إب.. بين جمال الله وبشاعة أنصاره!

متفرقات - Friday 21 June 2019 الساعة 07:58 am
نيوزيمن، كتب/ فاروق ثابت:

كان الوقت، حينها، يقترب من الظهيرة وأنا أدلف تخوم المدينة الخضراء المذهلة على زخات أمطار وغيم ونسيم عليل...

دائماً أمر من إب عابراً إلى صنعاء، ولكن هذه المرة كنت في أول زيارة رسمية لها وقصيرة لإنجاز عمل صحفي..

أقمت في أحد فنادق المدينة، وقليلا ما تجد فيها الفنادق، لكن العمارة كانت جديدة وتقترب من الطريق العام إلى جانب مكتب للبريد على ما يبدو..

في اليوم التالي أنجزت العمل وكان من المقرر المغادرة، لكن الأجواء ساحرة والهواء منعش في مدينة تحيطها قمم خضراء تداعب السحاب...

لذلك فقد قررت إلغاء السفر والمكوث أياما أخر في مدينة الخضرة والمطر.. خاصة وأنني تعرفت على أحد سائقي التكاسي أخبرني أنه سيتفرغ لمرافقتي...

وكان ثمة برنامج طويل لزيارة أماكن كثيرة..

فبدأت البرنامج بزيارة مدينة جبلة التاريخية..

لم تكن الزيارة الأولى لي لجبلة ولكن سبقتها بزيارة واحدة.

سائق التاكسي تفاجأت أن معظم من في المدينة يردون السلام عليه، ومن ثم عرفت فيما بعد أنه مدير مدرسة في إحدى مناطق إب قريبة من جبلة ربما.. سألته عن أحد اصدقاء أبي كان استضافنا في فترة سابقة وقال إنه يعرفه، وفجأة ونحن نتجول في أزقة المدينة التقينا بالرجل الذي كنت أسأل عنه للتو.. ياللمصادفة العجيبة والرائعة معا، فعنده مكثت يومين في مدينة التاريخ..

الممرات والمنازل المتهالكة مثيرة للذهول ويفوح منها عبق التاريخ.. إنها متحف غابر على الهواء الطلق.

وجوه الناس وهم يمشون تبدو عليهم غبرة اليماني الكادح القادم من أقاصي التاريخ فمعظمهم يعمل في المدينة، ولكل مهنته.

لكن تلك القصور العملاقة قال لي صديقي إنها باتت ملك أسر عدّدها جميعاً من الهواشم استحضر منها ربما "آل المتوكل، وباعلوي، والشامي...".

مكثت خلال إقامتي في جبلة في دار يطل على سائلة خلفية للمدينة يطل عليها جبل وفيها خيط من الماء وتزدان بالخضرة والأشجار الباسقة معظمها برية..

كنت أطل من الشرفة وأنا أمضغ عشب القات لأخرج إلى عالم خيالي مكتظ بالغيم والتيم والخضرة والمطر والهواء العليل.

الأمكنة مبنية بإبداع اليماني القديم وبأسلوب حداثي يواكب زمانه بل ويتفرد به، القصور فيها أدوار مرتفعة.. المدينة مكتظة بالحركة والداب باستثناء قلة متشبثين بالمسيدة والخرافة على الناس.

من الذكريات الرائعة كانت لحظات الخروج في صباح باكر إلى مسجد الملكة لصلاة الفجر، ثم مكثنا أمام مقهى قديم لتناول القهوة اليمنية، شهدت حينها أجمل صبح عشته في حياتي، وهل ثمة أجمل من أنك تستنشق نسيم الصبح وهو ينبلج أمامك وأنت في مدينة أسطورية يخطر الناس من أمامك للذهاب إلى أعمالهم، وبيدك كوب قهوة رائحته تملأ المكان، فيما العصافير تحلق وتحتفل بالصباح على طريقتها في استقبال ضوء يوم جديد وأنت تجلس على كرسي قديم وعيناك تحملقان لكل شيء من حولك وكأنك في عالم خيالي.

قصر الملكة تهدمت أجزاء كثيرة منه، وقيل لي إنها بنته بغرف فيها عدد أيام السنة حيث كانت الشمس تدخل كل يوم من غرفة، وهو ما يعكس إبداع الإنسان اليمني، التقطت صوراً للمكان وللذكرى وللصحافة أيضاً بينها منازل هي من ملحقات قصر الملكة تم نهبها من قبل سلاليين هناك، وفقاً لما أكد لي مواطنون من جبلة.

مرت اليومان بسرعة وتمنيت لو أنهما طالتا، لكن ما باليد حيلة.. فالتزامات العمل حتمت عليّ قطع الرحلة والعودة وإنهاء برنامج زيارة المحافظة الخضراء المنعشة والاكتفاء فقط بزيارة المدينة وجبلة.

وكنت قد خططت لزيارة بعدان وجبل ربي، والعدين.. ولكن لم تكتب لي الأقدار ذلك، وعلى الوعد يا ملك بعدان وياعدين حمير.

وبينما كانت الالياذه اليمانية تتردد في ذهني: 
"إب الغروب وشرقها المشنة 
بعدان ساقي والعدين جنة"..

عدت للتو إلى صنعاء وكتبت كل ما أعجبني عن إب وموضوع آخر: من جبلة.. من هنا مر التاريخ!

أفكر بأسى إن عدت آب وجبلة اليوم وكل شيء بات بيد السلالة فماذا عساي أن أقول يا ترى؟! المدينة التي تعيش جمال الرب بوافر إبداعه، وسجن "أنصار الرب" بواسع بشاعتهم.