ماجد الداعري

ماجد الداعري

تابعنى على

أفشل مهمة صحفية وأكذب مصدر

Sunday 11 September 2022 الساعة 06:39 pm

في منتصف عام 2008 كنت في مهمة صحفية لمجلة أبواب التابعة لأستاذنا نبيل الصوفي عن "الإرث البريطاني بعدن" المتمثلة بالمجلس التشريعي بكريتر وفندق كريسنت وحديقة فيكتوريا وتمثالها البرونزي العتيق وسط تلك الحديقة الواقعة أمام الفندق الذي أقامت فيه الملكة البريطانية الراحلة إليزابيث الثانية ليلة زيارتها لعدن 1954م.

وكان لزاما البحث عن كبار السن ممن عايشوا تلك المرحلة التي زارت فيها الملكة عدن للحديث عن تفاصيل وأجواء تلك الزيارة الملكية التي ثارت حولها تكنهات كثيرة وصلت حد الادعاء بإقامة الملكة شهر عسلها مع زوجها الراحل قبلها بعام فيليب، بينما زيارتها جاءت بعد سبع سنوات من زواجهما.

وعليه فقد قابلت العديد من كبار السن ممن كانوا يلعبون الضمنة يومها تحت أشجار حديقة فيكتوريا وجميعهم أشاروا لي إلى شيخ مسن كان يعمل خادما بقصر إقامة الملكة "كريسنت" الذي سمي بعد الوحدة بفندق الهلال وأحيلت إدارته إلى وزارة السياحة وجرى قصفه مع مكتب السياحة المجاور من قبل طيران التحالف في 2015م.

ولذلك كان علي أن أبحث عن هذا العجوز بكل الطرق حتى وصلت إلى عشة يسكنها بمنطقة البنجسار بالتواهي، بعد عناء وبحث مضن وعلى أمل الحصول منه على تفاصيل تكسر الدنيا ولم يسبق نشرها صحفيا.

وفور اللقاء به تفاجأت به يطلب مني بل ويشترط قيمة مادية لحديثه معي، معتقدا أنني صحفي أجنبي وأنه لا يتحدث إلا بمقابل مالي.. غير أن كل ما كان بحوزتي يومها من فلوس لا تزيد على ثلاثة آلاف ريال يمني هي كل ضماري ورأس مالي ووجدت نفسي مضطرا لدفعها للشيبة، كي استغل فرصة الوصول المتعب إليه.

وفعلا وافق على مضض وطلب الذهاب معه إلى موقع الفندق ليتحدث معي من واقع الأرض، طالبا مواصلات خاصة لنقله إلى هناك، غير أن إمكانياتي المالية لم تسمح بذلك، فقلت له إنني أبحث عن معلومات وتفاصيل جديدة للزيارة ومكان إقامة الملكة وكيف كانت تقسم وقتها داخل عدن وفي قصرها العتيق بالتواهي الذي قيل إنه أنشئ خصيصا لاستقبالها وإنهاء من أمرت بإنشائه أمام ساعة "بيج بن" الصغرى، بأعلى جبل فتح المشرفة على تلك الحديقة المشابهة إلى حد ما لذات الأجواء التي تقيم فيها الملكة بقصرها الملكي الرئيسي بلندن، وحتى لا تشعر بغربة المكان الجديد لاستراحتها بعدن.

المهم بالأمر.. بدأ العجوز الطاعن بالسن في الحديث معي عن كونه كان العشيق المدلل للملكة وليس مجرد خادم احتياط استعانت به لجلب إحدى احتياجاتها من جناح حشمها الملكي المرافق لها.

فقلت لنفسي قد أكون أخطأت العنوان والرجل ليس المطلوب، غير أن دليلي في الوصول إليه أكد لي أنه هو بعينه الشايب المطلوب.

فحاولت قطع حبل أفكاره النرجسية وتوجيه سؤالا مباشرا له عن مكان إقامة الملكة بالقصر.. وكيف كانت تقسم وقتها.. غير أنه أصر على استكمال حديثه النرجسي وصولا إلى زعمه الصادم بأن الملكة دعته إلى فراشها، وأنه كان يومها شابا وسيما.

 وحينها تأملت في ملامحه جيدا وتخيلت له هيئته السمراء في شبابه، فلم أستطع حتى خوض غمار مقارنة بين أمنياته وحجم كذبته الأكبر التي واجهتها في أغرب وأفشل مهمة صحفية بحياتي. 

والأغرب أن المسن كان يتحدث بأغرب ثقة عرفتها في أكذب مصدر صحفي قذفتني أقداري إليه بالخطأ.

وحينها طرقت على رأسي وقلت في قرارة نفسي: قرحت حقي الثلاثة آلاف ريال التي كنت اعتاش عليها يومها كمصاريف لأسبوع وأكثر بعدن.

وعدت من عشته بعدها مباشرة دون أن أستفيد منه حتى بمعلومة واحدة بعد أن شطبت عليه كمصدر بشكل نهائي ولم أذكره بتاتا في تقريري الصحفي الذي نشرته المجلة، بعد أن اعتبرته أكذب مصدر واجهته في حياتي المهنية حتى اليوم.

وعلمت قبل سنوات أنه قد رحل من الدنيا فسامحته ودعوت الله له بالرحمة والمغفرة وألا يؤاخذه في ذنوبه مع "الملكة".

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك