من مأرب إلى تعز.. حسابات «الإخوان» تحوّل خسائر الحوثي لـ«مشكلة»

السياسية - Sunday 21 July 2019 الساعة 10:13 pm
عدن، نيوزيمن، سياف الغرباني:

قدم حزب الإصلاح الإسلامي، الفرع المحلي لتنظيم الإخوان في اليمن، أنموذجاً مخيفاً، في المناطق التي وضع يده عليها، عقب طرد مسلحي جماعة الحوثيين المدعومة من إيران، وإنهاء سيطرتها عليها.

وبرزت ملامح مشروع "الإخوان" السلطوي المخيف، في مدينة مأرب، شرقي صنعاء، ولاحقاً في مدينة تعز، وسط البلاد، بعدما حول التنظيم هاتين المنطقتين، إلى إقطاعيتين مغلقتين لمراس غواية الاستبداد المفتوح على تهويمات أيديولوجية فاشية تؤمن بعمق بحق الجماعة في الحكم.

على أن النزعة العدائية لدى تجمع الإصلاح، وعلاقته السيئة بمبدأ التعايش مع التيارات الأخرى، حولت عملية استعادة الدولة والجغرافيا، من مخلب إيران في اليمن، إلى مشكلة بحد ذاتها، ودفعت بكثير من اليمنيين، إلى التساؤل عن جدوى إزاحة فاشية دينة من على كاهلهم، وإحلال فاشية أخرى؟

مع الإشارة هنا، إلى أن هذه لم تعد مجرد مخاوف تفتقر للحيثيات الموضوعية، بقدر ما صارت واقعاً جديداً يصعب فيه على السكان التمييز بين حقبة الحوثيين بالغة السوء والفداحة، في مدينة كتعز، وعهد "الإخوان"، أو سلطة الأمر الواقع بعد التحرير.

ولإن كان تجمع الإصلاح الإسلامي، يواظب بانتظام على إرسال إيحاءات من وقت لآخر، لجهة وجود اختلاف بنيوي في فكر وسلوك التنظيم، مقارنة مع جماعة الحوثيين، فإن سلوكه التسلطي، على الواقع، يضعه في برواز صورة واحدة مع الأخيرة.

ولعل إجراء مراجعة سريعة للأحداث البارزة في مأرب وتعز، من اللحظات التالية لإمساك الإخوان بمقاليد السلطة، في المدينتين، باسم "الشرعية اليمنية"، كفيل بضبط جماعة "الإخوان" متلبسة ببناء إقطاعية عسكرية وأمنية واقتصادية وإدارية خاصة، بالاستفادة من "ديكور الشرعية" التي يمسكون بعنقها ومفاصلها.

وفي الوقت الذي كانت تعمل فيه قوات التحالف العربي، في اليمن، على استعادة الدولة المختطفة بيد جماعة الحوثيين، المدعومة من إيران، كان حزب الإصلاح يشن حرباً خفية لتطويع المؤسسة العسكرية وابتلاعها، لتكون تحت قبضته بشكل كامل.

ومنذ عمليات التحرير التي انطلقت من مأرب ثم عدن وباقي المحافظات سعى "الإصلاح" إلى ابتلاع الدعم المالي والعسكري المقدم لعملية استعادة اليمن من الحوثيين، متجاهلاً هدف التحالف في إنهاء التمرد وضمان عملية سياسية تضمن مشاركة جميع الأطراف في إدارة اليمن.

ولم تكن مدينة مأرب، يوماً ما مركزاً عسكريا أو إدارياً ولا حتى مالياً لحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، المعترف بها دولياً، فمنذ الوهلة الأولى اتجه تجمع الإصلاح إلى بناء دويلة خاصة للتنظيم السري، على أنقاض الدولة اليمنية.

