الدروس القاسية جعلت العمق الاستراتيجي لدى الروس أهم من الأطراف (3-3)

السياسية - Friday 19 July 2019 الساعة 06:37 pm
نيوزيمن، كتب/ محمد عبده الشجاع:

الجزء الاول 

غياب الدور الروسي في اليمن والشرق الأوسط باستثناء سوريا هروب أم خيار استراتيجي 

الجزء الثاني

الدروس القاسية جعلت العمق الاستراتيجي لدى الروس أهم من الأطراف

من يعتقد أن الروس نادمون أو أبدوا ندماً حقيقياً في عدم إيقاف سقوط بعض الأنظمة «العربية العتيقة» وزعاماتها، أمثال الراحل (صدام حسين)، ومن بعده (معمر القذافي)؛ النظام الذي كان على علاقة وطيدة مع الروس، دوناً عن بقية دول المغرب العربي، والتي تعد مناطق بعيدة كل البعد عن الأطماع الروسية، لأنها سوف تصطدم مباشرة بأوروبا الاستعمارية، أضف إلى ذلك الرئيس اليمني السابق (علي عبدالله صالح)، فهو لم يقرأ تاريخ المعارك المباشرة، التي حدثت بين قطبي العالم أمريكا وروسيا من جهة، وبينهما وأفغانستان وفيتنام والصومال والعراق من جهة أخرى، ولا يدرك حقيقة أبعاد «اغتيال» السفير الروسي في أنقرة "أندريه كالروف" في ديسمبر 2016م، وعلى الهواء مباشرة من قبل شرطي تركي سابق.

أضف إلى ذلك، اكتفاء الخارجية أو الحكومة الروسية بسحب سفيرها وكل معداتها من اليمن ولأول مرة منذ عقود، وترك صنعاء وحيدة يتناجى فيها فصيل واحد مع أحلامه وطموحاته الميتة منذ المهد.

كما أن للتحالفات الجديدة وتغير موازين القوى والتخوفات وحضورها الذي يفرض إيقاعاً سياسياً واستراتيجياً جديداً؛ دوراً بارزاً في هذا الغياب.

كل ذلك يعيد إلى الأذهان التحالف الذي كان في عام 1949، حيث تم تأسيس حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي يضم دول أوروبا وأمريكا الشمالية، للدفاع عن القارة الأوروبية وشمال الأطلسي من خطر أي عدوان سوفييتي، ورداً على تلك الخطوة، أسست الدول الشيوعية في أوروبا تحت القيادة السوفييتية حلف (وارسو) عام 1955، وهي معاهدة للدفاع العسكري والعون المشترك.

وقد كان يراد لهذه المعاهدة أن تكون صلبة، لكن مع حلول الثمانينات، بدأت تتآكل وانهارت بعد سقوط جدار (برلين) عام 1989م.

لقد اكتفى الروس بعد مقتل الرئيس اليمني السابق (علي عبدالله صالح) بتصريح يتيم أقرب "للحسرة من التوبيخ"، هذا في ظاهر الأمر، وهذا يدل على أن قدراتهم في المناطق الدافئة لم تصل بعد إلى مرحلة الصدام وغسل الأقدام بالمياه، فقد خاطبوا جماعة الحوثي بالقول:
"نحن أرسلنا طاقماً طبياً لمعالجته وأنتم قتلتموه.. يا لكم من أغبياء".

وهذا لا يعني عدم قدرتهم على حماية صالح قبل ذلك أو مواجهة الحوثي؟ لا. إنما المآلات والتبعات التي ستفتح عليهم أبواباً شتى حيث وإن المتربصين كثر، والحفاظ على أمنهم القومي الذي هو من الأولويات، والتفرغ لعقد اتفاقات اقتصادية وصفقات سلاح، وإنهاء الأزمات مع بعض الجيران كما حدث مع الشيشان، التي أريد لها أن تظل شوكة في حلوق الروس، وبقعة غير مستقرة بسبب هويتها الدينية، لكن بوتن بحضوره الشخصي، استطاع إنهاء هذه المعضلة وحلها كما فعل مع أمور عديدة متعلقة بالأمن القومي الروسي، وانتشال الدب من الفخ الكبير الذي وقع فيه.

تغيير أدوات المواجهة

لقد تلقت أمريكا في حرب فيتنام هزيمة ساحقة وإن تأخرت بعض الوقت، على عكس ما حدث لها في جمهورية الصومال مطلع التسعينات.

كل ذلك إجمالاً شكل مخاوف حقيقية، دفعت بالقطبين إلى تغيير أدوات أو تعزيزها بخطط واستراتيجيات أقل كلفة من الناحية البشرية؛ التي تهز أو تلامس كرامة المواطن الغربي والمؤسسات الرسمية والمستقلة.

