الصليف.. قصة ميناء منذ الاحتلال العثماني حتى الاحتلال البريطاني (1)

المخا تهامة - Thursday 23 May 2019 الساعة 03:27 am
نيوزيمن، كتب/ أ.د عبدالودود مقشر

يعد ميناء الصليف من الموانئ اليمنية التي لعبت دوراً هاماً في المجال السياسي والاقتصادي في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر، وبإطلالته على البحر الأحمر، وجزيرة كمران، استطاع أن يكون في العهد العثماني الأول لحكم اليمن (944 – 1045هـ / 1538 – 1635م) الركيزة الأساسية لدخول القوات العثمانية لليمن، وفي العهد العثماني الثاني لحكم اليمن (1265 – 1336هـ / 1849 – 1918م) تحول دوره إلى تاريخ اقتصادي من خلال ثروته الاقتصادية والمتمثلة في منجمه للملح إلى جانب موقعه العسكري المتميز، ومن ثم تعرض للقصف والتدمير من قبل البريطانيين الذي أدركوا أهميته ومحاولة احتلاله، فما قصة هذا الميناء ومتى نشأ وظهر على الساحة الساحة الدولية وأخذ أبعاده الاستراتيجية والجيوسياسية؟

تقع شبه جزيرة الصليف إلى الشمال والشمال الغربي من مدينة الحديدة، وتبعد عن مدينة الحديدة بمسافة تصل إلى 60 كم، ويقع على خط عرض 15.31° شمالاً، وخط طول 42.67° شرقاً، وبارتفاع 4م فوق سطح البحر، وتبلغ مساحتها الإجمالية 154 كم2.

وتعد منطقة الصليف الآن مديرية من مديريات محافظة الحديدة، وتتكون من النواحي والقرى التالية (الصليف، القرية، الزحيفي، دير الولي، الضبرة)، وتتبعها جزيرتان غير مأهولتين هما: جزيرة وغر وجزيرة هيكوك، وتبعاً للآخر تعداد سكاني في 2004م بلغ عدد سكانها 6343 نسمة.

تتميز الصليف بمزايا جعلتها تحظى بالاهتمام الدائم من قبل السلطات الحاكمة لليمن بمسمياتها المختلفة في التاريخ الحديث والمعاصر، ومن هذه المزايا:
تمتلك الصليف موقعاً استراتيجياً فهي شبه جزيرة تحيط بها المياه من ثلاث جهات وكأنها قلعة حصينة صعبة الاختراق وهو ما ثبت خلال التاريخ الحديث والمعاصر وخاصة خلال الحرب العالمية الاولى (1332 – 1336هـ / 1914 – 1918م).

تمتلك ميناء حباه الله بمناطق رسو طبيعي وآمن وتحميه جزيرة كمران حماية طبيعية من الرياح الشديدة والأمواج، وتتميز بأعماق بحرية كبيرة تصل إلى 50 قدماً بحيث يستطيع استقبال بواخر عملاقة تصل حمولتها ما بين 50 – 70 ألف طن، وقد تم استقبال السفن العملاقة التي تعجز بقية الشواطئ اليمنية عن استقبالها خلال التاريخ الحديث، حيث استقبلت الحملات ذات الاساطيل الضخمة وخاصة خلال عهدي الحكم العثماني.

لدى الصليف مقومات سياحية بحرية وبرية متكاملة، فيمكن إقامة منتزهات وشاليهات بالقرب من الشاطئ، ورياضة سباق القوارب والزوارق البحرية، ورياضة التزلج على المياه.

يتميز أهالي الصليف باحتراف الصيد البحري، وبها ميناء لصيد السمك، وصناعة السفن والقوارب والحرف التقليدية التهامية، وقديماً تميزت المنطقة بصيد اللؤلؤ، فقد ورد في كتاب (ارتفاع الدولة المؤيدية جباية بلاد اليمن في عهد السلطان الملك المؤيد داوود بن يوسف الرسولي تـ(721 هـ/1321م)، تحقيق محمد عبدالرحيم جازم، ما يلي: "ينفرد الديوان السعيد بالمغاصات – أماكن محددة في البحر تتواجد فيها الأصداف الحاوية على اللؤلؤ – ومنها... بطن جابر وهو أصعبها وأجود ما توجد به الجواهر الجيدة"، وهو ما يؤكده الرحالة الهندي العلامة رفيع الدين بن فريد الدين المراد آبادي في رحلته المعنونة (الرحلة الهندية إلى الجزيرة العربية): "وبالقرب من هذه الجزيرة – كمران - يوجد الكثير من اللؤلؤ والمرجان ويقولون إن موسم صيدها يكون في شهور الصيف الأربعة".
يوجد بالصليف مناجم من الملح والجبس وبكميات هائلة هو ما سيتم التطرق إليه في هذا الحلقات.

واستوقفني الأصل اللغوي لكلمة الصليف وسبب التسمية، فتعد مفردة الصليف من الكلمات التي تدل على المعنى الواضح الذي يوظف الكلمة في مسميات المناطق الجغرافية، وتطابق المعنى مع المكان، فالصليف في اللغة مشتقة من "(صَلَفَ) الصَّادُ وَاللَّامُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ وَكَزَازَةٍ مِنْ ذَلِكَ الصَّلَفُ، وَهُوَ قِلَّةُ نَزَلِ الطَّعَامِ - أي بركته -........ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ لِلْأَرْضِ الصُّلْبَةِ: صَلْفَاءُ، وَلِلْمَكَانِ الصُّلْبِ: أَصْلَفُ. وَالصَّلِيفُ: عُرْضُ الْعُنُق"، وتذهب المعاجم أن: " ابن عبّاد: الصَّلْفَاءُ صَفَاةٌ قد استوت في الأرض، ويقال: صِلْفَاءةٌ - بوزن حِرْباءةٍ -. وقال الأصمعي: الأصْلَفُ والصَّلْفَاءُ: ما اشتد من الأرض وغلظ وصَلُبَ، والجمع الأصَالِفُ والصَّلافي، قال أوس بن حجر:
وخَبَّ سَفَا قريانه وتوقدت
عليه من الصَّمّانَتَيْنِ الأصالِفُ

