د. ثابت الأحمدي

د. ثابت الأحمدي

تابعنى على

مجموعة هائل سعيد أنعم.. والدور الريادي اجتماعياً وثقافياً

Wednesday 06 March 2024 الساعة 09:31 am

لعبت المجموعاتُ التجاريّة الأوبيّة دورًا كبيرًا في النّهضةِ الثقافيّةِ من وقتٍ مبكر، وساهمت في صنع مجتمعٍ مدني حضاري، جنبًا إلى جنبٍ مع الحكومات والدول. كما فعل آل روتشيلد، إلى حد أن رجل الأعمال والملياردير اليهودي جاكوب روتشيلد لُقب بأبي الفنون.!

قبل جاكوب روتشيلد المعاصر، أيضا أسرة ميدتشي في فلورنسا في القرن السّادس عشر الميلادي، فما بعد، والتي ساهمت إلى حدٍ كبيرٍ في صناعةِ نهضةٍ ثقافيّةٍ عملاقةٍ في مختلف دول أوروبا، وأسست مدارس فنية خاصة، أبرزها مدرسة مايكل أنجلو الذي يُعتبر إلى اليوم أبا الفنون الأوروبيّة، بما جسّده من أعمالٍ فنيّةٍ خالدة، استوحى أغلبها من الكتاب المقدس؛ كونه كان متدينا؛ بل لقد رسم على سقفِ إحدى الكنائس ما يزيد عن 300 صورة. إضافة إلى العديدِ من الأعمالِ والتماثيل الأخرى.

ومن يتأمل في تفاصيلِ المشهدِ الثقافي الأوروبي خلالَ هذه الفترةِ فما بعدها، يخلص إلى نتيجةٍ مهمة، وهي أن آل مديتشي قد استطاعوا بالفنّ والثقافةِ تمدينَ أوروبا المتوحشة، وتقليم مخالبها الحادة التي خلفتها المسيحيّة الكاثوليكية المتطرفة في عصورها المظلمة، وكان اليهودُ إلى جانبِ المسلمين هدفًا لها. فعمد رأسُ المالِ اليهودي إلى خلقِ ثقافةٍ أوروبيّةٍ جديدةٍ عن طريقِ الفنّ ونشرِ الثقافةِ التي قادت إلى التسامح، والتعايش، والقبول بالآخر، ومن ثم تأسست أوروبا الحديثة التي نعرفها اليوم، بعد أن عجزت السُّلطات الرسمية عن وضعِ حدٍ لذلك التوحش الديني الذي بطش بالجميع. ولولا تجار آل مديتشي ما عرفنا اليوم مايكل أنجلو، ولا تلك الأعمال الفنيّة الخالدة، ولا كان ذلك التحول الثقافي الكبير. كان آل مديتشي يعتقدون أنَّ من مقتضياتِ النُّبل والشّرف العائلي التنازل عن بعض ما يملكون من أجلِ خلقِ نهضةٍ ثقافيّةٍ وفنيّةٍ أوروبيّة.

في اليمن.. يكادُ إسهام رأس المال في الثقافةِ يكون منعدمًا إذا ما استثنينا بيوتاتٍ تجاريّةٍ عدنيّةٍ وحضرميّةٍ محدودةٍ جدا، إلى جانب مجموعة هايل سعيد أنعم التي تتصدرُ كلَّ المجموعاتِ التجاريّةِ في الاهتمام بالشّأنِ الثقافي والعلمي، إلى جانب اهتماماتها الإنسانية؛ ذلك أنّ ثمة جهلا مستفحلا بأهميّة إسهامِ الشركاتِ التجاريّة في الجانبِ الاجتماعي، إلى جانبِ الجشعِ الماديّ المفرط لدى أغلبيّةِ رجال المال والأعمال الذين يتغيّونَ الربح السّريع والوفير بلا أدنى التزامٍ أخلاقيٍ، أو اجتماعي تجاه المجتمع. ولطالما عرفنا مجموعاتٍ تجاريةٍ عملاقةٍ، وشركاتٍ تجارية كبرى تتبع "حُمران العيون"، اهتماماتها الثقافية والاجتماعية والإنسانية "صفر"..!

