فارس جميل

فارس جميل

عن ثورة النساء بصنعاء

Sunday 07 October 2018 الساعة 09:00 pm

إنها المرة الأولى التي تتصدر فيها المرأة اليمنية احتجاجاً شعبياً، والمرأة هنا ليست نجماً اجتماعياً، وليست ناشطة حقوقية معروفة، وليست تابعة لحزب سياسي، بل هي المرأة اليمنية العادية الغاضبة من صمت الرجال على جرائم الحوثي، فبادرت بالخروج لرفض الجماعة الأسوأ في تاريخ البلاد، وفي أشد مراحل القمع بصنعاء.

أغلقت شوارع صنعاء حول الميادين العامة، وانتشرت نقاط التفتيش في كل الشوارع، واستقدمت مجاميع مسلحة من ذمار وصعدة استعداداً لخروج الشعب ضد الحوثيين، إلا أن تلك الإجراءات لم تنجح في منع الخروج ضد الحوثيين، وإن حدت منه كثيراً، خاصة مع عدم وجود تنظيم سياسي يقود الاحتجاجات الشعبية، بل كانت ممارسات الميليشيا القمعية الفاسدة والوقحة هي الدافع للخروج.

كانت كل الأحاديث المبشرة بقدوم ثورة في صنعاء تسميها (ثورة الجياع)، لكنها تحولت على الأرض إلى (ثورة النساء)، ولأول مرة في تاريخ اليمن يتم اعتقال وضرب (18 طالبة جامعية) دفعة واحدة، بل إن اعتقال النساء محرم اجتماعياً في البلد مع استثناءات بسيطة جداً.

خرجت النساء بعد يومين فقط على خطاب لعبدالملك الحوثي أشاد بخروج مظاهرات في عدن وتعز ضد انهيار العملة الوطنية مؤخراً، فالإشادة تمت لأن تلك المظاهرات لم تكن موجهة ضد جماعته، فقد حذر في ذات الخطاب من الخروج ضد جماعته في مظاهرات مماثلة.

نفذ الحوثيون عروضاً عسكرية في بعض شوارع صنعاء، وداخل حرم جامعتها، في محاولة لإرهاب الناس من الخروج ضدهم، وكان من اللافت للانتباه وجود مسلحين حوثيين يرتدون جاكتات حمراء اللون مكتوب عليها (GRAYS) في ميدان التحرير الذي تم إغلاقه منذ مساء الجمعة، ولا أحد يعلم من يتبع هؤلاء.

في وقت مبكر من صباح السبت، جابت الأطقم العسكرية شوارع المدينة، وانتشرت مجاميع نسائية تابعة للحوثيين بالهراوات والعصي الكهربائية، يطلق عليهن (الزينبيات) ومهمتهن ضرب واعتقال النساء وتفتيشهن بإشراف مباشر لمسلحين حوثيين، لمنع أي تدخل ضد الزينبيات أثناء اعتدائهن على طالبات جامعة صنعاء، كما حدث مع الأديب المعروف أحمد ناجي أحمد عند محاولته إنقاذ إحدى الطالبات من قبضة امرأتين من الزينبيات، حسب ما نشره على صفحته الفيسبوكية.

هذا القمع والرعب الذي حاولت الجماعة إشاعته بين الناس، لم يمنع الطالبة الجامعية (آزال) من الدفاع عن زميلاتها بالهجوم على إحدى الزينبيات والاستيلاء على الصاعق الكهربائي الذي استخدمته ضد زميلاتها، والقيام بتوجيهه إليها قبل اعتقال آزال واقتيادها مع زميلاتها إلى قسم الشرطة.

تم الإفراج عن بعض الطالبات بعد أخذ رهائن من أهاليهن ووضعهم في المعتقلات بدلاً عنهن، حسب تأكيدات متعددة، ونظام الرهائن في اليمن كان شائعاً خلال حكم الأئمة قبل ثورة 26 سبتمبر 1962، وتحاول جماعة الحوثيين إعادته مع أسوأ ممارسات الأئمة ضد الشعب اليمني، ضمن مساعيها لإعادة الحكم السلالي ومصادرة الجمهورية.