في المقابل، عمد التنظيم إلى مراس القمع الشنيع، تحت عباءة أجهزة الأمن، ضد رجال القبائل المخالفين لتوجهاته، وقد تبدى ذلك في خضم الهجمة العسكرية التي قادتها سلطات مأرب الموالية خلال شهر على منطقة "المنين"، وسط انتهاكات إنسانية جسيمة راح ضحيتها العشرات من المدنيين، إلى جانب عمليات حرق وجرف طالت عديد مزارع ومنازل في المنطقة.

ويبدو أن حزب الإصلاح لم يفلح في الخروج الشكلي من عباءة المحفل الإخواني وعن ديدن التلون والانتهازية وتحيُّن الفرص، خاصة بعد امتطاء موجة يدفعها مجداف التحالف العربي، وتحويل فعل استعادة مدينة تعز من المعطف الحوثي، إلى مكسب خاص بالجهاز السري.

وعند هذه النقطة تحديداً، اتجهت الجماعة المنفتحة على إملاءات الراعي الأيديولوجي، إلى اللعب على الذاكرة القصيرة للناس؛ سعياً فقط لمصالحها الأنانية، ومن دون الالتفات لحاجة آلاف السكان الذين عانوا من القتل والتجويع والتعذيب والخطف على يد مليشيا الحوثي الموالية لإيران.

تعز.. إقطاعة مغلقة

ولاحقاً تحولت مدينة تعز إلى ما يشبه إقطاعية مقفلة لتنظيم الإخوان المسلمين، التي يحكمها تحت مظلة الشرعية، ويتحكم بمصيرها مستغلاً نفوذه العسكري الذي تشكل خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بالرغم من تدني دوره العسكري في عملية التحرير، قياساً بالدور المحوري لقوات اللواء 35 مدرع، وهو التشكيل النظامي الوحيد، الذي حاول "الإخوان" في غير مرة خوض معركة ضده.

وفي خضم المعارك التي خاضتها قوات اللواء 35 مدرع وتشكيلات من المقاومة المحلية بدعم من التحالف العربي، ضد المسلحين الحوثيين، في تعز، كان "الإصلاح" ينفذ مخططاً آخرَ على الأرض للاستيلاء على المدينة وتحويلها إلى ما يشبه إمارة إخوانية.

وتحت غطاء "الشرعية"، نفذ "الإخوان" حملة عسكرية استهدفت كتائب العقيد عبده فارع (أبو العباس) تحت ادعاء "البحث عن المطلوبين أمنياً"، وهو ما جعل المحافظ نبيل شمسان، يصدر مذكرات رسمية أعلن فيها أن تلك الحملة لم تكن بتوجيهات منه وتحمل أهدافاً مشبوهة.

وخلافاً لباقي المحافظات المحررة، عيّن الرئيس عبدربه منصور هادي 3 محافظين لتعز في غضون ثلاث سنوات فقط؛ حيث يلجأ الإخوان إلى سياسة الترهيب معهم تارة، والضغط على الحكومة لتغييرهم تارة أخرى، عندما لا يقوم أحدهم بتنفيذ أجندة التنظيم داخل المحافظة التي تُعرف بـ"قلب اليمن" وعاصمتها الثقافية.

ولم يكتفِ تجمع الإصلاح بتطويع وأخونة المؤسسة العسكرية فحسب، بل اتجه لتقمص دور الحوثيين، ببناء السجون السرية لاحتجاز عشرات المعتقلين والمختفين قسرياً من المناهضين له، وقد كشفت مؤخراً توجيهات للنائب العام عن جانب من الملف الأسود للمعتقلات السرية التي تديرها جماعة الإخوان بالمدينة.

وبحسب تقرير حقوقي للجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن (جهة حكومية)؛ فإن 16 سجناً سرياً تدار من قبل جماعات لم تسمِّها، إلا أن الوثائق الرسمية تثبت أن حزب الإصلاح يملك حصة الأسد من هذه السجون غير الخاضعة للقانون