في الحقيقةِ تظلُّ مجموعة هائل سعيد أنعم سيدة المجموعات التجارية، بما تحمله من نبلٍ أخلاقي، والتزامٍ اجتماعي تجاه المجتمع، منذ تأسست وحتى اليوم، وفتشوا في كل محافظة من محافظات اليمنِ ستجدوا مشاريع بيت هايل في كل محافظة، وفي مختلف الجوانب: صحية، تعليمية، اجتماعية، ثقافية. ستجدوا بيت هايل بنت المساجد، شيّدت المدارس، أقامت المراكز الصّحية، دعمت المنح الدراسيّة.. إلخ.

هناك مؤسساتٌ قائمة على عطاءاتِ هذا البيت وخيره. وهناك بيوتاتٌ وأُسرٌ أيضًا قائمة على كرم وعطاء هذا البيت منذ عقود، لا في تعز فقط، المحافظة التي ينتمي إليه المؤسس هايل سعيد أنعم، رحمه الله، وإنما في مختلفِ مناطق اليمن، بلا تعصّبٍ أو تحيزٍ لهذه المدينة أو تلك.

بوسع هذه المجموعة التجاريّة الرائدة أن تُراكمَ ثراءها بأيةِ طريقة، وكيفما اتفق، كما تفعل كثيرٌ من المجموعاتِ والبيوتات التجارية الأخرى من "حُمران العيون" الذين لا يخطرُ ببالهم شيءٌ اسمه "التزام اجتماعي"، أو  "مبادرات إنسانية"، أو "ثقافية"، أو ما أشبه؛ لكنها لم تفعل، مواصلة الحفاظ على أخلاق المؤسس الأول ووصاياه.

مجموعة هائل سعيد أنعم الوحيدة من بين المجموعات التجاريّة اليمنية التي لها جائزةٌ علميّة محترمة باسم المؤسس، ولها مؤسسة ثقافيّة عملاقة أيضا باسمه، ولها جمعياتٌ خيريّة، ولها قبل كل شيءٍ احترام الناس وحبهم وتقديرهم.

نلحظُ بين أعين الناس وعلى ألسنتهم الغضبَ العارمَ والتعبيراتِ المتذمرة جراءَ استغلال كثيرٍ من البيوتاتِ التجاريّة لنفوذها في الدولة لمصالحها الشّخصيّة، عدا "مجموعة هايل" لا نكاد نسمع تذمرًا من مواطن أبدا، لثقته بنزاهةِ وعفّةِ وأخلاقِ هذه المجموعة التجاريّة. وهذا هو سِرُّ ديمومتها وتطورها منذ عقود.

باختصار.. بيت هايل.. بيت كل اليمنيين، ومحل تقديرهم واحترامهم، وهذا البيت التجاري إن خسرَ بعضَ المالِ في ظلّ هذه الجائحة، فإنه قد ربح الشّعبَ وضميرَه الجمعي.

ولئلا يذهبَ خيالُ البعضِ بعيدًا، كما هي عادتُهم، خاصّة في ظلّ أجواء ملبدةٍ بالتحيزاتِ المسبقةِ، والتعصبات المناطقيّةِ والجهوية، أقول للجميع: لم أحصل على أيّ منفعةٍ ماديّةٍ أو معنوية قط يومًا ما في حياتي من هذه المجموعة، وما أكتبُه هنا محضُ قناعةٍ تامّةٍ من خلال معرفتي المحدودةِ بما يقدمه هذا البيت التجاري العريق، وأنصح بقراءة كتاب: "أحلام الرجل الفاضل" للمرحوم سعيد الجناحي، رحمه الله، فقد أوضح الكثيرَ مما نجهله عن هذه الأسرةِ النبيلة.

رحمَ الله المؤسسَ الأول هائل سعيد أنعم، وحفظ الله أنجاله وأحفاده النبلاء الذين ساهموا في سبيلِ نهضةٍ اقتصاديّة وطنيّة وثقافيّة وإنسانيّة باذخة منذ عقود من الزمن وإلى اليوم.

من صفحة الكاتب على إكس