الإخوان... الوجه الآخر للإمامة!

السياسية - Thursday 10 October 2019 الساعة 10:50 am
عدن، نيوزيمن، خاص:

على مدى التاريخ، لا يمكن لجماعتين أيديولوجيتين أن تتفقان إلا لطارئ، فالغاية تبرر الوسيلة دوماً، وما إن تنتهي الجماعتان من التخلص من الطارئ حتى تبدأ كل واحدة منهما التخلص من الأخرى، فعدو العدو حليف حتى يتم التخلص من العدو.

وهكذا جسدت جماعة الإخوان علاقتها مع الحوثيين لأجل ضرب نظام صالح، حيث عملت على إخراج الحوثيين من صعدة وتحالفت معهم علنياً، متبنية خطاب المظلومية على سبيل النكاية بصالح رغم أن الجماعة ذاتها تعلم علم اليقين بأن الحوثيين ضد الجمهورية والنظام والديمقراطية ومشروعه خارج نطاق العصر وما إن انفرط العقد حتى عادت الجماعتان لترسل بوادر تحالف جديد بينهما..

لم يكن تحالف الإخوان مع الأئمة الجدد اعتباطاً ولكنه امتداد لتحالفات سابقة، قامت بينهم والنظام الإمامي منذ يحيى حميد الدين وحتى نجله أحمد، رغم ما دوّن التاريخ من محاولة التوائهما على الإمام، لكنها أطماع السلطة تدب أحياناً كثيرة بين أشقاء من أم وأب واحد وليس فقط بين جماعتين أيديولوجيتين.

تأسست جماعة الإخوان على فكر الحاكمية الإلهية، وهو الفكر الذي يرى أهلية بني هاشم في حكم المسلمين ما جسدوا نهج الجماعة لأجل الخلافة الراشدة، وهو ما يلتقي مع جماعة الحق الإلهي وإن كانت الأخيرة أكثر تشدداً للشرط السلالي بأن الحكم لا يكون إلا لآل البيت وما دونهم فهو باطل.

وانطلاقاً من هذا المبدأ فقد نشأ أقطاب الإخوان المسلمين في اليمن في بلاط الإمام أحمد وأبيه مطبلين ومداحين ومتزلفين.. كأمثال الشيخ الزنداني "عالم الإيدز" وشيخ "براءة الاختراع" المشهور الذي بدأ حياته مطبلاً ومتزلفاً في بلاط الإمام أحمد حميد الدين، ومن ضمن ذلك قصيدته الطويلة التي نشرتها جريدة "سبأ " الإمامية في العدد (14) الموافق 1372 هجرية من جمادى الثانية جاء فيها:

"زهت الكائنات في يوم عيد النص
يوم عيد القريض والتغريد
هو يوم انتصار خير مليك
في الورى هو خير مبدئ ومعيد
ملك الشعب بالسماحة والبر
وبالعدل والتقوى وعظم الجود
فغدت تحت ظله اليمن الخضراء
تختال في برج السعود
نهضت من سباتها واستعادت
مجدها تحت ظله الممدود
وطني أنت في كل قلب
نفحة الله من جنان الخلود
فانعم اليوم واهنأ بمليك
أنت تحت لوائه بعيش رغيد"

ومن أقطاب التنظيم، حينها، الشهيد محمد محمود الزبيري الذي انطلق في بداية حياته الأدبية مادحاً كبيراً للإمام أحمد وقبله أبوه..

ومن القصائد التي نظمها الزبيري للإمام يحيى حميد الدين مدحاً:

نور النبوة من جبينك يلمعُ
والملك فيك إلى الرسالة ينزعُ
يكفيك أن المصطفى لك والدٌ
أفضت إليك به الفضائل أجمعُ
يكفيك أن الدين وهو مشردٌ
من سائر الأقطار نحوك يفزعُ
لا غرو أن تحميه فهو أمانةٌ
من جدكم في عرشكم مستودعُ
من أين يأتيك العدو وأنت في
أرضٍ تكاد صخورها تتشيعُ
يا بن النبوة أين نذهب عنكمُ
والغرب منتظرٌ لنا يتطلّعُ
تالله لو حاد امرؤٌ عن أمركم
لم يأوه إلا "التفرنج" موضعُ
ما للعباد سواك إلا فتنة
عمياء أو كفرٌ يضل ويصرعُ

