غياب الدور الروسي في اليمن والشرق الأوسط باستثناء سوريا هروب أم خيار استراتيجي (1-3)

السياسية - Thursday 11 July 2019 الساعة 12:13 pm
نيوزيمن، كتب/ محمد عبده الشجاع:

كان أمام الروس فرصة ذهبية للوصول إلى أبعد نقطة في المياه الدافئة، وتثبيت أقدامهم من جديد في اليمن بشكل أو بآخر حين كانت الدولة قائمة، من خلال التعاون العسكري، وتقديم ضمانات تحفظ أمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب، أما وقد فاتت هذه الفرصة، فإن ذلك يعني أن الروس يدركون كلفة القواعد العسكرية خارج المياه الباردة وخاصة في اليمن، والقواعد البحرية دائماً بحاجة إلى احتياطات وعناية أكثر من القواعد على الأرض.

ضربات موجعة

ولم تكن حرب أفغانستان في سبعينيات القرن الماضي، وانهيار الاتحاد تماماً نهاية الثمانينات، واستقلال بعض الدول عنه؛ هي القشة التي ألقت بظلالها على طموحات وتطلعات الدب الروسي، فقد سبق ذلك التاريخ أحداث عدة، كما تلاها أيضاً صراعات جعلت روسيا أكثر حذراً من ناحية الوصول إلى المياه الدافئة، وإقامة التحالفات عن بعد.

على الصعيد العسكري والاقتصادي تعرضت روسيا لهزات وإخفاقات، جعلت منها أكثر حرصاً على حفظ التوازن، على سبيل المثال ما حدث خلال الأيام الماضية، حريق على متن غواصة لم تفصح البحرية عن نوعها وطرازها، أدى لتسرب غاز سام على إثره لقي 14 جندياً حتفهم بينهم 7 بحارة برتبة لواء 2 منهم تم تقليدهما وسام بطل روسيا، الغواصة كانت داخل المياه الإقليمية الروسية على بحر «بارتس».

والروس كالعادة يتحفظون عن قول كل التفاصيل في هذا الجانب، كونها أسراراً عسكرية وتصنيعية، كما حدث مع الغواصة "كي-141 كورسك" التي غرقت قرب القطب الشمالي في 12 أغسطس 2000م وكان على متنها ما يقارب 20 عسكرياً.

في سوريا قبل أكثر من عامين تعرض رتل عسكري يتبع القوات الروسية للضرب من قبل المقاتلات الأمريكية وحلفائها.

هذا الحذر يأتي في ظل توسع الصراع في الشرق الأوسط من بعد أحداث «الربيع العربي»، والذي فتح الشهية أمام الأقطاب والإمبراطوريات، والمستعمر القديم/ الجديد، لتقاسم جغرافيا منهكة بالصراعات ومثقلة بالموارد.

سوريا.. المتنفس الوحيد

كان لا بد من تعزيز الحضور العسكري الروسي بعدة قواعد، فإلى جانب قاعدة «طرطوس» تم إقامة أربع قواعد أخرى، في كل من «حماة، وطياس، والشعيرات، وحميميم»، كون سوريا المتنفس الوحيد، ومن أجل التعاون مع النظام السوري بشكل مباشر، وضرب مناطق المناهضين بشكل مفرط وعنيف.

في ذات السياق عرف عن الدب الروسي صبره في تتبع فريسته، وحين يصل مبتغاه لا يقتنع بأي فريسة، بل يختار منها الأكثر سمنة وفائدة.

والدب كلمة روسية، يخشاها الروس ويتوجسون من استحضار الجانب المظلم للكلمة أو اسم الحيوان.

فهم يطلقون عليه اسم (ميدفيد MEDVID)، أي عاشق العسل.

لذا يبقى التطلع الدؤوب إلى المناطق الدافئة هدفا روسيا مستمرا، وهذا ما يقلق أقطاب الصراع، ولعل وصولهم إلى «جنوب اليمن» وإقامة أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط حينها وهي «قاعدة العند»؛ يعتبر تجاوزاً خطيراً في نظر القوى العظمى التي خرجت من الحربين العالميتين بعد دفع فاتورة باهظة جداً، وحلفائهم من العرب ممن وقفوا ضد المد الشيوعي كفكر يهدد الدين الإسلامي وبدعم أمريكي.

تحرك حذر

بينما يتحرك الروس بحذر في عمقهم الاسترتيجي، تحسباً لأي طارئ، تتحرك بالمقابل أطراف عدة لفتح معارك تلهيهم عن الشأن الداخلي، والروس يدركون أن الخطر ما زال يحدق حتى بعد أن تهذبت السياسة الأوروبية عموماً، لذا فهم لم ينسوا أبداً ما حدث على مدى الـ 500 عام الماضية، حيث تعرضوا للغزو مرات عدة من الغرب، فقد جاءهم البولنديون عبر سهل أوروبا الشمالي عام 1605، ثم تبعهم السويديون عام 1708، ثم الفرنسيون بقيادة نابليون عام 1812، ثم الألمان مرتين، في الحربين العالميتين الأولى والثانية 1914 و1941.

وقد لعبت المناطق الباردة، والحدود المترامية، جانباً إيجابياً لصالح الروس، ففي حين كانت تقترب الجيوش من موسكو تصبح خطوط الإمداد طويلة جداً، وهذا هو الخطأ الذي ارتكبه نابليون عام 1812 وكررّه هتلر عام 1941م.

لقد خاضت الإمبراطورية السوفييتية الكثير من المعارك، كل ذلك كان وما زال من أجل:

الوصول للمياه الدافئة في البحر المتوسط وغيره من المناطق في أوروبا، وكذلك غسل أقدامها في المحيط الهندي، من خلال اجتياحها لأفغانستان عام 1979م.

ومحاولة حماية عمقها الاستراتيجي من أي غزو؛ في تسابق محموم مع بقية الأقطاب.

ومن ناحية ثالثة السير على قاعدة أحد قاداتها العسكريين "خير وسيلة للدفاع الهجوم".

وقد كلفها ذلك كثيراً، حيث انهارت مرتين مع بداية الحرب العالمية الأولى، وكانت معركتها مع الإمبراطورية العثمانية التي انهارت هي الأخرى، ثم في نهاية الثمانينات وتحديداً في العام 1989م.

تساقط الطائرات.. الجانب المظلم

مساء اليوم السابع عشر من أيلول سبتمبر 2018م، تم إسقاط المقاتلة سخواي على السواحل السورية، وفيها أكثر من 15 عسكريا، واتضح أنه بنيران صديقة، لأن في ذات اللحظة كانت المقاتلات الإسرائيلية تقوم بشن غارات على الأراضي السورية، ووصفت العملية باللا مبالاة والإجرامية وتم تحميل إسرائيل كامل المسؤولية.

روسيا تدرك ذلك تماماً، خاصة وأنها ليست المقاتلة الأولى، ولطالما أن الأمر وصل إلى استهداف حتى الطيران المدني أواخر عام 2015م، وفي منطقة شائكة وحساسة جداً مثل (سينا)، حيث تم إسقاط الطائرة وموت جميع ركابها الذين تجاوزوا ال220.