عادل الهرش

عادل الهرش

تابعنى على

اتفاق مسقط.. استكهولم جديد لإنقاذ العدو الحوثي

منذ 3 ساعات و 44 دقيقة

ماحدث في مسقط من اتفاق لإطلاق الأسرى لم تكن حدثًا إنسانيًا خالصًا أو خطوة معزولة، بل جاءت نتيجة ضغوط ميدانية غير مسبوقة أربكت الحوثي وأجبرته على التراجع التكتيكي. فقد سبق هذه الصفقة حصار بحري محكم فرضته قوات المقاومة الوطنية، قطع أحد أهم شرايين الإمداد والتهريب، وضيّق الخناق على قدراته العسكرية والاقتصادية، ليجد نفسه لأول مرة أمام دائرة نار تقترب منه برًا وبحرًا معًا. وفي الوقت ذاته، تحركت القوات الجنوبية في حضرموت والمهرة لتغلق منافذ التهريب البرية التي طالما اعتمد عليها الحوثي، ما وضعه في حالة شبه حصار شامل. ومع تصاعد الجاهزية القتالية للقوات الجمهورية شمالًا، وحديث جاد عن معركة تحرير صنعاء واستعادة مؤسسات الدولة، وجد الحوثي نفسه أمام واقع جديد لا يمكن إنكاره.  

في هذا التوقيت، أظهر الحوثي ليونة مفاجئة في ملف الأسرى. ورغم عشرات الجولات السابقة من المفاوضات، ظل يرفض إطلاق المناضل محمد قحطان أو حتى الكشف عن مصيره، مستغلًا قضيته كورقة ابتزاز سياسي وإنساني. لم يتغيّر هذا الموقف إلا حين شعر بأن الخيار العسكري بات جديًا، وأن استمرار التعنت قد يفتح عليه معركة لا يستطيع تحمل تبعاتها. لكن قراءة هذه الصفقة بمعزل عن السياق العام تمثل خطأً استراتيجيًا جسيمًا، فما جرى ليس تحولًا في سلوك الحوثي، بل مناورة سياسية محسوبة هدفها كسب الوقت، تخفيف الضغط، وإعادة تسويق نفسه دوليًا كطرف “مرن” يمكن إشراكه في عملية سياسية جديدة.  

وهنا تكمن الخطورة، إذ يعيد ما حدث إلى الأذهان اتفاق ستوكهولم نهاية عام 2018، الذي أنقذ الحوثي من هزيمة محققة في الحديدة وأوقف معركة كانت كفيلة بتغيير مسار الحرب، ليمنحه فرصة لإعادة ترتيب صفوفه وتعزيز سيطرته. واليوم، تبدو صفقة مسقط نسخة محدثة من ذلك السيناريو، لكن بغطاء إنساني. فالهدف الاستراتيجي للحوثي من هذه الصفقات واضح، وهو فرض عملية سياسية مشوّهة يُعاد من خلالها تقديمه شريكًا في حكم مناطق الشمال، مع إبقاء الحكومة الشرعية في حالة ضعف وتيه بلا سيادة فعلية، أي شرعنة الانقلاب بدل إنهائه، وتجميد الصراع بدل حسمه.  

من هنا، يصبح التحذير واجبًا، فالحكومة الشرعية مطالبة بعدم الوقوع مجددًا في فخ التسويات المرحلية التي أثبتت فشلها. فالوضع لم يعد يحتمل إعادة إنتاج الأخطاء، والشعب اليمني سئم من الاتفاقات التي تنقذ الحوثي وتطيل عمر المعاناة. لقد أثبتت الوقائع أن كل هدنة بلا حسم تُنقذ الحوثي، وكل صفقة بلا مشروع وطني تُفرغ التضحيات من معناها. إن تحرير الشمال لم يعد خيارًا مؤجلًا، بل ضرورة وطنية واستراتيجية لقطع الطريق أمام إعادة تدوير الانقلاب، ولضمان إطلاق جميع الأسرى، وإنهاء سياسة الابتزاز، واستعادة الدولة كاملة غير منقوصة. فالتحرير هو الحل، أما الصفقات فليست سوى ستوكهولم جديدة بوجوه مختلفة.  

ويبقى السؤال الجوهري الذي لا يمكن تجاوزه: أين كان مجلس الأمن والأمم المتحدة والحكومة الشرعية من كل الاتفاقات السابقة التي نكثها الحوثي ولم ينفذ منها شيئًا؟ لقد مرّت سنوات من القرارات والوعود الدولية التي بقيت حبرًا على ورق، فيما الشعب اليمني يعيش في سجن كبير في شمال البلاد تحت سلطة انقلابية لا تعترف بالقانون ولا بالإنسانية. إن صمت المجتمع الدولي وتراخي الحكومة الشرعية جعلا من تلك الاتفاقات مجرد أوراق إنقاذ للحوثي بدل أن تكون أدوات لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة. والمسؤولية اليوم ليست فقط على الحوثي الذي اعتاد المراوغة، بل أيضًا على الأطراف الدولية والشرعية التي سمحت بتكرار السيناريو ذاته وأبقت الشعب رهينة لمعادلات التسويف والمساومات.