إخلاص القرشي

إخلاص القرشي

تابعنى على

نازحات يمنيات في معاناة مريرة بالخارج

Monday 19 November 2018 الساعة 07:52 am

اليوم على السلم المتحرك في محطة مترو العتبة والذي كان يضج بالواقفين من البشر من كل الأصناف العمرية في ساعة الذروة لعودة الموظفين بعد الدوام الرسمي.. سَرَتْ إلى أنفي رائحة لايمكن أن يخطئها أي يمني.. حاولت أن أشرئب بعنقي بفضول علَّني أصل إلى مصدر الرائحة.. لمحت من مسافةِِ بسيطة امرأة في أواخر الأربعين أو منتصفها ترتدي بالطو أسود وعلى رأسها حجاب يمني.. تحمل بيدها اليسرى كيساً مليئاً بأغراض لم أتبين كنهها، وتُمسك باليد الأخرى بيد طفلةِِ في العاشرة من عمرها تحمل خلف ظهرها حقيبة مدرسية، حاولت أن أشق طريقي بين الجموع الواقفة كي أصل إلى المرأة.. وحط بنا السلم عند بوابة الخروج.. اقتربت منها وبادرتها:
مساء الخير.. الأخت يمنية؟؟ 
ترددت المرأة لثوانٍ قليلة بالرد على الشق الثاني من سؤالي، وارتسمت على وجهها الشاحب الذي طبعت فيه الأيام معاناة إنسانية وألم يكسرك حين تنظر إلى عينيها، بدت عليها ملامح القلق والاستغراب، وكأنها تقول لماذا السؤال؟؟ 
أدركتُ ما كان يدور في خَلَدها.. فطمأنتُها: لا تقلقي أنا يمنية.. وشدتني رائحة البخور الشذية التي تفوح منك..
وكأنها اطمأنت إلى كلامي فردت: 
-أنا أعمل بخور وابيعه على اليمنيين كي أعيش وأصرف على أولادي. وأقوم أيضا بطبخ وجبات يمنية وابيعها على احد المطاعم اليمنية.. لأتمكن من دفع إيجار الغرفتين التي نسكنها أنا وأولادي.

سألتها: ألا يوجد لديكم عائل؟ 
ردت المرأة بلهجة دارجة بسيطة تجلى فيها الألم واضحا: انتقل إلى ربه منذ عام.

وتضيف: جئنا إلى القاهرة من تعز للعلاج بعد أن أُصيبَ زوجي إصابات خطيرة بسبب صاروخ أدى إلى بتر ساقيه.

ورداً على استفسار آخر مني.. قالت: لم أرغب في العودة.. فقدنا منزلنا وكل ما نملك في هذه الحرب.. بقيت في القاهرة لأحفظ حياة أولادي وأجنبهم مصير أبيهم.

سألتها: هل تكسبين ما يغطي احتياجاتكم كلها؟ 
أجابت وفي إجابتها حسرة ألم أحسست بها تمزق فؤادي:
- الحمدلله نعيش بستر الله.

اعتذرت لها وودعتها بعد أن تبادلت معها ارقام الهواتف.. على وعد مني بزيارتها قريبا.

الهدف من كتابة هذه الواقعة، هو إبراز المعاناة والمأساة الإنسانية التي تعيشها النازحات اليمنيات.. ومدى العزيمة في العيش بكرامة لهن ولأولادهن.

هناك بالطبع يمنيون يعيشون في بحبوحة رغيدة.. وكأن ما يحدث في البلاد لا يعنيهم، وهم أقلية..
لكن الأغلبية من الذين تمكنوا من النزوح هم من الطبقة المتوسطة أو المستورة برعاية من الله.. وهم الذين يعانون ويدفعون صحتهم وجهدهم وحياتهم ثمناً لهذه الحرب. 
بعيداً عن مسؤولية الدولة التي لاتعرف عن معاناتهم.. ولا حتى إحصائية بعددهم وأي المناطق يعيشون؟؟ لأني اكتشفت أن كثيرين يعيشون في بعض قرى ومحافظات مصر بعيداً عن العاصمة هرباً من الغلاء.

* إعلامية يمنية

* من صفحة الكاتبة علی (الفيس بوك)