في مأرب.. يستقوي الإصلاح ويضعف العرادة ولا يزال الأشراف ملاحَقين ومحاصَرين حتى اليوم

السياسية - Saturday 14 September 2019 الساعة 03:12 pm
مأرب، نيوزيمن، محمد فؤاد:

بالتزامن مع حديث متقطع عن تسوية سياسية مرتقبة لإيقاف الحرب وتنظيم انتخابات، تتزايد وتيرة العنف، وتمارس جماعات مسلحة متطرفة ما يبدو أنها أعمال تطهير عرقي وسياسي في مناطق سيطرتها ضد خصومها السياسيين وحتى حلفائها، و"أصبحت أطراف الحرب متشابهة لدرجة مخيفة" حسب ما نشرته DW مؤخراً عن الوضع في اليمن.

تصفية "ضاوي" في مأرب.. رسالة إخوانية بالخط الفارسي للمخابرات السعودية

في التاسع من يوليو الفائت أصدرت محكمة في صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون، حكماً بالإعدام ضد 30 شخصاً كلهم سياسيون وأكاديميون وصحفيون، وقد حكمت عليهم باعتبارهم "عملاء للعدوان". كل شخص وكل شيء لا يعجب الحوثيين هو متهم بمساندة "العدوان". حتى بائع الخضار الذي لا يروقهم سعر بضاعته. وقبل الحكم بالإعدام ضد ثلاثين شخصاً، أعدم الحوثيون في عمران وإب وسنحان وحجة عشرات من شيوخ القبائل وقيادات كانوا معهم ثاروا ضد ممارسات الجماعة العنصرية والفئوية وفسادها.

منذ انفرد الحوثيون بصنعاء وهم يواصلون مطاردة مخالفيها المنتمين لحزب المؤتمر الشعبي العام والاستيلاء على أملاكهم وشركاتهم. وتقوم بالمثل ضد أتباع حزب التجمع اليمني للإصلاح.

حذَّر من خطورة بقاء «هادي» في رئاسة اليمن.. معهد واشنطن: مأرب معقل محمي ل«القاعدة»

قبل أيام من صدور الحكم الحوثي في صنعاء، كان حزب الإصلاح الذي يسيطر على قوات الجيش والأمن في مأرب ينفذ حملة عسكرية استخدمت الدبابات والمدرعات ومسلحين متطرفين ضد قبيلة الأشراف في منطقة (المنين) في مأرب ضمن مساعي الحزب إلى تعزيز نفوذه وإخلاء المحافظة من خصومه الذين يتهمهم دوما بالتعاون مع الحوثي في صنعاء. أي شخص وأي رأي وأي شيء لا يروق للإصلاح هو منتم للحوثي حتى لو كان مجرد منشور على شبكات التواصل الاجتماعي.

ما ارتكبه الإصلاح في مأرب ارتكبه قبلها في محافظة تعز مراراً وتكراراً منذ يونيو 2019 وحتى الآن، لكن الأسوأ فيما حدث مؤخراً في مأرب هو استناد التهمة الموجهة إلى قبيلة الأشراف إلى عنصر طائفي وعرقي.

مشاهد مروعة في مأرب

الإفراط في العنف واستخدام المدرعات والدبابات حتى لو كان من أجل ملاحقة مطلوبين أمنياً لا يتسق مع ادعاء القيام بدور الحكومة المفترض أنها ملتزمة بتطبيق القانون على الجميع ومقيدة بإجراءات معينة. وقد تورط الحزب عبر وسائل إعلامه وناشطيه في شن حملة إعلامية رافقت الحملة الأمنية تبنت خطاباً طائفياً قذراً، وتضمن محتوى أول فيديو نشره أحد الجنود عن العملية في المنين كلاماً يبيح حق المختلف لأسباب عرقية.

مواجهات مأرب تتسع.. مسلحو ”الأشراف“ يقتربون من ”الجفينة“ وقوة كبيرة تغلق مدخل المدينة

المشاهد الأولى كانت مروعة، وكان الجندي الذي قام بتصوير الفيديو يتباهى بتدمير وحرق ممتلكات خاصة بينها سيارات مواطنين وبئر ارتوازية ومزارع. ويرى بأن انتماء أفراد القبيلة إلى عائلات هاشمية هو أمر كافٍ ليحصلوا على هذا العقاب.

