يعزف للحوثيين فترقص الشرعية.. برنامج (الاستغباء) العالمي!

السياسية - Sunday 23 June 2019 الساعة 02:13 pm
المخا، نيوزيمن، كتب/ أمين الوائلي:

حتى عندما تقرر الأمم المتحدة أن تأخذ نصف إدانة وتنديد بالحوثيين لسرقتهم الغذاء وتحويل المساعدات الإغاثية عن مستحقيها فإنها تجد صعوبة كبيرة في توصيف الطرف المعني. لكن، أيضاً، هل ما يحدث ينبئ عن أزمة أم مهزلة؟

تعاني المنظمة الدولية ووكالاتها العاملة في اليمن من تخبط وتوهان إزاء تصنيف وتوصيف المتمردين والمليشيات الانقلابية الحوثية. وهي لا تشير إليها أبداً بأي من هذه الألفاظ والصفات. مقابل الإشارة إلى حكومة شرعية وسلطات حكومية، فماذا تسمي الحوثيين إذاً؟

كان خطاب الأمم المتحدة والمنظمات الأممية يستخدم "الطرف الحوثي". ثم استخدم ويداوم على استخدام الاسم الحركي "أنصار الله". ودرج منذ وقت ليس بالقصير على استخدام "سلطة الأمر الواقع" أو سلطات الأمر الواقع في صنعاء.

لتصرُّفات الحوثيين ورفضهم شروط برنامج الغذاء العالمي.. المجاعة تهدِّد ملايين اليمنيين

وهي جميعها أوصاف شاذة وغير قاموسية ولا قانونية وتمارس التحايل على منطلقات ومبادئ أساسية في التفريق بين الشرعية والنظام والدولة والحكومة وبين الانقلاب والمليشيات والتمرد واغتصاب السلطة. فالقول بالأمر الواقع يكاد يسبغ شرعية بحكم وقوة الأمر الواقع.

ومؤخراً، يوم الجمعة، ظهر خطاب أممي تائه ومتلعثم جداً في بيان برنامج (الغذاء) العالمي وهو يعلن أخيراً قراره بدء تعليق جزئي لعمليات المساعدات الغذائية في المناطق الخاضعة لسيطرة الانقلاب والمتمردين الحوثيين.

ووقع في مصيدة التوصيف الانتهازي والتحايلي القرار الشكلي تماماً، مهما أريد إظهاره كموقف متقدم وحازم من جانب منظمة أممية رداً على الاتهامات والإدانات الكثيرة بالتواطؤ والتورط مع المليشيات لوقت طويل ضد الشفافية والنزاهة والمصداقية وتمرير ممارسات فساد وتلاعب وعبث على حساب تمويلات المانحين وقضايا المحتاجين والفقراء والجوعى والأشد عوزاً... وغيرها من المجالات والبرامج.

فالبرنامج يتحدث عن تعليق جزئي في بعض المناطق "الخاضعة لسيطرة السلطات الموجودة في صنعاء" (...).

وها نحن أمام توصيف وترسيم جديد وآخر يخلع على الحوثيين تسمية محايدة جداً وغير مسبوقة تقريباً (السلطات الموجودة في صنعاء) وكأن هذه التسمية في الواقع تمتدح الانقلابيين الحوثيين فهم السلطة الموجودة في صنعاء مقابل السلطة الموجودة في الخارج وبعيداً عن صنعاء واليمن بأكمله!

في مؤتمر صحفي، قال إيرفيه فيروسيل، المتحدث باسم البرنامج في جنيف، إن "البرنامج يسعى إلى الحصول على دعم من السلطات الموجودة في صنعاء (الحوثيين) لإدخال نظام تسجيل بيومتري من شأنه أن يمنع تحويل الغذاء وحماية الأسر اليمنية التي يساعدها البرنامج، مما يضمن وصول الأغذية إلى من هم في أمس الحاجة إليها."

فالخطوة لا تزال تتوخى دعم السلطة الموجودة في صنعاء لا الضغط عليها أو إلزامها.

ومن حيث المبدأ تعتقد الحكومة الشرعية أن خطوة صغيرة وموهمة كهذه تنتصر لها على الانقلابيين والمليشيات الحوثية.

وسوف يصرح وزير الإدارة المحلية ووزير الإعلام ومسئولون حكوميون آخرون بنوع من الرضا، ولن يهتم أحد لمساواة الخطاب الأممي والدولي بين سلطة هنا وسلطة هناك، بفارق أفضلية للموجودة في صنعاء على الموجودة في الخارج.

تعزف الأمم المتحدة بأكثر من طريقة للحوثيين فيرقص وزراء الشرعية وحدهم طرباً وابتهاجاً. مثاليون جداً في لعب دور البطل الذي يفخر بأنه صار الكومبارس!

الحكومة الشرعية نفسها باتت من وقت مبكر عاجزة عن التفريق بينها وبين الحوثيين في الخطاب الأممي، ولم تعد مهتمة بضبط المصطلحات والحفاظ على رسمية ورمزية الألقاب والتسميات والأوصاف كقيمة وقوة في القانون الدولي.

لم يعلق ولن يعلق أو يتوقف أحد في السلطة الموجودة خارج صنعاء واليمن عند المصطلحات والتسميات التي تنحتها الأمم المتحدة وتمنحها الحوثيين فيما عدا الصفة الوحيدة الحقيقية التي تعبر عنهم وتحصرهم كمتمردين ومليشيات انقلابية.

وأخيراً صرح المتحدث باسم البرنامج في جنيف أن "البرنامج سيواصل السعي للحصول على تعاون سلطات صنعاء، معرباً عن تفاؤله في إيجاد طريق للمضي قدماً."

وهكذا سريعاً انتقل الخطاب إلى تكريس وتوطين وطنية ومحلية "سلطات صنعاء".

وبموجب الأمم المتحدة وخطابها هذا، الذي كان محل احتفاء وترحيب الشرعية، هناك سلطات صنعاء وهناك سلطات أخرى لا نعرف حتى الآن ما جنسها أو هويتها لأن الأمم المتحدة لم تقل بعد.

ناهيك أن الضجة نفسها حيلة أممية مفضوحة للإيحاء بأن الأمم المتحدة ليست دائماً مع الحوثيين، وها هي تقرصهم قليلاً وتوبخهم، باعتبارهم سلطة موجودة في صنعاء وسلطات صنعاء!

ثم إن التعليق يعفي الحوثيين من سرقات السنوات الأربع الماضية ويعاقب المحتاجين ويترجى المليشيات تعاوناً ويثق بالمضي قدماً ومعاً، كأمم متحدة وسلطات صنعاء.