دور ثوار الساحل التهامي في 26 سبتمبر (14): الشيخ العلامة محمد الأهدل

المخا تهامة - Tuesday 08 October 2019 الساعة 10:50 pm
نيوزيمن، كتب/ أ.د عبدالودود مقشر:

ظهر الشيخ العلامة محمد الأهدل من باجل، وهو أحد علماء اليمن، فكتب رسالة مطولة إلى جلالة الإمام أحمد، وصف له فيها حاضر البلاد التهامية واليمانية وما تعانيه من تأخر اجتماعي وثقافي، وما تجد من انعدام النزاهة في إدارة البلاد وفي دور العدل، وقد جاء في هذه الرسالة التي أبرزتها الصحف العدنية:
(إن واجب العلماء تقديم النصيحة للملك والسلطان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا إذا توفر العدل وأمن المرء على سربه... أما إذا انتشر الظلم وعم الفساد فإن ضرر العلماء في الشعب الجاهل يكون عظيماً وسيئاً، وعلماء اليمن اليوم اتخذوا علمهم وسيلة للنهب والسلب وإشباع نهمهم وجشعهم (قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ)، ولهذا أصبح المرء يؤخذ بالنواصي بجريرة غيره مخالفة لدين الله (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، وهكذا فإن الولد يؤخذ بذنب أبيه وبالعكس، والأطفال يسجنون رهائن وينشأون مثل السوائم أضرَّ على الإنسانية من الوحوش الضارية وأدهى وأمر، إن القبيلة بأصلها تغرم وتعاقب بجريرة غيرها، فتخطط عندها العسكر، وترهق كواهل النساء بخدمة الجيش، ونقل الماء مسافة طويلة، وحمل الحطب إلى الجبال حيث يرابط الجيش إلا أن تسلم القبيلة صاغرة خوفاً من شنق مشايخهم وقتلهم ورهن أفلاذ أكبادهم ودفع الغرامات التي تقصم الظهور... وهكذا فإن هذا الحال قد سّهل لذوي النفوس المريضة الكسب الكبير بطريق الرشوة والفساد والفتك بالناس بأنواع التعذيب، وتعرضت كرائم النساء لبيع ماء الوجوه وبيع حلاهن إذا بقي منه شيء لتخفيف وطأة الخطاط على بيوتهن)..

وكتب العلامة الأهدل خطاباً إلى الإمام أحمد نشرته جريدة فتاة الجزيرة بالعدد 1369، يوم الجمعة، 7 محرم، 1380هـ / 1 يوليو 1960م، جاء فيه:
(يا أمير المؤمنين، إن الشعب يمر بمرحلة عصيبة في تاريخ حياته، فإنه اليوم غير الأمس، أصبح يسمع بطريق الراديو والإذاعة ما الناس فيه من حرية واستمتاع وعدالة اجتماعية، وسعي جانب الحكومات لإسعاد شعوبها، الشعب اليمني مهشم الأوصال، مشرد في البلدان، ترهقه الضرائب في بلاده دون أن يرى خيراً من تعليم أو إصلاح أو دواء، يفنى رجاله وشبابه، وأما علماؤه فليس لهم صوت، وهم يفضلون الصمت وجمع المال، وإشباع الشهوات، وقد تفاقم الشر والضر منذ أربعين عاماً تبددت فيها خيرات البلاد، وأفقرتها الثورات، وذهب الإيمان من قلوب الناس، وساءت الأخلاق وانعدمت المروءة والعفة، وانتشر الزور والبهتان... اليمني يطرد من الحجاز والسودان والحبشة بدون ذنب إلا لأنه لا وطن له ينشد فيه الكرامة والعزة، وكل هذا ولم تهتز أريحيتكم يا أمير المؤمنين، لما في هذا الشعب من ذل العذاب، ولم تتحرك عواطفكم لما أصاب أبناءكم في المهجر مثل السيد أحمد عبد الله إدريس الذي نهبت أمواله والشيخ مطهر وهما مثل عدد كبير من المهاجرين يودون لو يعودون لوطنهم، ولكن هل يعودون ليقال لهم أن يدفعوا زكاة عشرات السنوات الخوالي ويصبحوا فقراء؟

لقد هل عام 1380هـ / 1960م فماذا فعلتم لرفع مستوى هذا الشعب الهزيل العاري المطرود من مهاجره؟ حيث كان غالباً حمالاً أو خادماً بسيطاً أو شحاتاً يستجدي الأكف محروماً من المأوى ينام على قارعة الطريق، لقمة سائغة لحوادث السيارات، محروماً من النساء لأنه بعيد عن أهله، ولا يستطيع السفر إليهم، ولا يتمكن من الاقتران لضعف حاله وقلة ما بيده، وهو يصرف أكثر ما يحصل عليه على القات حيث يجده وقد استحكمت الأمية في الصغير والكبير، وتفاقم شأن الجهل واستفحل المرض، هذا وأنتم يا جلالة الإمام الراعي المسئول أمام الله عن ما حل بشعبكم؟ والبلاد بحمد الله غنية تخرج القمح والسمن والعسل، وثروتها الحيوانية لا بأس بها وفيها الذرة والسمسم والدجرة، ولكن اليد العاملة ضعيفة، وبهذا ضعف الإنتاج المحلي، سوى بعض الجلود والبن فلا مصانع، ولا مزارع حديثة نموذجية، ولا مدارس، ولا مستشفيات عمومية، ولا كهرباء في عواصم اليمن، ولا تنقيب عن الثروة المعدنية، والمواصلات ما تزال بدائية وحوادث الموت مسترسلة على السيارات... هذا وأنت أبعد من العنقاء، وأمنع من عقاب الجو، لا يصل إليك إلا من رحم ربك، وذلك بعد صرف المال الطويل العريض أجرة ورشوات، والصحافة الحرة مكمومة والناس لا يتكلمون.. إنكم اليوم في قيد الحياة فماذا أنتم مخلفون لولي عهدكم؟ أعرشاً أوهى من بيت العنكبوت وأضيق من التابوت، ارحموا الناس يرحكم الله.).

استمرت مقاومة رجال الدين من العلماء ومشايخ الطرق الصوفية للنظام الإمامي، فحررت عقولهم، وشجع استشهاد العلامة عبدالقادر الأهدل والاختفاء القسري للعلامة محمد الأهدل على زيادة التنديد بهذا النظام المتخلف، وبرز جيل من العلماء الشباب متقبلاً لروح العصر، والتغيير في كل شيء، حتى في نظام الحكم.

ملخص لترجمة حياته:

الشيخ العلامة محمد الأهدل من قضاء باجل وعالم من علمائها لا يُعرف عنه إلا تصوفه وكتاباته عدداً من الرسائل والبرقيات إلى الإمام أحمد ثم اختفاؤه في ظروف غامضة قبل الثورة بفترة قصيرة.

دور ثوار الساحل التهامي في 26 سبتمبر(13): عبدالله مقبول الصيقل

دور ثوار الساحل التهامي في 26 سبتمبر(12): علي حمود عفيف

دور ثوار الساحل التهامي في 26 سبتمبر