بسام الإرياني

بسام الإرياني

تابعنى على

ذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي هاجس يرهق مليشيا الحوثي

منذ ساعة و 53 دقيقة

تأتي ذكرى تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام في الفترة الراهنة وفي ظروف سياسية عصيبة مازالت تعيشه اليمن، ومع ذلك فإن هذه المناسبة لا تزال تحمل رمزية كبيرة لليمنيين بما تُمثله من تاريخ طويل في العمل السياسي الوطني وتجربة رائدة في التعددية الحزبية التي تأسست عليها الجمهورية اليمنية الحديثة، لكن على الضفة الأخرى تتحول هذه الذكرى إلى هاجس يقض مضاجع مليشيا الحوثي التي تدرك تماماً أن المؤتمر الشعبي لم يمت وأنه لا يزال ركيزة أساسية يعوّل عليها اليمنيون في استعادة دولتهم وإنقاذ بلدهم من المأزق الذي دفعتهم إليه هذه المليشيات؛ ولقد سعت مليشيا الحوثي إلى مصادرة الحياة السياسية والفكرية وإغلاق كل مساحات الحرية والتعددية، بل لا مكان في قاموسها لكلمات مثل: الديمقراطية، أو حرية الرأي، أو التنافس السياسي الشريف، القاموس الوحيد الذي تحتكم إليه المليشيا قائم على "السمع والطاعة" لزعيمها الذي تصفه كرمز مطلق، في صورة تعيد إلى الأذهان فكرة "هُبل الكبير"، حيث يتحول عبدالملك الحوثي إلى مركز الطاعة المطلقة، فيما يتحول بقية الأتباع إلى أدوات خاضعة لا صوت لها ولا رأي.

عندما تأسس المؤتمر الشعبي العام في 24 أغسطس 1982 كحزب وطني يتسع لكل اليمنيين علّم أبناءه معنى الحرية والتعددية والقبول بالآخر، بل هي الرؤية التي سار ويسير عليها، وفتح أبوابه لكل الأطياف من دون استثناء أو تمييز، لم يكن في أدبيات المؤتمر ما يفرق بين مواطن وآخر على أساس السلالة أو الجهة أو الانتماء، بل كان المبدأ الأساسي هو أن جميع اليمنيين تجمعهم هوية وطنية واحدة وأن أي اختلافات سياسية تُدار بالحوار والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، هذه القيم التي تأسس عليها المؤتمر الشعبي هي بالتحديد ما يرهق الحوثي، لأنها تمثل نقيض مشروعه الطائفي الضيق؛ إن خوف مليشيا الحوثي من ذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي ليس مجرد حساسية من مناسبة سياسية عابرة بل هو خوف استراتيجي من عودة الروح الوطنية إلى الشارع اليمني، فكل ذكرى وطنية وكل احتفال حزبي ونضالي وثوري، يُذكر اليمنيين بأن لهم تاريخاً سياسياً متجذراً، وبأنهم ليسوا مجرد رعايا في "ولاية الفقيه"، بل شعب حر قادر على بناء دولة مدنية قائمة على المواطنة المتساوية، لهذا السبب تعمل المليشيا على إلغاء كل المناسبات الوطنية، من ذكرى الثورة والجمهورية إلى ذكرى تأسيس الأحزاب الوطنية، لأنها تعلم أن مجرد استعادة هذه الذكريات كفيل بإشعال شعلة المقاومة في النفوس.

المؤتمر الشعبي العام ليس مجرد حزب سياسي تقليدي، بل هو مصنع للقادة السياسيين والإداريين الذين صنعوا تجربة الدولة اليمنية في العقود الماضية والحاضرة وفي المستقبل، فكثير من الكفاءات التي قادت الوزارات والإدارات ومؤسسات الدولة تخرجت من تحت مظلة المؤتمر، ولهذا فإن عودة المؤتمر إلى الواجهة تعني ببساطة إعادة إنتاج البديل الوطني للدولة المختطفة بيد المليشيات، وهذا ما تخشاه مليشيا الحوثي أكثر من أي شيء آخر؛ اليمنيون اليوم رغم المعاناة الكبيرة التي يعيشونها تحت جبروت مليشيا الحوثي، ما زالوا يتطلعون إلى المؤتمر الشعبي كحزب قادر على استعادة التوازن السياسي، وإعادة الاعتبار لقيم الوطنية والديمقراطية والحرية، ذكرى تأسيس المؤتمر لهذا العام ليست مجرد رقم يضاف إلى تاريخه، بل هي رسالة واضحة بأن الوطنية لا تزال حية في الوجدان، وأن محاولات الحوثي لمصادرة السياسة والفكر لن تنجح في محو ذاكرة وطنية تمتد لعقود؛ وإن قمع المليشيا لأي صوت سياسي أو وطني ليس إلا تعبيراً عن ضعفها الداخلي وخوفها العميق من مواجهة الحقيقة: أن اليمنيين في جوهرهم أحرار، وأنهم لن يقبلوا العبودية الفكرية أو الطاعة العمياء مهما طال أمد القمع، والمفارقة أن كل محاولة حوثية لإلغاء ذكرى أو مناسبة وطنية تتحول في الوعي الشعبي إلى طاقة جديدة تُغذي الروح الوطنية وتزيد من عزيمة اليمنيين على المقاومة؛ 

سيبقى المؤتمر الشعبي العام برمزيته الوطنية وقيمه الديمقراطية شوكة في حلق مليشيا الحوثي ومن على شاكلته، وهاجساً يطاردهم في كل ذكرى، فالوطنية لا تُمحى بقرار ولا يمكن لمليشيا مسلحة أن تصادرها من قلوب اليمنيين، بل على العكس كلما حاول الحوثي طمسها ازدادت جذوتها اشتعالاً وأصبح طريق الخلاص أكثر وضوحاً في أعين شعب يتطلع إلى غدٍ أفضل.