محمد اليونسي

محمد اليونسي

تابعنى على

عودة القرار الجنوبي

منذ 46 دقيقة

ما جرى لم يعد أحداثًا عابرة، بل واقعًا ثابتًا اكتملت ملامحه على الأرض، ولا مجال للتراجع عنه. وكل المؤشرات تقول إن التصعيد القادم نتيجة طبيعية لما تراكم خلال السنوات الماضية.

الجنوب تحرر قبل عشر سنوات بثمن باهظ؛ دماء وأبطال ومبانٍ مدمرة تشهد أن التحرير كان قرار شعب لا منة لأحد فيه. لكن بدل انتشاله وإعادة بنائه ولو بمشروع مارشالي مصغر، حدث العكس؛ فتم سحقه عبر سياسات متتابعة: أسر الشهداء تركت لمصيرها، والجرحى بلا علاج، والرواتب مقطوعة، والكهرباء معدومة، والتوظيف صفر، والعملة يعبث بها عمدًا رغم القدرة على تثبيتها كما حصل مؤخرًا.

والأخطر من ذلك كان الربط القسري بين عدن المحررة وصنعاء المحتلة؛ ربطًا مقصودًا يجعل الجنوب مرتهنًا لإمضاء مشرف خوثي. بطاقة شخصية لا تستخرج إلا بتوقيع صنعاء، وشريحة اتصال لا تمنح إلا من شركات الميليشيا. وحين جاءت شركة إماراتية لفتح اتصال مستقل في عدن، تحركت نخب الشرعية في الخارج، وللأسف بعض الأصوات في مأرب وتعز، لإفشاله… فقط كي يبقى الجنوب مربوطًا بصنعاء!

كانت الرسالة واضحة: لن تنعم عدن بالراحة ما دامت صنعاء تحت الاحتلال.

وكأن الذنب ذنب عدن؛ المدينة التي دفعت الثمن مرتين: يوم التحرير، ومرة في فاتورة ما بعد التحرير.

الانتقالي من جانبه انساق حينها خلف نغمة “تحرير صنعاء”، ظنًا منه أن المسألة مجرد ترتيبات لوقت قصير، بينما الحقيقة أن المعركة كانت تدار ضده في قلب عدن وحضرموت وأبين. ومن اتفاق العار المسمى ستوكهولم، إلى الشراكة، إلى المجلس الرئاسي… كل خطوة قُدمت على أنها لمواجهة الحوثي كانت في الواقع خطوة إضافية لخنق الجنوب وإحكام القبضة عليه، فيما تصير صنعاء أبعد.

وما حدث أخيرًا من تمدد للانتقالي على كامل مساحة الجنوب لم يكن انقلابًا على المشهد، بل عودة طبيعية لموقع تأخر كثيرًا. ما جرى ليس نهاية الطريق، بل بدايته. وسوف تتبعه، بشكل منطقي، خطوات أكثر استقلالًا: حكومة جنوبية مصغرة، وقرار مستقل، ومنع شرعية المنفى من العودة إلا بصفتها سلطة شمالية تُعنى بتحرير أرضها فقط.

الجنوب الذي تحمل حربين، ودفع فاتورة التحرير مرتين، وتعرض لعشر سنوات من الخنق الممنهج، لن يعود إلى الوراء، مهما كانت الضغوط… فما بدأ اليوم ليس مشروع سلطة، بل مشروع استعادة وطن.

 من صفحة الكاتب على الفيسبوك