"ناصر".. الطفل المخاوي الذي قصد المدرسة حبواً قبل 38 عاماً ليهزم المستحيل

المخا تهامة - Sunday 15 September 2019 الساعة 04:03 pm
المخا، نيوزيمن، خاص:

قبل 38 عاماً كان عبده محمد ناصر يوشك أن يتحول إلى رقم ضمن قائمة المعاقين حركياً بعدما أصيب بشكل مفاجئ بالحمى الشوكية في منطقة ريفية تسمى بالكديحة جنوب المخا.

لا يزال ناصر يتذكر ذلك قائلاً، إنه شعر بألم شديد في الظهر حتى أسفل الرقبة، أفقده القدرة على الحركة ولم يتح له التمتع بحبات الفاكهة التي جلبها مع مجموعة من أقرانه من حارس إحدى المزارع في بلدته الريفية.

كان شبه فاقد للوعي ومعدماً لحيلة الشفاء، ولم تجد أسرته من طريقة لاستعادة صحته سوى الذهاب به إلى عيادة محلية قريبة، لكن الإمكانات البسيطة، آنذاك، أنقذته من الموت فقط، تاركة آثار الإصابة باقية في جسده حتى اليوم كإعاقة أفقدته القدرة على الحركة.

انتظر ناصر عاماً كاملاً كي يتأقلم على الوضع الجديد، وحاول السير على قدميه مرات عدة، لكنه كان يفشل في كل مرة بعد أن فقدت أطرافه السفيلة القدرة على الحركة تماماً.

ذات صباح عندما كان يشاهد طلاب بلدته الريفية يعبرون من أمام منزله في طريقهم إلى المدرسة كان ذلك يصيبه بخيبة أمل من الحال الذي بات عليه وانعدمت حيلته في إيجاد طريقة تمكنه من الذهاب معهم إلى المدرسة.

غير أنه قرر في العام التالي إبلاغ والده برغبته في التعليم، ومن باب تطييب خاطره ذهب والده إلى المدرسة لتسجيله كطالب في الصف الأول، كان الأمر مفرحاً لطفل أحب التعليم ورأى فيه طوق نجاه سيحميه من الوضع الذي بات عليه.

قال ناصر لنيوزيمن: "ذهبت مبكراً وكان الحماس بالتعليم يدفعني دفعاً قوياً إلى حد أنني حبوت حبواً للوصول إلى المدرسة".

مرت السنوات سريعاً، وحقق خلالها علامات متميزة كانت تمنحه دافعاً في الاستمرار، إلى أن أكمل الإعدادية، ليصطدم بحقيقة عدم وجود فصول للثانوية العامة في مدرسته.

فكر ملياً بالانتقال إلى مدرسة أخرى، لكن الأمر لم يكن سهلاً، فالوصول إلى مدرسة تبعد نحو كيلو ونصف من منزله سيحتاج إلى وسيلة نقل وهو أمر غير متوافر، ولذا قرر استخدام حمار تملكه أسرته للوصول إلى المدرسة الجديدة.

يقول ناصر، كنت شغوفاً بالتعليم وأحقق درجات مميزة، ولذا أكملت السنوات الثلاثة سريعاً وكأنها لم تكن سوى أشهر معدودة.

عند إكمال الثانوية العامة احتار في كيفية الالتحاق بالتعليم الجامعي لا سيما ومديرية المخا تخلو من وجود جامعات، ولذا قرر الانتقال إلى مدينة تعز والالتحاق بجمعية المعاقين حركياً ليتعلم في أحد معاهدها كيفية استخدام الكمبيوتر.

درس عاماً كاملاً، وتعرف خلالها على كيفية التعامل مع الحاسوب وهناك تعرف أيضا على إحدى زميلاته وقرر الارتباط بها بعد أن فاتحها في ذلك.

مضى وقت طويل قبل أن يحصل على عمل يليق بوضعه الخاص إلى أن دله إحد زملائه على توفر درجات وظيفية لذوي الاحتياجات الخاصة لدى شركة النفط في محافظة تعز، تقدم للحصول على إحدى الدرجات فوفق في ذلك، ثم انتقل إلى ميناء المخا للعمل على جهاز الكمبيوتر، ليطبع كافة مراسلات فرع شركة النفط بالميناء.

في 2006 قرر الزواج بشريكة حياته التي أحبها عندما التقى بها في معهد تعليم الكمبيوتر، ليبدأ حياة جديدة مليئة بالسعادة والاستقرار.

يسكن ناصر حالياً مع زوجته في منزل مستقل بالمخا ويستخدم دراجة نارية ذات أربع عجلات لتنقلاته وجلب احتياجاته اليومية محققاً لنفسه معجزة تخطي حالة الإعاقة التي أصيب بها في طفولته ليعيش حياته الطبيعية.