ملزَمة الرؤية الحوثية.. اختطاف ناعم للدولة وقطرَنة عصريّة حديثة (2)

السياسية - Monday 09 September 2019 الساعة 11:05 pm
صنعاء، نيوزيمن، مهدي العمراني:

لم تكتفِ ملزمة الحوثي لبناء ما تسميها الدولة المدنية الحديثة، بنسف المبادئ الدستورية للجمهورية اليمنية وحقوق الإنسان، ومحاولة اختطاف الدولة ومصادرة وظائفها، وتدمير هيكلها التنظيمي وبنيتها الإدارية المتراكمة لنحو 50 سنة ماضية، فقد جاءت الرؤية التخديرية في مجملها متناقضة مع بعضها البعض، منقلبةً على البرنامج الحكومي لسلطات المليشيا ذاتها، ومتصادمةً مع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.

> ملزَمة الرؤية الحوثية.. اختطاف ناعم للدولة وقطرَنة عصريّة حديثة (1)

وللتّدليل على ذلك يمكن الوقوف على تعهّد حكومة ابن حبتور، الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي، تعهّدها في شأن الإصلاح الإداري والمؤسسي بـ"التسريع في تنفيذ الإصلاحات المؤسسية والتشريعية والهيكلية لمؤسسات ووحدات الدولة، بما يُمكّن من التّخلص من أية مؤسسات أو وحدات غير مجدية أو مبررة في ظل نظام السوق الاقتصادي، عملاً بمخرجات الحوار الوطني"، وهو ما يتناقض كُليّاً مع الرؤية الحوثية التي جاءت في جوهرها العام متّجهة لإنشاء واستحداث هيئات ومكاتب وإدارات جديدة داخل وخارج الوزارات والمؤسسات الحكومية تحت مسمّيات ما أنزل الله بها من سلطان، هذا غير بقاء سلطات واختصاصات من يسمون بـ"المشرفين" مستحوذة على معظم الاختصاصات والصلاحيات بما في ذلك صلاحيات الوزراء ومديري العموم وحتى سلطات حراسات البوابات في مختلف مرافق ومؤسسات الدولة..

الوحدات الإدارية والمجالس المحلية في المحافظات والمديريات، صادرت مليشيات الحوثي وظائفها واختصاصاتها بتعيين مشرفين لها على مستوى المحافظة والمديرية، معطّلة بذلك وظيفة هذه الجهات باعتبارها- وفقا للمادة (147) من دستور الجمهورية اليمنية- "جزءًا لا يتجزأ من سلطة الدولـة"، مثلما خطف مشرفو المليشيا الحوثية في الوزارات، وظيفة الوزير ذاته، والذي بموجب المادة الدستورية (144) يتولّى كلّ وزير "الإشراف على شئون وزارته وتوجيه إدارتها وفروعها في جميع أنحاء الجمهورية، ويقوم بتنفيذ السياسة العامة للحكومة في وزارته"..

مجازر جماعية بحق موظفي الدولة

لقد تعهّدت مليشيا الحوثي في برنامج حكومتها (الافتراضي) بـ"الوقف النهائي للتوظيف الجديد والتوظيف بالبدل عن متقاعدين أو مفصولين أو منقطعين تحت أي مبرر تنفيذاً للقانون"، غير أنّ الواقع العملي يشير بوضوح إلى ارتكاب مليشيا الحوثي مجازر بشرية بحق موظفي الدولة في مختلف القطاعات، حيث قامت بإقصاء وفصل ومصادرة حقوق مئات الآلاف من الموظفين الواقعين في مناطق سيطرتها.

فخلال 4 أعوام ماضية منذ انقلابها على الدولة في سبتمبر 2014م، قامت مليشيا الحوثي باستبعاد آلاف الموظفين في قطاعي التعليم والصحة وإحلال عناصر موالية لها محلّهم، بل إنّها قامت في جديد تلك العمليات بإلغاء أجهزة حكومية برمّتها وتسريح موظفيها، وما إعلانها دمج جهازي الأمن القومي والأمن السياسي، بعد إقصاء ومضايقة وتسريح موظفي الجهازين، إلاّ خير شاهد على حجم الكوارث التي ترتكبها مليشيا الحوثي بحقوق الإنسان في اليمن، ونسفها لمواد قوانين الوظيفة العامة والخدمة المدنية، ودلالة قريبة على مستوى وفظاعة وهول المفارقة، بينما تقوله عباراتها التخديرية في مسمى "وثيقة بناء الدولة"، وبينما تطبّقه عملياً على أرض الواقع..

