د. ثابت الأحمدي
إكليل الريحان على رأس العريس.. الجذور الأولى والتاريخ!
وقعت عيني على منشورٍ لأحد الكتاب يتساءل بامتعاضٍ عن طبيعةِ هذه الغصونِ الخضراء على رأس العريس، وللتو تذكرت ما قرأته في كتاب الدكتور فضل الجثام "مطارحات حميرية في عروبة الثقافة اليونانية" في العام 2009م بصنعاء، في مكتبة أستاذنا حيدر علي ناجي العزي.
هذه عادة يمنية موغلة في القدم؛ حيث كان اليمنيون القدماء يزينون هاماتهم بأكاليل الرياحين في المناسبات الفرائحية البهيجة، وفي حفلات الانتصارات، وفي النجاح بأخذ الثأر، ولا تزال باقية إلى اليوم لا عند الإنسان فقط؛ بل حتى إنهم يزينون رؤوس الثيران بأكاليل الريحان والأزّاب وأنواع المشاقر ليلة صرام الثمار في الجُرُن نهاية كل موسم زراعي، وفي بعض الأنشطة الزراعية أيضا، ليس ذلك فحسب؛ بل إن البيوت حين كان يتم الفراغ من بنائها لا بدّ من "التختيمة" وهي الشرفات البيضاء على أعاليها، والتي توازي أكاليل الرياحين على رأس العريس أو القائد المنتصر في الحرب، أو الناجح بأخذ ثأره. وقد وردت في نقش "قصر ناعط" باسم: "هشقرن" أي تشقيره، أو تشريفه، وتمتاز بها قصور يافع وبيوتها حتى الآن.
يؤكد هذا ما ذكره المؤرخون عن الملك اليماني حسان الأول بن أبي كرب أسعد، ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمانت وأعرابهم طودا وتهامة، وذلك في القرن السابع قبل الميلاد، في حملته العسكرية المعروفة على جديس، لغدرهم بطسم، فقد زينوا هاماتهم بالرياحين، وحين أبصرتهم زرقاء اليمامة أنذرت قومها قائلة: يا معشر جديس لقد سار إليكم الشجر أو طرقتكم حمير.. إلخ.
وقد كانت هذه العادة ــ حسب الباحث الدكتور فضل الجثام ــ منتشرة في قبائل سرو حمير، ولا تزال إلى اليوم.
وعلى الأرجح فقد تسربت إلى اليونان بعد ذلك، فقد كان القادة الرومانيون يزينون هاماتهم بأكاليل الغار، حتى ارتبط هذا التقليد بالنبل والشرف والأصالة، كما ارتبط بالشعراء والفنانين والفلاسفة، فنراهم غالبًا ما يرتدون إكليلاً من الغار، إما على شكل دائرة أو دائرة متقطعة على رؤوسهم وصدورهم.
وفي أسطورة "أبولو" عاشق "دافن" اليونانية أنه بعد أن تحولت "دافن" إلى شجرة احتضنها أبولو بلهفة، قائلا لها: لم يعد بوسعك أن تكوني زوجة لي، فلتكوني شجرتي إذن، وليكن في أوراقك إكليل تزدان به إلى الأبد لُمتي وقيثارتي وجعبة سهامي". "اللمّة" مقدمة شعر الرأس.
من صفحة الكاتب على منصة إكس