لم يقف الامر لدى الزبيري في مدح الإمام يحيى حميد الدين ولكن امتد ذلك إلى مدح نجله من بعده:

يا آل يحيى سلام من رياض نهى
ينهل مسلكاً عليكم منه مدرارُ
كم كابد الناس من ليل أناخ بهم
كأنما ضاع إصباحٌ وإسفارُ
حتى طلعتم وما في قطرنا أحدٌ
يشكُّ أنكم في القطرِ أقمارُ
وأنكم من ضلال الغرب متعصم
وأنكم لقصور الدين عُمّارُ
أنقذتم أمةً كادت تمزقها
مخالبٌ من أعاديها وأظفارُ
فأقبلت تترامى تحت ظلكم
كما تهب إلى الأوكار أطيارُ
وجئت يا ناصر الإسلام تبعثهُ
كأنما أنت للإسلام تكرارُ

حتى مرشد الإخوان حسن البنا ذاته كان على تواصل مستمر مع الإمام يحيى ونجله وتربطه بهما علاقات قوية في ظل التحالف الأيديولوجي المشار إليه سلفاً..

ذكر الدكتور حماده حسني في كتابة "حسن البنا وثورة 1948 في اليمن" أن البنا كان على علاقة مباشرة بالإمام أحمد، وقد أشرف شخصيا على إرسال مدرسين مصريين لليمن حينها ينتمون للتنظيم ويضربون عصفورين بحجر وهي تعليم اليمنيين ومن ثم استقطابهم إلى الفكر الإخواني ومن ثم تحويلهم إلى أدوات إخوانية للتنظيم في اليمن..

حسن البنا يبرق للإمام

وأبرق حسن البنا في 7 أبريل 1948م إلى الإمام أحمد مراجعا عن زملائه من جماعة الإخوان المسلمين الذين وصلوا إلى صنعاء عقب قيام الثورة، منهم عبد الحكيم عابدين صهر حسن البنا ونائبه وسكرتير جماعة الإخوان.. وأمين إسماعيل مدير جريدة الإخوان يشكر للإمام أحمد أخا الأمير عبد الله.. وفيما يلي نص البرقية:

(صاحب الجلالة الناصر لدين الله الإمام أحمد ملك اليمن، أبرق إلينا الإخوان الأستاذ عبد الحكيم عابدين وأمين إسماعيل أنهما بضيافة جلالتكم ورعاية سيوف الإسلام الكرام بصنعاء فاشكر لجلالتكم ولسموهم كريم العناية بأمرهما، وأرجو التفضل بالاتصال بسمو سيف الإسلام عبد الله بالقاهرة حتى لا يتأثر بالتيارات الحزبية المصرية ويدلي بأحاديث لا مصلحة فيها لأحد في هذه الظروف الدقيقة.. كتب الله الخير والتوفيق لجلالتكم ولليمن العزيز وأوطان العروبة والإسلام).

يمكن القول إن الإمامة والإخوان نشأا من رحم واحد وهو التستر بلباس الفضيلة لأجل السلطة، وكلاهما ايديولوجيتان استبداديتان تسعيان للحكم باسم الله والدين، ورغم أن الإمامة سبقت الإخوان بمئات من السنين إلا أن الأخيرة منبثقة من ذات الفكر ولو ظهرت بثوب الحداثة والديمقراطية.

ذكر الشيخ عبدالله أحمد علي، وهو أحد أقطاب ومؤسسي حركة تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن، أن "ثورة 26 سبتمبر ثورة جاهلية"، مؤكداً في محاضرة مسجلة له أمام جمع من شبيبة الإخوان في محافظة تعز "أقمنا حركة الإخوان المسلمين في العام 1965 في اليمن ضد ثورة 26 سبتمبر، انطلاقاً من قاعدة أنها ثورة جاهلية، وبالتابي يجب أن تسقط ويقوم على أنقاضها الحكم الإسلامي"..

وعاد القيادي الإصلاحي العديني ليؤكد العهد الإخواني والفكر الحقيقي لهذه الجماعة في اليمن بوضوح وبدون ماكياج بالقول "ثورة 26 سبتمبر تحت الأقدام".