يمكن للبعض تبرير استخدام مدرعات وأعداد كبيرة من الجنود واعتباره أمراً معقولاً بما أن رجال القبائل في اليمن مسلحون عادة، لكن بالتأكيد لا شيء يبرر استخدام دبابات الجيش، ولا مقاتلين متطرفين يتبعون جماعات دينية. ولا شيء يمكنه أيضاً تبرير الاعتداء على الأملاك والمنازل وإحراقها.

صديق من مأرب اتصل بي وقال: "فعلاً، ما حدث أمر محزن، والأشراف هذه المرة تعرضوا للظلم". ورغم تأييده المطلق للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً إلا أن ما حدث هذه المرة حسب رأيه كان واضحاً ولا يقبل المواربة، وقال: "يريدون أخذ أملاك الأشراف بالقوة".

حصلت على صور لمواشٍ تم إحراقها حية، وقال شهود عيان بأن "مقاتلين بزي مدني يتبعون حزب الإصلاح شاركوا في الحملة وأنهم قاموا بصب الوقود بمشاركة الجنود على حظائر المواشي والمزارع وقاموا بإحراقها، كما نهبوا المنازل التي وصلوا إليها".

قضيت وقتاً غير قليل في مأرب، وأعرف، على الأقل، بأن مأرب منقسمة تماماً بين حزب المؤتمر وحزب الإصلاح، ذي المرجعية الدينية. وينتمي معظم أبناء قبيلة الأشراف في مأرب إلى حزب المؤتمر الشعبي العام، لهذا كان عدد كبير منهم موظفين ويتولون مناصب إدارية مختلفة في جهاز الدولة في محافظة مأرب قبل أن يتم استبعادهم بشكل غير قانوني مؤخراً ضمن مساعي حزب الإصلاح إزاحة منافسه السابق المؤتمر من المشهد تماماً.

وينشط الأشراف في مأرب في الزراعة والتجارة وغيرها من الأعمال التي كان يأنفها بقية أبناء قبائل مأرب. وتنسب عائلات الأشراف إلى الهاشميين، وقد واجهت قبيلة الأشراف "عملية تنكيل سابقة" وتعرضت مناطقهم للحرق والتدمير في 2016 بعد سيطرة القوات الحكومية المدعومة من السعودية على مناطقهم وهزيمة قوات الحوثيين التي كانت تسيطر هناك، حسب أحد شيوخ القبيلة.

ورغم التزام القبيلة عدم مناصرتهم للحوثي حسب تأكيد عدد من قياداتها وإعلانهم عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي مناصرتهم الدولة اليمنية والقانون، إلا أنهم يتعرضون "للمطاردة والحصار" وتوجه لهم تهم الخيانة ومناصرة مليشيا الحوثي بسبب أسماء عائلاتهم، ووجهت هذه التهم لهم عبر وسائل إعلام حكومية ووسائل إعلام تتبع حزب الإصلاح خلال يوليو وأغسطس الماضيين.

رجل تجاوز عقده الخامس من قبيلة الأشراف (طلب عدم الكشف عن هويته) وسنرمز له بـ(ب، س) قال: "اعتبرنا ما حدث في 2016 جزءاً من الحرب بين الطرفين (الحوثي والقوات الحكومية التي يسيطر عليها في مأرب حزب الأصلاح)، لكن تكراره الآن لا مبرر له، نحن يمنيون، وهذه مناطقنا ومنازلنا ومزارعنا، نحن نلتزم بالقانون ونقبل بتواجد الدولة والاحتكام إلى مؤسسات دولة وليس إلى شخاص غير ذي صفة قانونية، ما يحدث هو عملية تهجير لصالح قوى أخرى تريد السيطرة على كل شيء ولا تعترف بمؤسسات الدولة وأدواتها".

حسب روايته، فقد لجأوا إلى مؤسسات الدولة ومحافظ المحافظة للتدخل مع شخصيات "تستغل موقعها في مؤسسات الأمن"، حسب تعبيره.. لكن مؤسسات الدولة أحالتهم مراراً إلى قيادات حزب الإصلاح وإلى خصومهم، وقال: "يرسلونا إلى أشخاص ليسوا ذوي صفة قانونية ولا حتى لهم أسماء، يقولون لنا اذهب إلى أبو فلان". وهو تماماً ما يحدث في صنعاء وعدن وتعز ومعظم المدن اليمنية من قبل كل الأطراف.

