لؤي سلطان
فترة حكم علي صالح.. الحقبة الجمهورية الخالدة في تاريخ اليمن
لم تستطع السردية التنكرية التي تعرض لها الرئيس علي عبدالله صالح وفترة حكمه، من قبل معارضيه، أن تنفي حقيقة أن صالح منذ أن تولى الحكم في شمال اليمن، استطاع بحنكته وفطنته أن يترجم أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر عملياً واقعياً.
إذ نجح في توحيد اليمن وشيد مؤسسات الدولة ودخلت اليمن في تجربة ديموقراطية حقيقية، وشيدت مشاريع تنموية في عموم البلد، واستمد شرعيته في الحكم عبر الانتخابات.
أثناء حكم صالح، امتلكنا المعالم العريضة لشخصيتنا الوطنية الجمهورية، وصيغة عظيمة للوجود المشترك، عبر مؤسسات ذات نهج حضاري، كانت الحرية والديمقراطية والإبداع والمقدرة هي الوسائل التي تمنح الأفراد الوصول إلى المناصب، سواءً في السلطات المحلية أو في مناصب البرلمان وغيرها.
كانت سردية المعارضة ضد صالح تنطلق من الرفض حول الطرق والوسائل التي بواسطتها ترجم بها أهداف سبتمبر، بما في ذلك طرق ووسائل تحقيق الوحدة الوطنية، حتى وصلت تلك السردية إلى ادعاء أن التجربة الديمقراطية حديثة النشأة بأنها تجربة مزيفة!
واليوم وبعد اندلاع الحرب، وعودة الإمامة بنسختها الجديد "مليشيا الحوثي" وما أحدثته من عودة اليمن إلى عهد الفوضى والتشظي والفقر وانتشار الأوبئة، إلا يجدر بنا قراءة ودراسة فترة حكم الرئيس صالح، قراءة منهجية كتلك التي درس بها الفرنسيون نابليون بونابرت وفترة حكمه، بعد أن كان قد تعرض للتنكر والجحود كما تعرض لها صالح وفترة حكمه.
وعلى الرغم من أن صالح لم ينقلب على أهداف ثورة 26 سبتمبر التي أرست مبادئ الحرية والمساواة والديمقراطية كأساس قانوني للجمهورية، بل قاد الثورة وشيد بأهدافها دولة جمهورية تربعت قطعة واحدة في ركن الجزيرة العربية.
وهو عكس ما فعله نابليون بعد قيام الثورة الفرنسية، إذ تولى الحكم وقام بتتويج نفسه امبراطوريا للفرنسيين وقمعهم بعد ذلك وأسس دولة بوليسية واتجه لغزو أوروبا والشرق الأوسط وكان الكثير من الفرنسيين ينظرون له كمجرم وطاغية أضاع ثورتهم، غير أنه ونتيجة لعودة الملكية للحكم مجدداً لنصف قرن بعد هزيمة نابليون، لم يجد الفرنسيون في مقاومتهم الحكم الملكي الذي عاد، إلا إرث وإنجازات نابليون، ووضعوه كأعظم شخصية في فرنسا ورجل ملهم، وتحول نقد وتنكر الفرنسيين على الإمبراطور إلى مصدر فخر ومجد لا ينتهي لفرنسا.
برر الفرنسيون عنف واستبداد نابليون بأنه شرعي ومنطقي لأن هدفه كان عظيم وبات حتى اللحظة الشخصية الملهمة للفرنسيين والجمهورية الفرنسية.
لم تكن فرنسا بعد ثورتها وفي مرحلتها الجمهورية الأولى، بمنأى عن وقوع أحداث مهولة من القمع والحرب والظلم وتحققت العادلة والمساواة والحرية بصورة كاملة، وبلغت ذروة مجدها الإنساني دفعة واحدة، بل نمت وتطورت في حقب زمنية طويلة.
وفي ظل الصعوبات التي يواجهها اليمنيون اليوم، في استعادة جمهوريتهم وهزيمة الإمامة الحوثية، أليس الأجدر بالعقلاء القول إن أساليب حكم صالح وطرقه التي حكم بها ووحد اليمن بها، هي النهج السياسي الصحيح لليمن، واننا لن نجد إلا إرث صالح في مقاومة الإمامة الحوثية!
بالعودة إلى تاريخ اليمن، لن نجد تجربة سياسة ملهمة لإعادة التوحد الوطني ونظرية مناسبة لحكم اليمن كما هي تجربة الرئيس علي صالح، لا التجربة الامامية ناجحة ولا التجارب التاريخية للاستعمار التركي والبريطاني يمكن أن تسعفنا في الاسترشاد بصوابيتها.
وخلاصة القول، أليس الأجدر إعادة قراءة حكم صالح كتجربة يمنية خالية من الأحكام المسبقة، سواءً كانت أحكام التنكر والإدانة أو أحكام التبجيل والعاطفة الغشيمة، والاستلهام منها ما يمكن أن يسعفنا في استعادة الجمهورية وهزيمة الإمامة الجديدة!