لا تستطيع روسيا الآن ولا غداً خوض معارك مباشرة، كما فعلت أمريكا؛ إلا للدفاع عن سيادتها، باستثناء ما يحدث اليوم في سوريا وهي حرب محدودة جداً، لأن من قام بالدور الأبرز هي إيران، إلى جانب ذراعها الأول والأقوى في المنطقة "حزب الله"، والذي ضحى بالكثير من السلاح والقوى البشرية تحديداً ولأول مرة منذ نشأته، أو على أقل تقدير منذ استقلاله عن حركة (أمل) منتصف الثمانينات.

وقد لعب نفط الخليج وغازها في حرب سوريا دوراً بارزاً، من ضمنه استدراج (حزب الله) لاختبار قوته وإضعافه في نفس الوقت، فإلى جانب المقاتلين الذين بلغ عددهم 5000 مقاتل من المملكة العربية السعودية لوحدها، كان النفط وعائداته حاضرين في المعركة وبقوة.

مستقبل مخيف

هناك ما يشبه لعبة الشطرنج في الصراع الدائر، فخلال الخمس سنوات الأخيرة، على الأقل، تخلقت خرائط جيو سياسية لم تكن متوقعة، من طهران إلى موسكو إلى الدوحة إلى مسقط وحتى أنقرة ثم الخرطوم، ومن القاهرة إلى أبو ظبي إلى الرياض ثم نواكشوط حتى عواصم في قلب إفريقيا، ناهيك عما حدث في اليمن من فقدان «البوصلة» وتشظي الإجماع.

حتى الكيان الصهيوني دخل أرضية اللعبة بأدوات ظاهرة وأخرى خفية، وبدا أن التطبيع الصريح جزء مفصلي في الشرق الأوسط القادم.

في هذا الإطار ظهرت تقارير مخيفة، حول اليمن والشرق الأوسط الجديد، تتحدث عن ملامح حدود سياسية وكيانات ستولد من العدم.

ففي اليمن، مثلاً، ذكر تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة انتهاء «الدولة»، حيث نقل موقع «القدس العربي» قبل فترة تقريراً كشفت فيه لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة الخاصة باليمن، أن مرحلة الدولة في اليمن انتهت وبدأت مرحلة المجموعات المسلحة؛ «العاجزة» عن الحسم العسكري واستعادة الدولة وتوحيد اليمن.

بالمقابل وتحت عنوان «لمن يريد الحقيقة» يتحدث المستشار الدكتور (سفيان التل) عن مخطط جديد لإيقاع الأردن في فخ صراع داخلي، يتابع حديثه بشكل مخيف عن ما تنتظره مصر ودول الخليج؛ في حال تماهت مع الضغوطات والمخططات الغربية والأمريكية، مؤكداً أن ذلك يصب في صالح الدولة الإسرائيلية المستقلة جغرافيا وسياسيا، بل إنه سيكون لها طموحات للعودة إلى الجذور التاريخية، من خلال المناطق التي كانت وطنا لليهود، والأخطر من ذلك سيتم تهجير وايواء الفلسطينيين في مناطق يعرفها الغرب تماماً، خاصة وأن هناك مساحات واسعة يتطلب ملؤها من وجهة نظرهم.

نستطيع الجزم أن ما أدلى به التل ليس بالأمر اليسير، لكن ثمة معطيات مخيفة تظهر بين حين وآخر، تقودنا إلى الكثير من التكهنات والاستنتاجات.

لذا كان وما زال دور الروس في اليمن والشرق الأوسط مرتبطاً بكل هذه الخيوط والمعطيات، ولا يمكن له تجاوزها إلا إذا أراد «الانتحار» في الوقت الراهن؛ وهو ما لن يكون أبداً في ظل وجود "لافروف" وزيراً للخارجية الروسية، كأكثر وزير خارجية تحرك دبلوماسيا خلال السنوات الأخيرة، وفي وقت هم بحاجة إلى كل ورقة لحماية الأمن الداخلي، وإيقاف تمدد الأمريكان في أوروبا، ومواجهة التهديدات الإرهابية.

لقد استعاد الروس أنفاسهم بفضل القيادة الجديدة، بعد أن كانوا على وشك اللا عودة، وهي معجزة بالنسبة لامبراطورية كهذه، فهناك دول تشظت ولم تستطع العودة بعد.

*مرجع محدود.
القبس الدولي المياه الدافئة.. كعب آخيل روسيا محرر القبس الإلكتروني 13 يناير2017م.