والصَّلِيْفُ: عرض العنق؛ وهما صَلِيْفانِ من الجانبين، قال جندل بن المثنى:
ينحط من قنفذ ذِفراه الذَّفِرْ
على صَلِيْفَيْ عنق لأْمِ الفِقَرْ

وقال أبو زيد: الصَّلِيْفانِ رأسا الفقرةِ التي تلي الرأس من شقيهما...والصَّلَفُ - بالتحريك -: قلة نزل الطعام، وإناء صَلِفٌ: إذا كان قليل الأخذ للماء، وسَحابٌ صَلِفٌ: قليل الماء كثير الرعد. وفي المثل: رُبَّ صَلَفٍ تحت الرّاعدة: يُضْرَبُ للرجل يتوعد ثم لا يقوم به.... والصَّلِفُ: الإناء الثقيل الثخين، وطعام صَلِفٌ: مسخ لا طعم له."، وتقول العرب لكل ما لزم الإنسانَ: "قد لزم عنقه. وهو لازم صَلِيفَ عُنُقه"، فالصليف: جانب العنق، ومنه الحديث [ كَمْ من صَلَفٍ تحت الرَّاعِدَة ] هو مَثَلٌ لمن يُكْثِر قَولَ ما لا يَفْعَل: "أي تَحتَ سحاب تَرْعُدُ ولا تُمْطِر".

يتضح مما سبق أن معنى الصليف يتوافق مع جغرافية منطقة الصليف، فالصليف في اللغة هي: الْأَرْضِ الصُّلْبَةِ التي لا تنبت ولا تزرع وهو ما يتطابق في الواقع مع منطقة الصليف.

جانبي العنق وشكل منطقة الصليف التي هي شبه جزيرة لها عنق ولسان بحري فـ"تتصل ببلاد الزيدية بواسطة لسان بري في البحر (الصليف) مما جعل الصليف (برمائية)"، بل واعتبرها بعض الكتاب والرحالة جزيرة، ومنهم الرحالة العثماني أوليا جلبي (1020 – 1095هـ / 1611-1682م) والتي ذكرها بأنها "جزيرة صلفه". قليلة الأمطار بل نادرة.

طعام أهالي الصليف ماسخ لا طعم له، وهي من معاني كلمة الصليف، وهي عادة استمرت إلى فترة قريبة وانتهت، وقد ذكرتها بعثة مجلة العربي الكويتية عند زيارتها للصليف في مطلع السبعينات من القرن العشرين الميلادي، فقالت: "ومن الغريب أننا عندما تناولنا الطعام في الصليف وجدناه ماسخاً... لقد تعود أهل الصليف على أكل طعامهم بدون ملح إلى اليوم بينما الملح تحت أقدامهم يعيشون فوقه"، مجلة العربي، العدد 176، يوليو 1973م، سليم زبال، الصليف مدينة تعيش فوق جبل من الملح هل يخفي الملح نفطاً غزيزاً بين طبقاته؟

أعتقد أن هناك أسباباً أخرى لإطلاق تسمية الصليف على هذا النطاق الجغرافي، ومنها أن الصليف مشتقة من الصلفة والتي تطلق على نوع من أنواع السفن وخاصة السفينة الكبيرة كما يقول أبو الحسن علي بن اسماعيل ابن سيده تـ(458هـ) في كتابه (المخصص)، التي كانت تصنع بهذا المكان سابقاً، واشتهرت الصليف بصناعة السفن والصليفة أيضاً أداة من أدوات صناعة السفن كما يذهب الملاح اليمني بدر بن أحمد الكسادي في كتابه (القاموس البحري معجم للمصطلحات البحرية في جنوب الجزيرة العربية)، ويعزز شيخنا الاستاذ حسن صالح شهاب ذلك في موسوعته (المعجم المفصل في مصطلحات الملاحة العربية القديمة والحديثة في المحيط الهندي).

لكن وبما أن التسمية لم تكن معروفة في كتب التاريخ والبلدانيات اليمنية، فالغالب أن التسمية قد تكون وافدة في فترة الهجمات البرتغالية الصليبية على شواطئ البحر الأحمر أو أنها وفدت مع العناصر العثمانية ذات الأصل الاوربي ومشتقة من كلمة ( salifeous ) والتي تعني مالح، ملحي، مملح، حاو ملح وهي كلمة ذات أصل لاتيني يراجع للتوسع :- 
William Humble, DICTIONARY OF GEOLOGY AND MIINERALOGY, Published by HENRY WASHBOURNE – LONDON, 1843, p. 226.
لم يتطرق الكتاب في كتاباتهم إلى أصل التسمية للصليف، غير أن الأب انستاس الكرملي ذكر سبباً لتسمية الصليف بذلك فقال: "ولفظة الصليف مشتقة من الصلفة أو الصلفاء، وهي: الأرض الصلبة أو الغليظة الشديدة لوجود أرض الصليف على هذه الحالة" مجلة المشرق العربي السنة الرابعة العدد 12، وهو ينقل ذلك من ما ورد في (معجم تحليل أسماء الأماكن في البلاد العربية) لعيسى اسكندر معلوف والذي كتب في اواخر القرن التاسع عشر الميلادي.