مصادرة مهام السلطات المحلية وأجهزة الرقابة

لقد حاول برنامج حكومة ابن حبتور، استعادة وظيفة السلطة المحلية من أيدي مشرفي مليشيا الحوثي بأسلوب مؤدّب، والتّذكير بمهام الإشراف والرقابة للأجهزة الحكومية المركزية (الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة على سبيل المثال)، وذلك حينما تعهّد بـ"تعزيز اللامركزية الإدارية والمالية، وتمكين أجهزة السلطة المحلية من القيام بمهامها وواجباتها وممارسة صلاحياتها واختصاصاتها وفقاً لأحكام قانون السلطة المحلية واللوائح المنفذة له، مع الحرص على قيام الأجهزة المركزية بمهامها الإشرافية والرقابية على الوجه الأكمل".

وبعد مرور قرابة 4 سنوات على إقرار هذا البرنامج ما تزال مهام وصلاحيات واختصاصات أجهزة السلطة المحلية حبيسةً في جيب مشرف المليشيا الحوثية، بل إنّ اختصاصات الإشراف والرقابة للأجهزة المركزية لحقت هي الأخرى بمصير مهام السلطات المحلية، وذلك باختطافها النّاعم تحت مسمّى "تشكيل وحدات تنفيذية لإدارة وتنفيذ، والتخطيط للتنفيذ، وشرح التنفيذ، وتقييم التنفيذ"، ومن ثم الاشراف والرقابة على التنفيذ..

في مادته رقم (28) ينص دستور الجمهورية اليمنية، على أنّ "الخدمة العامة تكليف وشرف للقائمين بها، ويستهدف الموظفون القائمون بها في أدائهم لأعمالهم المصلحة العامة وخدمة الشعب ويحـدد القانون شروط الخدمـة العامة وحقوق وواجبات القائميـن بها"، وتزعم رؤية الحوثي لبناء الدولة أنها متّسقة مع القوانين والدستور، غير أنّ إلقاء نظرة خاطفة على أسماء بعض قيادات الصّف الحكومي الأول والثاني في زمن مليشيا الحوثي، يكشف بوضوح أنّ الخدمة العامة في زمن الحوثي باتت واجبا عائليا وارتباطا سُلاليا، وأن الموظفين القائمين بالخدمة العامة يستهدفون مصلحة العائلة وخدمة الجماعة، وليس سراً في شروط الخدمة العامة في دستور مليشيا الحوثي إن ذكّرنا بحديث عبده الجندي (فيديو) لعدد من مديري المديريات في محافظة تعز حينما أكد أن معيار بقائهم في الوظيفة مرهون بمقدرتهم على حشد الشباب والدفع بهم للقتال في الجبهات وقوداً لمعارك الحوثي، وديمومة سلطته.

القرابة وخدمة الجماعة معيار الوظيفة العامة

ويمكن في هذا السياق اختتام هذه الحلقة، بقصة تعيين مليشيا الحوثي عميدا لكلية الآداب بجامعة صنعاء، كشاهد حديث على مزاعم الرؤية الحوثية لبناء الدولة المزعومة في ملزمة القطرنة العصرية.

فتحت عنوان "كيف يدمّر الحوثيون جامعة صنعاء؟"، يستعرض الكاتب الصحافي محمد عايش، حيثيات تعيين عبد الملك عيسى شرف الدين (30 عاماً)، عميداً لكلية الآداب بجامعة صنعاء، قائلاً: "عينوه عميداً لكلية الآداب، في مخالفة فجّة لكل الأعراف الأكاديمية في العالم الأول والثاني والثالث والعاشر"، مشيراً في هذا السياق إلى أنّ الشاب الذي حصل على الدكتوراه مؤخراً لم يكن يوماً من كادر الجامعة، كما لم يكن له أي إسهام أدبي أو معرفي (ومن معرفتي الشخصية به لن يكون له إسهام إلى يوم القيامة) حتى يتم تعيينه عميداً ولكلية الآداب، مضيفاً "لكنه من آل شرف الدين، وذلك يكفي لمنحه جامعة صنعاء وليس فقط كلية الآداب..!!".

ويعلّق الكاتب الصحفي محمد عايش على ذلك في صفتحه بموقع فيس بوك قائلا: "الحوثيون يدمرون جامعة صنعاء، ويدمرون التقاليد الأكاديمية العريقة التي حاولت هذه الجامعة أن تنتمي إليها منذ تأسيسها، تماماً كما دمروا كل تقاليد الدولة منذ استيلائهم على الدولة".

وأضاف: "الشاب الطيب عبد الملك شرف الدين، قضى العشر السنوات الأخيرة من حياته، مفسبكاً يشتم كل من ينتقد (أنصار الله)، لكن هذا ليس إنجازه الأهم حتى يُمنح عمادة كلية الآداب، إنجازه الأهم، إضافةً لكونه من آل شرف الدين، فإنه شقيق زوج شقيقة الراحل حسين الحوثي، رحمه الله... أيش عادكم تشتوا؟!!!".

...(يتبع)