خطورة التطبيع الناعم مع الحوثي

السياسية - Monday 18 November 2019 الساعة 10:40 am
صنعاء، نيوزيمن، فارس جميل:

من المهم وبالضرورة تعرية الفساد الذي يمارسه الحوثيون في ظل احتلالهم لمؤسسات الدولة اليمنية ومواردها، وتحكمهم بها وبموظفيها وبأكثر من 75% من سكان اليمن الواقعين تحت سيطرتهم، لكن الأهم أن يأتي ذلك ضمن سياقه الطبيعي وهو رفض الانقلاب والاستيلاء على السلطة بقوة السلاح كفكرة وسلوك، حتى لو نتج عن ذلك سلطة أفضل من سلطة الحوثيين الطائفية الفاسدة.

فساد مرعب وغير مسبوق يمارسه الحوثيون كسلطة فرضت نفسها بالسلاح، وكأفراد يعملون تحت مظلة هذه القوة المسلحة الطائفية، أغلب هذا الفساد كشفته شخصيات ما زالت متحالفة مع الحوثيين في الواقع وترفض فقط ممارسات الجماعة وليس فكرتها وطريقة استيلائها على السلطة، وهذا على أهميته يمثل بداية للاعتراف بالجماعة كسلطة، والتطبيع الناعم معها بمعادلة: أوقفوا الفساد وأنتم سلطتنا التي نعترف بها، ودافع هؤلاء للدعوة لمحاربة فساد قيادات وأفراد عبدالملك الحوثي وشركاه، هو عدم منح خصوم الجماعة ورقة لإثارة الشارع ضدها لا أكثر.

التقرير الأممي المنحاز للحوثيين بوضوح وصف الجماعة قبل أكثر من عام باعتبارها "سلطة أمر واقع"، وهذا الأمر أغاض سلطة هادي وحكومته كثيراً يومها باعتباره يوازي بين سلطة (شرعية) وبين انقلاب على هذه السلطة.

من وجهة نظر القانون الدولي فإن هذا التوصيف يحمل الجماعة مسؤولية كل الانتهاكات والجرائم التي تقع في مناطق سيطرتها، ولكنه في ظل فشل الشرعية بتبني عمل عسكري أو سياسي واضح وقوي لاستعادة عاصمة الدولة وسلطتها من يد الحوثيين، يعد تطبيعاً دولياً مع الحوثيين واعترافاً بهم كقوة على الأرض، وهذا تماماً هو منطلق بريطانيا وأمريكا في التعامل مع المسيطر على الأرض مهما كانت صفته وطريقة حصوله على تلك السلطة سواءً بقوة السلاح أو بصناديق الانتخابات، طالما بإمكانه منح وضمان مصالح هذه الدول على الأرض التي يسيطر عليها.

بغباء أو تواطؤ، دعت شخصيات سياسية موالية لهادي المواطنين إلى الانتفاضة ضد الحوثيين ومطالبتهم بدفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم، دون أن تبذل أي عناء في مساعدتهم على ذلك ولو بتقديم نموذج أفضل للسلطة في مناطق الحكومة، وكأنما يحملون المواطن الأعزل والمقموع والجائع مسؤوليات تقع على عاتقهم وحدهم كسلطة معترف بها دولياً كممثل لليمن، وكان يمكن للتحالف دعمهم في هذا الأمر لجعلهم يظهرون كطرف أقل فساداً من الحوثيين لو أحسنوا الأداء على الأرض.

هذا الأمر الذي يدعو إليه سياسيو هادي، يمثل اعترافاً عملياً بسلطة الحوثيين، فدفع المرتبات لموظفي القطاع العام المدني والعسكري هو وظيفة ومهمة الدولة، ويجب عليها دون سواها إجبار الجماعة على دفعه بالقوة لأنها تقوم بتحصيل إيرادات هائلة كان يجب أن تذهب لخزينة الدولة في الوضع الطبيعي، أو أن تتحمل دفع المرتبات من مصادر أخرى حتى تستطيع استعادة أموال الدولة التي ينهبها الحوثيون على مدار سنوات، أو على الأقل البحث عن معادلة الطرف الثالث كالدفع عبر الأمم المتحدة، أما أن يكون عجزهم مبرراً لدفع المواطنين الرافضين للحوثيين للاعتراف بهم، فهذه خدمة جليلة لجماعة الحوثيين.

فشل هادي والتحالف في تغيير المعادلة على الأرض الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، لا يجب أن يتحول إلى أداة للتطبيع مع الحوثيين، وإن أصبح عملياً كذلك خاصة في تعامل الأطراف الدولية مع الجماعة الذي يتطور باستمرار وبتطور فشل هادي وعجز سلطته عن الظهور كسلطة مسؤولة عن 30 مليون يمني ثلاثة أرباعهم تحت قبضة جماعة الحوثيين المسلحة، لكن هذا التطبيع الدولي الذي ينمو باستمرار ويجب الاعتراف به ومعالجته قبل أن تبحث سلطة هادي عن طرف يعترف بها، لا يجب فرضه على المواطن الذي تتمثل مصلحته في استعادة دولته ومؤسساتها من قبضة الجماعة.

المخيف أن هناك بوادر في تعامل التحالف والسعودية تحديداً بهذا الاتجاه، فالتفاوض المباشر مع الانقلابيين الحوثيين قد يفضي إلى الاعتراف بهم كسلطة على الأرض، طالما وفروا ضمانات كافية للرياض بعدم تشكيلهم خطراً عليها، وقيامهم على حراسة مصالحها وحماية حدودها، وفي هذه الحالة يكون اليمنيون قد فقدوا آخر نصير لاستعادة دولتهم ومؤسساتها.

في نهاية المطاف فإن التحالف رغم مسؤوليته أمام القانون الدولي، ليس ملزماً أمام المواطن اليمني باستعادة الدولة اليمنية ومؤسساتها من يد الحوثيين، فهو ليس جمعية خيرية تساعدك دون مقابل، بل دولا لها مصالحها ومخاوفها التي يجب أخذها في الاعتبار على الدوام، وتوقع أن تتغير مواقفه في أية لحظة بناءً على تغير المعطيات على الأرض.

يبحث الحوثيون عن أية فرصة لتكريس سلطتهم ومنحها غطاءً شرعياً بأي شكل، ويمارسون القمع والتنكيل والإقصاء والفساد من أجل ذلك، لكن المواطن اليمني ما زال قادراً على مراوغة الجماعة بأقل قدر من المخاطر، وبشكل أذكى بكثير من سياسيي هادي، التي تمثل المصدر الأخطر للتطبيع مع الجماعة بما تقترفه من خطايا، وبما تعجز عن القيام به كمسؤوليات، وعبر خطابها الإعلامي الكارثي والأكثر غباءً في التاريخ، الذي يغطي عورة الحوثي بكشف عورة هادي وحلفائه بإصرار عجيب.