المستبدون لا ينتصحون، ومع ذلك لا بأس من النصح لإقامة الحجة وإراحة ضمير يساوره القلق.
سأقاوم ما استطعت، وسأنصح بقدر الاستطاعة لتقليل كلفة باهظة، حتى يقول الشعب والتاريخ فيهم كلمته.
من الأهمية بمكان أن تراجع "جماعة الأنصار" مواقفها من قضايا كثيرة ومهمة ومتعددة.
فبدون المراجعة والتغيير الملح سيكون المآل لا يسر الجماعة، وما نخشاه أن تكون عاقبتها وبالاً، وربما لا يخلو من رعب وبشاعة.
* * *
نحن في عصر السرعة، فلا تحلم الجماعة بأنها ستحكم بعد اليوم سنوات طوالاً، ومن الخرف التفكير أن تحكم خمسين عاماً كما يتردد بين مريديها الطائعين.
الجماعة كل يوم تتصادم مع العصر طولا وعرضا، والمستقبل لمن يبحث عنه، فيما الجماعة لها وجهة أخرى نحو الماضي المكتظ بالظلام الكثيف.
تتصادم الجماعة كل يوم مع العدالة والمواطنة حتى في حدودها الدنيا.
فترة الحكم التي دامت سنوات الحرب كان لها حكمها وظروفها، وبعد الحرب لها حكمها المختلف، وظروفها غير متأتية قبلها.
* * *
نحن نعيش عصر ثورة الاتصالات والمعلومات، ومن المستحيل على سلطة الجماعة أن "تقطرن الناس" مرة ثانية وثالثة، حتى وإن حاولت إطباق الجهل كله على شعبنا كما تظن وتعتقد.
التجهيل الذي نراه، وتدمير التعليم، والانحراف في فلسفة التعليم إلى فلسفة الجماعة لن تأتي أكلها، واستحقاقات الشعب لن تستطيع سلطة الجماعة إطالتها بعد الحرب، ولن يتم إمهالها طويلا، وقد باتت اليوم تطرق الأبواب بشدة وقوة.
من المستحيل أن تعيد هذه الجماعة إنتاج نفسها بوجه جديد للسلطة، والاستحالة أكثر أن تكرر تقيتها أو ينطلي على الناس كذبها، بعد أن عرفوها وخبروها وحفظوها عن ظهر قلب، وبعد أن بلغ القرف منها أوجه، وانكشاف طال، ورصيد ثقة استنفد صلاحيته، ونفد ما بقي منها إلى قاعها، الذي بات مجدبا ومتصحرا.
* * *
لن تستطيع الجماعة فرض عزلتها على شعب تعدى الثلاثين مليون إنسان، ولن تستطيع أن تعيده إلى قمقمه، وقد خرج حماره السوق.
فما بالك والعالم قد بات وكأنه قرية واحدة.. ثورة الاتصالات والمعلومات بات لا يخفي عنها خافية.
وما بقي على الجماعة أن تفكر فيه، هو أن يأتي التغيير بكلفة أقل، حتى لا تكون هي وسلطتها أول من يدفع تلك الكلفة الباهظة، والتي نحاول بجهد جهيد ودؤوب ترشيدها أو التخفيف من آثارها.
باتت الجماعة تبحث في الخارج عن سند ومنقذ، وتراهن عليه في بقاء ملكها كما تحلم وتظن.
ولذلك نراها تتخلى عن الداخل وتزدريه، ولا تبحث فيه عن محبة الشعب، ولا تستسيغ وده، ولا تفكر حتى بتألفه واحتوائه، بدليل ما تفعله في الواقع كل يوم.
وهذا ما يفسره الواقع نفسه من خلال هذا الاستعداء العريض لكافة مكونات الشعب، طبقات وفئات وتنظيمات تتخلق اليوم داخله، وفرضها المتعنت لجبايات تستمر وتتضاعف على نحو غير مسبوق، تثقل بها كاهل المواطن بإصرار ورعونة، حتى بتنا نظن أن من يفعلها قد فقد عقله.
* * *
التعويل على الخارج على نحو كامل، أو على ذلك النحو المبالغ فيه، لن ينقذ الجماعة وسلطتها مما هي فيه من أزمات متفاقمة، حتى وإن نجحت في تحقيق إطالة عمرها بعض وقت لن يطول، غير أن النهاية ستظل حتمية وآتية دون ريب، طالما ظل سخط الشعب يتنامى، وظل الاحتقان يزداد في النفوس، وظل تكريس مشروع الجماعة في مواجهة اصطفاف الشعب ضدها وضد مشروعها، وطالما استمرت السلطة في تدعيم كيان الجماعة الصغير على حساب وطن كبير ينحاز إليه الناس.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك