الدروس القاسية جعلت العمق الاستراتيجي لدى الروس أهم من الأطراف

السياسية - Tuesday 16 July 2019 الساعة 05:52 pm
نيوزيمن، كتب/ محمد عبده الشجاع:

لمتابعة الجزء الاول:

> غياب الدور الروسي في اليمن والشرق الأوسط باستثناء سوريا هروب أم خيار استراتيجي 

حتى اللحظة؛ يبدو أن الدب الروسي لا يتحرك ببطء نحو فريسة سمينة، وإنما من أجل الحفاظ على قطبية سليمة من الهزات والانهيارات التي لا يغفل ولا يغفرها التاريخ أبداً.

فقد تعامل النظام الروسي بعد ثورة أوكرانيا البرتقالية بصورة سريعة، وسيطر على كامل (جزيرة القرم) التي يقطنها غالبية يحملون القومية الروسية.

بالمقابل استمرت الرسائل الديبلوماسية مع أمريكا، والتحذيرات من مواصلة إقامة قواعد صاروخية ومنصات.

كما تم إرسال تحذير شديد اللهجة وصريحة للدانمارك، من مغبة الانضمام لـ"الدرع الصاروخية"، مهددة بأن الصواريخ النووية الروسية، يمكن أن تضربها في حال انضمت إلى منظومة الدفاعات المضادة للصواريخ؛ التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية.

في ذات السياق هناك صراع غير بارد بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية، في كوبا وفنزويلا وبعض دول أمريكا اللاتينية الأخرى، على اعتبار أنها دول اشتراكية، وهو صراع قديم كان ينتهي باتفاقيات بين القطبين، كما حدث في أزمة "الصواريخ الكوبية" أو "أزمة الكاريبي" كما أسماها الاتحاد السوفييتي، وتعرف في كوبا "بـأزمة أكتوبر" 1962م ضمن أحداث الحرب الباردة.

وتعتبر هذه الأزمة أقرب أزمة كادت أن تؤدي لقيام حرب نووية.

إذاً ليس من السهولة بمكان إيقاع أو استدراج الروس إلى معركة مفتوحة مرة أخرى، كالتي حدثت في «أفغانستان» في سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم، أو معاركها مع الإمبراطورية العثمانية، إلا في الضرورة القصوى؛ بدليل تدخلهم في سوريا الذي جاء متأخراً وبطيئاً.

هذا إذا لم يكن من المستحيل، خاصة بعد أحداث مشوقة ومثيرة مرت بها قوى القطبين أمريكا وروسيا خلال العقود المنصرمة.

طائرة أخرى تحطمت أواخر عام 2016م في البحر الأسود، دون معرفة الأسباب الحقيقية، وهي من طراز "تي يو 154"، تحمل على متنها عسكريين وصحفيين و64 من أعضاء فرقة «الكسندروف» للموسيقى العسكرية، كانت في طريقها إلى سوريا، وقد شكلت صدمة للمجتمع الروسي وللدولة.

معارك خارج قواعد الاشتباك

ستظل الرسائل تتوالى حتى وإن مارس الروس دورهم بشفافية مفرطة ومحددة، وليس كما يفعل الأمريكان أحياناً بعنجهية واستعراض عسكري وإعلامي انتهى بعضه إلى تمريغ أنفها بالتراب.

لم يكن ما حدث في الصومال للقوات الامريكية عام 1992م، في عهد الرئيس (محمد فرح عيديد)؛ أمرا طبيعيا وعابرا في الذاكرة الأمريكية والتاريخ الحديث، لقد تم إهانة قوات مدربة على مستوى عال، ناهيك عن السلاح المتطور، والمعدات، وأجهزة الاتصالات، والاستخبارات، والتغطية التي تحظى بها من قبل الأمم المتحدة وقوتها، تحت غطاء حفظ السلام.

لم يكن ذلك درساً للأمريكان وحدهم، بل لكل الدول ذات الأطماع الاستراتيجية التي لا تتوقف ولا تنتهي، وجرس تنبيه إلى تغيير الاستراتيجية، والخطط العسكرية، للخروج بأقل كلفة.

لقد كان الدرس قاسياً، لدرجة أن الصومال منذ ما يقارب ال30 عاماً وهي ترزح تحت النسيان، حيث مرغت مجموعة محدودة جداً من المقاتلين الصوماليين، أنوف وعتاد الجيش الأول في العالم، الذي خرج من حرب استعادة الكويت بمذابح بشعة وفظيعة، تكررت مع سقوط بغداد عام 2003م. تم فيها قتل آلاف العراقيين جنوداً ومدنيين خارج قواعد الاشتباك، وبأسلحة محرمة دولياً.

ففي 22 شباط 1991 لعب المتحدث باسم البيت الأبيض (مارلن فتزووتر) «خدعته» مؤكداً أن قواتهم لن تهاجم القوات «العراقية المنسحبة» وقد فعلوا عكس ذلك تماماً، بعد إعطاء التوجيهات من قبل صدام حسين بالانسحاب من الكويت في 25 شباط 1991م.

تم التكتم حينها، لتكشف التقارير لاحقا والمثبتة بالصور البشعة، والأرض المحروقة، وشهادة بعض الضباط والطيارين الأمريكان والعرب، بأن مذابح فظيعة ارتكبها طيران الحرب الأمريكي، كل ذلك بتواطؤ دولي، كما حملت المعركة من طرف واحد ثأراً توعد به بوش الأب والابن وتم تنفيذه على فترات إلى أن سقطت بغداد في العام 2003م.

انتهى المطاف ببوش الإبن إلى تلقي صفعة بالحذاء في مؤتمر صحفي مع الرئيس العراقي نوري المالكي، من مراسل قناة البغدادية العراقية (منتظر الزيدي)، كان ذلك في 14 ديسمبر 2008م. وقد علق بوش على الحادثة قبل انتهاء رئاسته بقوله:
"كان ذلك أغرب شيء حدث في حياتي".

كل ذلك يعيد إلى الأذهان، قراءات وأحداثاً معقدة وأليمة، وضربات موجعة تلقتها القوى الكبرى كفاتورة لأطماعها التي لا تنتهي، أضف إلى ذلك صناعتها للأحداث التي نتج عنها ضحايا بالملايين، ومهجرين، وتغير ديموجرافي، وانهيار العديد من الكيانات والأنظمة، لم تسلم من هذه الصراعات حتى الآثار التاريخية والحضارية؛ والتي كانت وما زالت هدفاً رئيساً في الصراعات.

لن ينسى الاتحاد السوفييتي ذلك التشظي المخيف لمساحات جغرافية شاسعة مع نهاية الثمانينات، والانهيار الصادم في التعليم والاقتصاد، والذي كان خاتمة مؤلمة للنظام والفكر الاشتراكي الشيوعي.

ولعل الكثير من جيل السبعينات والثمانينات والتسعينات، يعرف تفاصيل وخبايا ما حدث للروس، وما تسبب لهم الفكر الشيوعي؛ الذي ظل لعنة تطاردهم حتى بعد تلاشيه، بصفته العدو الأول للإسلام من ناحية وللسوق المفتوحة من ناحية أخرى، وهو في حقيقة الأمر وإن لم يكن ناجعاً، أعني النظام الاشتراكي؛ فانه يُعد العقبة التي كان لا بد وأن تزاح من طريق الرأسمالية العالمية.

...يتبع