مرة قلت شدعم فلسطين بعروض مسرحية في تعز؛ يعود ريع تذاكر الدخول لمشاهدتها لصالح الانتفاضة؛ وكتبت مسرحية عن أطفال الحجارة وتقدمت للأستاذ شوقي أحمد هائل بطلب لدعم الفعالية بمبلغ 240.000 ألف ريال؛ وهو ما قصر؛ رحب بالفكرة وعلق على رسالة طلب الدعم وقال إن المبلغ الذي طلبته قليل لتنفيذ فعالية كبيرة الهدف منها دعم أطفال الحجارة؛وطلب مني أن أعيد تقدير الميزانية.
حسيت أنه متحمس لدعم الانتفاضة الفلسطينية أكثر مني واحترمت حرصه ذاك وعدلت الميزانية إلى 500.000 ألف ريال، ووجه بالصرف فيسع من دون أي نقاش؛ وتضاعف حماسي تجاهه وتجاه فعالية دعم أطفال الحجارة وقلت أكلم نفسي:
- مابلا شاكون أكرم منه.
وبدل ما أعمل مسرحية واحدة يستمر عرضها لثلاثة أيام فقط؛ بحسب خطة البرنامج؛ المقدم إليه؛ عملت مسرحيتين مختلفتين؛ وجبت طواقم العمل ورتبت كل شيء لتقديم 10 عروض لكل مسرحية على حدة؛ يعني عشرين عرضا مسرحيا بيدخلوا لأطفال الحجارة مبلغ كويس ينفعهم ولسان حالي يقول "زوووك وخلي الشعب الفلسطيني يرتاح ويستفيد يا فكري". وأعلنت عن "أيام تعز المسرحية" من خلال حملة إعلامية كبيرة روجت لها تحت شعار: "قيمة تذاكر العروض المسرحية خلال عشرة أيام ستذهب لصالح دعم أطفال الحجارة".
كان ذلك في سنة 2001 تقريبا وكانت سعر تذكرة الدخول ب50 ريالا فقط؛ وكنت ألاحق الجمهور إلى كل زوة؛ وأقنعهم بجاه الله والنبي يشتروا التذاكر دعما منهم لأطفال الحجارة.
قلة منهم كانوا يتحمسوا ويشتروا؛ والغالبية كنت أجيب لهم التذاكر ببلاش؛ وعادهم يتزنطوا ويتغنجوا يالطيييف والتغناج واحد يقولي:
- وفي بارد.. وألا شتميتونا عطش داخل المسرحية؟
وواحد ثاني يقولي:
- وحق المواصلات على من؟
والثالث يتشرط ويقولي:
- لكن مش تجلسوا ترفسوا وتعرضوا لنا نفس المسرحيتين كل يوم ملل!
ايواااه والحنبة..
يعني هذا المشاهد الزقرة يشتي يشوف بحقه البلاش مسرحية جديدة كل يوم!
والمشكلة مش هنا طبعا..
المشكلة أني وقعت في حنبة كبيرة بسبب زحمة الجمهور المجاني الذي يلخبط جو أي عرض؛ وكان لازم أجيب كل يوم طقم عسكر كحراسة أمنية لصالة العروض؛ وهولا الحراسة الأمنية طبعا يشتوا لهم كل يوم صرفة وبترول للطقم بالشيء الفلاني؛ وكم الديك وكم مرقه يا فلسطين؟!
وبعد عشرين عرضا مسرحيا في عشرة أيام انتهت وقد شجنن من التعب والإرهاق ومن الملاحقة بعد كل شيء من أجل إنجاز مهمة دعم الانتفاضة الفلسطينية؛ كان إجمالي صرفيات الحراسة الأمنية فقط "مائتي ألف ريال" بينما كانت مبيعات التذاكر شحيحة جدا بأجمالي "سبعين ألف ريال بس" يعني ماتجيش حتى قيمة زفتين حجار لدعم أطفال الحجارة لأجل يراجموا بهن الصهاينة على أقل تقدير.
وما دريت حينها أين اودي وجهي من الشعب الفلسطيني وهم راكنين على أموال تذاكر العروض المسرحية.
ولا دريت كيف أرسل لهم الزلط؛ وعبر من؟
ولا رضيت أسلم السبعين الألف الريال لأي واحدة من الجمعيات الخيرية اللي تفرش المشدات كل يوم عند بيبان الجوامع لجمع التبرعات لصالح فلسطين. ولا جزمت أكاشف الداعم بحقيقة الخيبة التي منيت بها بسبب فضول إنساني متركي على مسرح غير نشط من أساسه!
أيامها على العموم كان في واحد من الممثلين المسرحيين زوجته مريضة بالمستشفى ولازم تعمل عملية ويحتاج مصاريف؛ وهو مسكين ما معه حتى ريال واحد ينقذها ويدخلها غرفة العمليات واجوره اللي تحصل عليها مقابل دوره في المسرحيتين؛ كانت زهيدة جدا ولجأ يستعين بي أشوف له أي مساعدة مالية من الأستاذ شوقي هائل؛ وصعب علي حاله وقلت لنفسي يومها "يا موزع المرق.. أهل بيتك أحق" وعلى طول جبت له السبعين الألف الريال في اليوم الثاني وفرح بها وسألني:
- هذي من الأستاذ شوقي؟
- لا.. هذي دعما لزوجتك من أطفال الحجارة في فلسطين
- ودعم الانتفاضة كيف؟
سألني مستغربا وقلت له وأنا أضحك من خيبتي:
- يا ضاك موشيعملوا بالسبعين الألف الريال؟ أنت أحوج بها ذلحين..
وكرر السؤال يشتي يتأكد وقال بلكنة شك وريبة:
- مله وفلسطين كيف؟
رديت عليه بضمير مرتاح بينما كنت أناوله الزلط وقلت له بكل ثقة:
- ياخي شلها خلاص وسير عالج زوجتك الآن.. واعتبر أن عندك وفي ذمتك من اليوم إلى يوم الدين؛ قيمة زفتين حجار؛ اشتريهن في أي وقت كما قد فتح الله عليك وارسلهن إلى فلسطين مع أي فاعل خير دعما لأطفال الحجارة مني ومنك ومن زوجتك ومن أيام تعز المسرحية وربك كريم.
يومها وأنا أفعل ذلك بكل سرور مع زميلي الحانب قدام عيوني كانت تدور في خلدي مقولة عبد المطلب الشهيرة "أنا رب أبلي وللكعبة رب يحميها".
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك