍ أو بادي
لا عيب فيها غير أن ملوكها
قد خضبوا نوارها بسوادي
بل أخروها إلى الوراء وهي التي
كانت كعقد الدر في الأجيادي
كانت محط الشرق والغرب كم
شرفاً حوت من طارئ وتلادي
يا رب رحمتك التي عودتنا
يسِّر ووفق أهلها للرشادي
أحِ لها تاريخ أيام مضت
كجوهرةٍ كانت على الأجيادي

وقال آخر:

عج بالمخا فالنور فيها يسطع 
والمسك في ارجائها يتضوع
بلد يغنى فيه الفقير اماترى
سكانها من كل أرض يهرع
يروى بها العطشان من ظمأ به
والجائع الملهوف فيها يشبع
هيهات ما مثل المخا من بلدة
حفت بنخل طاب فيها المرتع
ما بين ساحلها وباب الشاذلي
إن غاب بدرٌ ألف بدرٍ يطلع
لا تتخذ غير المخا لك منزلا
فهي التي فيها الالمحاسن تجمع
لو أنها في أي عصر أحدثت
لاختارها عوضا بصنعاء تبع
كذب الذي قد قال فيها انها
بلد يذل العزيز ويخضع
فما ترى ان المخا عاداتها
نفع الوضيع وترفيع المترفع
سكانها قوما كرام لم تجد
إلا الاسخياء للمكارم يصنع
قد زادهم حسن الطباع فشيخهم
متورع وشبابها متقنع

إعداد خاص لنيوزيمن/ عادل حسين محمد عبد الوهاب.