ليلة الجمعة، وقبل ساعات من موعد خروج المظاهرات بصنعاء، نشر الحوثيون فيديو قصيراً في قناة المسيرة ومواقع التواصل الاجتماعي التابعة لهم، تضمن تسجيلاً للناشط علي الشرعبي الذي اعتقلته الجماعة يوم 17 سبتمبر الماضي دون تهمة واضحة، بل على خلفية منشورات له على الفيسبوك، كما أفاد قسم الشرطة حينها.

فجأة ظهر الشرعبي يتحدث عن وجود مخطط لأحزاب سياسية يمنية يدار من القاهرة، ويهدف إلى خروج احتجاجات واسعة ضد الحوثيين، وبدا واضحاً أن هناك محاولات حوثية لتحويل كل خروج ضد ممارساتهم التجويعية إلى مؤامرة ضد الجماعة واليمن، فأجبرت الشرعبي على الاعتراف بوجود مؤامرة لإخراج الناس.

خلال التسجيل القصير (دقيقتان ونصف تقريباً) تغير وجه وشعر علي الشرعبي أربع مرات، حيث ظهر مسرحاً للوهلة الأولى ثم منكوشاً بطرق مختلفة للمرات التالية، كدليل على تعرضه للضرب والإهانة خلال التصوير لقول ما أرادت الجماعة قوله على لسانه.

تحول فيديو الشرعبي إلى إدانة للجماعة بدلاً عن هدفها باستخدامه كإدانة ضده باعتباره عضواً خطيراً في خلية تآمرية، حسب قولها.. فهو لم يقم بتسمية تلك الأحزاب التي تحدث عنها، ولم يقل إنه عضو خلية، أو مشارك في أي نشاط مما أرادوا نسبته إليه، وذلك ربما هو ما دفع المسؤول في المعتقل للاعتداء عليه أثناء التسجيل.

ممارسات الحوثيين القمعية العنيفة ضد منتقديها ومن حاولوا الخروج ضدها، ضاعفت نقمة الشارع اليمني وغضبه ضدها، وخلقت دافعاً جديداً لمعارضتها بكل الوسائل، وإن كانت الوسائل المدنية السلمية ضد ميليشيا مسلحة بلا أفق واضح، فالسلاح وحده اللغة التي تفهمها هذه الميليشيا.

راهن الناس على القبيلة اليمنية لمواجهة الحوثيين، فبادرت النساء للقيام بدور القبيلة وشيوخها وسلاحها وسطوتها التي حولتها إلى قوة موازية للدولة في اليمن.

صوت الرجال المرفوع ضد الحوثيين لم يكن كافياً، من وجهة نظر النساء اليمنيات، فسجلن موقفاً أكثر شجاعة من مواقف كل قيادات الأحزاب اليمنية المناهضة للحوثي، والتي لم يتجرأ أي منها على تنظيم فعل مدني مناهض للجماعة بشكل علني.

سيظل يوم السادس من أكتوبر 2018 يوماً فارقاً في تاريخ اليمن، وفي تاريخ الحوثيين، كبذرة شعبية أولى لتوجيه الغضب الشعبي العارم في مساره الصحيح، ممهوراً بتوقيع المرأة اليمنية الشجاعة، ولن يصمت الرجال الذين شاركوا بقوة في مناهضة الجماعة، لكنها مشاركة متوقعة ومعهودة، بعكس تصدر المرأة للمشهد اليمني اليوم.

عند خروج النساء للمطالبة بجثمان الرئيس السابق علي عبدالله صالح، تم احتسابهن على حزب المؤتمر، لكنهن اليوم كل اليمن بمناطقه وكياناته المختلفة، وقد خرجن في وقت يرى الحوثيون أنفسهم في ذروة القوة والسيطرة، فغيرن هذه النظرة إلى الأبد.