"ناظمة" مخاوية صقلت نفسها بالكفاح فانتصرت لإرادتها الإنسانية

المخا تهامة - Wednesday 20 November 2019 الساعة 09:19 am
المخا، نيوزيمن، زينات ناجي:

لكل منا قصة حياة مختلفة عن الآخر، وقصة كفاح ناظمة صالح، مختلفة كذلك، فعندما وصلت للمرحلة الثانوية عام 1997م كان ذلك حدثاً مهماً بالنسبة لها، بحكم أنها وزميلاتها كن من أولى الفتيات اللائي يصلن إلى ذلك المستوى الدراسي في المخا، ولذا واجهت الكثير من الاعتراضات، بين سكان الحي الذي تعيش فيه، حيث كان تفكير الناس ينحصر بأن الفتاة ينبغي لها أن تتعلم القراءة والكتابة وبعض ما تحتاجه في أمورها الدينية، أما أن تصل إلى الثانوية فذاك أمر يعد مرفوضاً.

لكن الخير دائماً له أنصار وجنود، يقارعون قوى الشر في كل وقت وحين، وكان المربي الفاضل عبدالرزاق الفضلي أحد أولئك الجنود بمساندته لتعليم الفتيات، فتم تجهيز مدرسة الزهراء للبنات فواصلت دراستها إلى أن أكملت الثانوية العامة.

انتقلت إلى الحياة العملية عام 1998 عندما التحقت بفريق التوعية السكانية لمنظمة GTZ من بين خمس عشرة مشاركة، وكشابة طموحة بدأت بشق عملها بالمجال الإنساني بصعوبة في مجتمع كانت نظرته للمرأة تقتصر على تواجدها فقط في المنزل وما تقوم به من أعمال الطبخ والتنظيف وتربية الأولاد.

أكثر من تدين له بالفضل في مساعدتها على الخروج من عزلة المجتمع ورفض أفكاره البالية هما والداها، لا تزال ناظمة تتذكر كلمات التشجيع والإطراء منهما بعد كل عمل كانت تنتهي من إنجازه، كما لا تزال تتذكر كلمات والدها كيف ينبغي للفتاة أن تحافظ على سمعة طيبة وإلا أصبحت بلا قيمة في محيط عملها الذي يغلب موظفوه على الرجال، فغرست مقولة والدها، قيما أكثر صلابة، وصنعت منها امرأة ذات شخصية صارمة.

حققت الشابة المخاوية الطموحة نجاحا مع زميلة أخرى بعد ثمانية أشهر من التدريب، مما أتاح لها الانتقال للعمل في فرع مؤسسة المياه والصرف الصحي بالمخا.

أثناء أحد الاجتماعات مع فريق منظمة GTZ الألمانية، طرحت فكرة تأسيس منظمة نسوية تهتم بشؤون المرأة المخاوية، فلقت الفكرة إعجاب فريق المنظمة الذين اعلنوا عن استعدادهم لتمويلها وتم التنسيق مع زميلات لها ليتم اختيارها رئيسة للمنظمة الوليدة.

وكفتاة تتولى لأول مرة رئاسة منظمة إنسانية، برزت لها المعوقات من كل جانب، لكن حكمة الشابة المخاوية التي كانت تبلغ من العمر حينها 18 عاما، تمكنت من التغلب عليها وحصلت المنظمة الجديدة التي اطلق عليها اسم جمعية الزهراء النسوية على دعم المنظمات الألمانية والسويدية من خلال تمويل مشاريعها الإنسانية.

للحظ دور مميز في نجاح شابة المخا ذات النشاط المتقد والمدفوع بحب المغامرة والكفاح، فأثناء زيارة ميدانية لمدير عام برنامج تنمية المجتمعات المحلية التابع للأمم المتحدة إلى المخا والتقائه بناظمة تعرف على الجمعية ونشاطها.

كان شخصا معجبا بنشاط المنظمة الجديدة، واتاحت فرصة اللقاء به حصولها على فرصة عمل بالبرنامج لمدة خمس سنوات.

انحصر عملها بين المخا وذوباب في مجال تنمية المجتمعات، لكنها أثناء ذلك صقلت مهارتها بحصولها على دورات تأهيلية عديدة، كان أهمها دورة تدريب المدربين وهو أمر أتاح لها أن تكون ضمن فريق التدريب التابع لبرنامج تنمية المجتمعات المحلية، وشاركت خلال عملها في إعداد أدله تدريبية لا تزال موجودة على موقع الفاو حتى اليوم.

بعدة فترة عمل طويلة، تنبهت إلى أن العمل يمكن أن يسرق منها حلمها بدراسة الجامعة، ولذا قررت الالتحاق بالجامعة عام 2002م حاصدة بعد أربع سنوات بكالوريوس في إدارة الأعمال.

عزز استلامها الشهادة الجامعية من الثقة في نفسها، كان ذلك في عام 2005م وعملت نقلة نوعية في حياتها العملية، كما اتاح لها الالتحاق بعدة منظمات تقلدت خلالها مناصب مختلفة وتنقلت بين محافظات ومدن يمنية عدة.

بعد عملها في إحدى البرامج التابعة لمنظمة اليونسيف، وهو برنامج خاص بالأطفال ما قبل المدرسة وطلاب المدارس المتميزين، تكونت لديها فكرة عمل مدرسة نموذجية، ولذا قررت افتتاح مدرسة خاصة بمدينة المخا.

في عام 2016 تم افتتاح رياض ومدارس أجيال المخا الأهلية، وهو عام لم يخل من صعوبات كثيرة، لكن الإرادة والتصميم في بلوغ الأهداف مكنها من التغلب عليها.

في الجانب الإنساني، كان لا بد من أن يتكلل نشاطها الذي بدأته عام 1998 بتأسيس منظمة تزاول العمل ذاته، فكان لها أن أطلقت مؤسسة الخير للتنمية لتتولى بنفسها رئاستها.

شاركت المؤسسة الجديدة بعدة أنشطة، وكانت عونا وسندا لمن قدم إلى المخا منذ انتهاء الأحداث فيها، وما زالت المنظمة تواصل العمل والجهد من أجل المخا والنازحين فيها.

ربطت مؤسسة الخير تحالفات وثيقة مع منظمة دولية وهي منظمة انتر سوس في برنامج حماية النازحين والمتضررين من الحرب، كما أنها تعمل بالشراكة مع عدة منظمات عاملة في المخا، وتشارك في مناقشة كافة القضايا من خلال اجتماع أسبوعي يعقد بإشراف مدير المديرية.

تتمنى ناظمة صالح من كل الفتيات الاستمرار في التعليم الجامعي، كما تتمنى أن تعمل الحكومة على افتتاح جامعة خاصة بالمخا لتمكن الفتيات من الالتحاق بالتعليم الجامعي، خصوصاً في هذه الأوقات الصعبة التي لا يستطيع طلاب المخا الذهاب إلى محافظات أخرى.