سلطات مأرب الأمنية قالت لاحقاً إن الحملة استهدفت ثلاث مطلوبين أمنيا قاموا بقتل جنديين مطلع يوليو، لكن وسائل إعلام تابعة لحزب الإصلاح نشرت تقارير تصف فيها قبيلة الأشراف كلها بالحوثيين، وتناول ناشطون وصحفيون موالون للإصلاح نفس التهم التي تستند إلى أساس طائفي وعرقي.

وقد سألت (ب، س) عما إذا كانوا يساندون الحوثي فعلا؟ كنت أشعر بالحرج كون مجرد توجيه السؤال لهم لا يخلو من إشارة إلى عائلتهم، ورد الرجل المسن ولحيته البيضاء الكثة تبدو أكثر بياضا على وجهه الأسمر: "في كل منزل يمني وكل أسرة تجد أحدهم يؤيد هذا الطرف وآخر يؤيد ذلك، لكن هذا ليس المعيار".

بالنسبة له "لا يمكن أن يكون هذا المعيار ملائما في اليمن، المعيار هو مدى الالتزام بالنظام والقانون واحترام مؤسسات الدولة والقبول بالآخر، ونحن غالبيتنا ننتمي للمؤتمر الشعبي العام، وأعلنا مراراً بأننا أبناء الدولة ونلتزم وسنلتزم بالقانون ونحتكم لمؤسسات الدولة أياً كان مالكها".

ويتملك الأشراف معظم الأراضي في مدينة مأرب ومدينة مأرب القديمة (التاريخية) ومحيطها، وهذا ما يجعل أرضيهم وأملاكهم مهمة. في عرف القبائل هناك تملك كل قبيلة الأرض التي تقع ضمن نطاقها الجغرافي. وتنقسم هذه الأرض إلى نوعين، أرض مملوكة وهي التي ترجع ملكيتها وصكوكها إلى أشخاص محددين من أبناء القبيلة أو التي يقرر أبناء القبيلة استصلاحها، والنوع الآخر غير المملوك أو غير مستصلحة، وتسمى "مشاع" وتعود ملكيتها لكل أفراد القبيلة، ولا يحق لأي منهم التصرف ببيعها بشكل منفرد إلا بالعودة إلى أفراد القبيلة.

جزء من الصراع له علاقة وطيدة بأملاك قبيلة الأشراف حسب ما تناقلته بعض وسائل الإعلام اليمنية والعربية، وأيضا شخصيات قبلية تحدثت إليهم قالوا بأن الصراع بدأ من أجل أراضي وأملاك قبيلة الأشراف، وحسب روايات متواترة، فإن نائب مدير أمن محافظة مأرب المقدم ناجي مبخوت بن عبود، وهو نجل رئيس حزب الإصلاح في مأرب الشيخ مبخوت بن عبود، قام ببيع مساحات كبيرة من الأرض المشاع التابع لقبيلة الأشراف التي ينتمي هو إليها دون العودة لبقية القبيلة كما يقتضي العرف المتداول هناك. وعند محاولة أحد الشراة بدء العمل في الأرض اعترض بقية أبناء القبيلة، وتطور الأمر إلى مواجهات مع قوات أمنية وقبلية تابعة لبن عبود انتهت بمقتل أربعة من قبيلة الأشراف ونجل مبخوت بن عبود نفسه.

أحد رجل الأشراف قال بأن السلطات في مأرب لا تبحث عن مطلوبين وإنها تحاصر قبيلته كلها منذ 2016 ولا يسمح لهم بالدخول أو الخروج إلى قراهم إلا بعد تفتيش هوياتهم بحجة تعقب مطلوبين. كما قامت السلطات الحالية بإقالة كل المسؤولين في الدوائر الحكومية الذين ينتمون إلى قبيلة الأشراف من حزب المؤتمر الشعبي العام، وقال: "لقد منعوا حتى الباعة وأصحاب الأنشطة التجارية من فتح فروع لأنشطتهم في مناطق القبيلة أو بالقرب منها، أنا لم أحلق شعري منذ عام بسبب عدم قدرتي على الوصول إلى المدينة وعدم وجود حلاق في منطقتي".

