صوَّره العبسي ورسمه نعمان ومات بالمجاعة.. الغابري يكتب عن أبيه وعن المقالح

متفرقات - Thursday 20 June 2019 الساعة 08:32 am
عدن، نيوزيمن، عبدالرحمن الغابري:

هذا أبي صوّره رائد التصوير في اليمن أحمد عمر العبسي عام 1955م، ومع تقادم الزمن كادت الصورة تتلف.

قام صديقي الحميم الفنان الراحل عبد الجبار نعمان برسمها طبق الأصل، ولوّنها... توقيعه عليها.

قصة تصوير الفنان الرائع أحمد عمر العبسي لوالدي طويلة.. سأختصرها بشدة..

سافر أبي إلى تعز لمراجعة الإمام أحمد، كي يخرج أخاه، عمي علي من سجن المخا!!

عمي كان يشغل قاضياً شرعياً هناك.. اختلف مع الإمام في قضية وتم سجنه...

لم يفلح أبي بإخراج عمي، حينها، وعاد بوعد من الإمام أن يطلق سراح أخيه لاحقاً، فعرف المصور أحمد عمر وطلب منه التقاط صورة قبل العودة إلى عمله ومنزله في عتمة.

فقدت أبي عام 1960م بعد مولدي بأربع سنوات، وقصة وفاته سأختصرها ايضا بشدة..

حصلت في اليمن مجاعة في ذلك العام، تبرعت دولة (كندا) لليمنيين بالكثير من القمح والدقيق الكندي.. فكانت نوعية ممتازة جداً، أطلق اليمنيون بعدها على أجود منتوجهم من القمح ب(كندة) حين يودون التفاخر للبيع أو للاستهلاك والضيافة!!

هل منكم أحبائي من سمع بهذه الصفة للقمح..؟

سافر أبي إلى الحديدة كمنتدب عن عديد (عُزل) في عتمة لاستلام المعونة باعتباره قاضياً شرعياً مؤتمناً..

مر بباجل أثناء العودة فمدينة (العبيد) كما كان يطلق عليها.. حالياً (مدينة الشرق) أسفل جبل الشرق آنس.. وقد أسميت بمدينة الشرق أيام حكم الرئيس إبراهيم الحمدي، ونُبذت واُلغيت التسمية السابقة كونها عنصرية..

هناك أناخ أبي بهائمه الدواب وخلد للنوم في إحدى السماسر أو اللوكندات البائسة المكشوفة ليلة واحدة كانت الفاصلة.. فقد تعرض أبي لهجوم ولدغ (النامس) البعوض، فتحول جسده إلى بطانية حمرا ء خشنة حتى إن جسمه أصبح جرحاً واحداً.. لم تكن هناك مراكز صحية ولا أطباء في المنطقة كلها، بل في الريف اليمني كله.

وصل إلى مركز عتمة بعد أن أعد كشفاً بأسماء الأسر المستحقة للمعونة.. ترك أكياس القمح والدقيق في المركز وعاد إلى منزلنا في القرية، وقد كنت واخوتي بانتظاره.. خصوصاً أنا، فقد اعتدت على انتظار أبي كل يوم وليلة حين يُكمل عمله في الحكومة..فقد عودني أن يمنحي حبيبات النعناع البيضاء و(المليم).

فقد كانت أفخم (الجعالات) أخبئها إلى حين اللقاء برفاقي للتباهي وإعطائهم منها..

شاهدته يهرش جسمه كاملاً بشدة.. ولم ينم.

صباح اليوم التالي أنهكته الملاريا.. حُمّى وتقيؤ ثم غاب عن الوعي، وفي اليوم الثالث مساءً توفي.. مات أبي وفقدت لحظات انتظاره هو وحبيبات النعناع والمليم وبسمته واحتضانه لي كلما لاقيته إلى أطراف القرية.

الصورة الثانية لأبي وأخي وصديقي الحميم د/عبد العزيز المقالح.. لقد اتخذته بتلك الصفات الأبوية والأخوية والصداقة العميقة وهو يدرك ذلك تماماً..

هو من أخذ بيدي وتابع مسيرتي وعرف أنني يتيم الأب، وأنني أستحق رعايته وتشجيعه في مجالاتي الفنية متعددة الأنماط... منحني كتباً متخصصة وأدبية.. ذهبنا معاً إلى عدة أماكن هامة منها إلى قريته في وادي بنا الفاتن.

أقمت أول معرض شخصي برعايته في جامعة صنعاء عام 1984م، جلب الأدباء والكتاب اليمنيين والعرب والأجانب الذين كانوا يتوافدون على اليمن لإقامة فعاليات بدعوات الدكتور عبد العزبز المقالح.. جلبهم للمعرض الذي استمر قرابة الشهر..

طلب من الأستاذ الراحل عبد العزيز عبد الغني رئيس الوزراء، حينها، لزيارة المعرض لكي يعطي زخماً كبيراً للمعرض بالإعلام الرسمي.

وفعلاً كان الإعلام ممتازاً مما استمرت فترة العرض وتوافد جماهير من الطلاب والشباب والمواطنين.

تتالت معارضي الشخصية بدفع منه حتى فاقت السبعين حالياً. كان معظمها محلياً، وكان الدكتور عبد العزيز في مقدمة مفتتحيها والحديث عنها كتابة في الصحف وفي الندوات والمجالس الأدبية الدائمة إلى اليوم.

هذه الصورة وهو يقلّد تلميذه وابنه وصديقه درع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين أثناء افتتاح معرض فوتوغرافي عن اليمن وبيئة النادرة وتراثه الضخم عام 2008م.

الدكتور عبد العزيز المقالح، أيها الأب للأيتام مثلي.. والأخ الأكبر والصديق الأعز، سأحتاج إلى مجلدات كي أبوح بما تمتلئ به روحي من أفضال وهبتني إياها.. ومعزّة وحب وتقدير...

لك السلام ودوام الصحة

*من صفحة الكاتب على (الفيسبوك)