رواية الأشراف لأحداث يوليو الفائت تقول إن إحدى نقاط التفيش التي تحاصر مناطقهم قامت بعد ظهر الأول من يوليو 2019 بإطلاق النار على سائق سيارة يقودها سعيد الباغوت (وهو أحد المطلوبين المعلن أسماءهم من قبل سلطات مأرب) وأردته قتيلاً بعد تجاوزه نطقة التفتيش دون توقف. تلى ذلك تبادل لإطلاق النار حدث في منطقة سوق في مأرب القديمة بالقرب نوعاً ما من منطقة (المنين) التي طالتها الحملة العسكرية. وحسب ما أعلن رسميا قتل في تبادل إطلاق النار جندان من قوات الأمن. ويقول (ب، س): "لسنا متأكدين من صدق ذلك، ولكنا طلبنا أن تقوم لجنة تحقيق رسمية تتولى القضية وتراجع تسجيلات كاميرات المراقبة المنتشرة في السوق، وقلنا بأننا لن نحمي الجناة، وهذا ما أعلناه مراراً".

عرض الأشراف أيضاً على وساطة قبلية تدخلت في اليوم التالي يقودها الشيخ ابن جلال، أحد أبرز شيوخ مأرب، أن تلقي السلطات الأمنية القبض على المطلوبين عند مرورهم بنقاط التفتيش أو ملاحقتهم إذا كانت ترفض مقترح تشكيل لجنة تحقيق في الأمر ومعرفة الجناة الحقيقيين. لكن السلطات في مأرب حسب (ب، س) اختارت تنفيذ الحملة الأمنية، وحصلت على أمر ضبط قهري صدر في نفس يوم الحادث ودون إجراء أي تحقيق من قبل الجهات المختصة.

الانتقادات التي وجهت إلى حزب الإصلاح والسلطات في مأرب بسبب الطابع الطائفي للحملة الأمنية دفعت محافظ المحافظة الشيخ سلطان العرادة، إلى الخروج عن صمته والإدلاء بتصريح بثته قناة اليمن الحكومية، سلطان العرادة هو أحد مشايخ قبيلة عبيدة، أكبر قبائل مأرب ونائب سابق في البرلمان عن حزب المؤتمر الشعبي العام وبين الشخصيات التي حظيت في الماضي بتقدير واحترام واسعين، وعين محافظاً لمأرب في أكتوبر 2017، ورغم أدائه الجيد في بداية توليه إلا أن سلطته تراجعت بالتدريج مع تزايد نفوذ الإصلاح وسيطرتهم على الجيش والأمن في مأرب على حساب أبناء مأرب نفسها.

وقد نفى العرادة، في حديثه للتلفزيون الحكومي، أن تكون الحملة ذات دوافع سياسية أو عرقية، وقال بأن قوات الأمن والجيش لن تكون لخدمة أحزاب أو جماعات، وأن العملية استهدفت فقط مطلوبين أمنياً. إلا أن الممارسات التي ارتكبت من قبل عناصر الحملة الأمنية أو من ساندهم ما تزال غير مفسرة.

ما زالت القوات في مأرب تحاصر مناطق الأشراف حتى كتابة هذه السطور، وقد قتلت 5 أشخاص واعتقلت قرابة 40 شخصاً آخرين، وأحالت 35 منهم في 23 يوليو 2019 إلى النيابة حسب ما أعلن رسمياً، لكن مصادر أخرى قالت بأن عدداً من أبناء الأشراف ما زالوا معتقلين دون حتى محاكمة، ولا تسمح السلطات في مأرب للصحفيين أو المنظمات بالوصول إلى مناطق الأشراف. حتى إن جمع المعلومات لهذه المادة تطلب كل هذا الوقت.

لقد استغرقت عملية التواصل أو الوصول إلى قيادات قبيلة من الأشراف في مأرب أكثر من شهر ونصف، إنها أحد تبعات الحرب وغياب الدولة في شكلها الحقيقي. قبل الحرب كان بمقدوري الاتصال بأي أحد وكتابة تقرير ونشره في أي وسيلة أعمل بها، وكنا نقلق قليلاً بشأن إخفاء هوية مصادرنا حين يطلبون نادراً إخفاء هويتهم. أما اليوم يقوم الصحفيون أولاً بإخفاء هوياتهم هم.

لقد أصبح العمل الصحفي في اليمن سواءً في المناطق الخاضعة لسلطة الحوثي أو تلك الخاضعة لسلطة الحكومة الشرعية عملاً محرماً وخطراً.