د. صادق القاضي

د. صادق القاضي

تابعنى على

شرعية.. في بلد المليون انقلاب!

Monday 23 September 2019 الساعة 09:28 am

أدري.. سينزعج الذين يؤمنون ببعض الانقلابات ويكفرون ببعض، لكن هذا ما حدث:

لم تتعرض "الشرعية" في اليمن لانقلاب واحد أو اثنين، بل لسلسلة من الانقلابات المتتالية، والمترابطة سببياً. بدءاً من:

- حرب صيف 1994: كانقلاب عسكري وسياسي ودستوري.. على نظام الوحدة التوافقي.

لكن البوابة الحقيقية للجحيم انفتحت مع بداية "الربيع العربي"، على شكل طفرة كمية ونوعية من الانقلابات والشرعيات والإزاحات والتحجيم:

- أحداث 2011: كانقلاب ثوري على "شرعية منتخبة" ومحاولة إزاحتها بـ"شرعية ثورية".

- المبادرة الخليجية: كتدخل إقليمي للتوفيق بين الشرعيتين الثورية والمنتخبة.. لصالح شرعية ثالثة توافقية.

- انتخاب الرئيس هادي: إزاحة الشرعية التوافقية إلى حدٍ ما.. لصالح شرعية منتخبة.

- البند السابع: تحجيم الشرعية المحلية لصالح الشرعية الأممية.

- التمديد للرئيس هادي 2014: كانقلاب سياسي على مقررات الشرعيتين الانتخابية والتوافقية.

- الجائحة الحوثية 2014: كانقلاب ميليشياتي على الشرعية المنتخبة وشرعية الإجماع الوطني. وعلى الدستور والنظام الجمهوري.

- استحواذ الإخوان على إدارة هادي من 2015: كانقلاب إداري على كيان وقرار ومقدرات الشرعية.

يمكن الحديث عن انقلابات أخرى، مثل:

- سيطرة الميليشيات العسكرية للإخوان على تعز ومأرب من 2014.

- وسيطرة قوات "المجلس الانتقالي" على عدن وأبين 2019.

في الحالتين هناك مركز قوى، فرض سلطات الأمر الواقع على الأرض، على حساب الدولة والشرعية.

لكنها انقلابات جزئية ضمنية، وهذا لا يقلل من خطورتها، وبالذات أن الوضع الراهن في المناطق المحسوبة على الشرعية يحتمل انقلابات جزئية أخرى في الشرق والغرب والجنوب..!

بل إن وضع الشرعية وأداءها يفتح الباب على مصراعيه لانقلابات جزئية ضمنية أصغر وأصغر.. ما قد يتيح في النهاية لأي "فتوّة" أن يكون رئيس جمهورية حارته.!

هكذا كما في بعض روايات نجيب محفوظ، أو -عملياً- كما في بعض حارات مدينة تعز، كنموذج قابل للتعميم في ظل غياب الدولة والتفتت المطرد للسلطة، وعلى حساب البقية الباقية من القيمة الاعتبارية الجامعة للشرعية.

في المحصلة نحن في بلاد مثخنة بالانقلابات، انقلابات من كل نوع، وفي كل جانب، وعلى كل مستوى:

- انقلابات متعددة ومركبة..

- انقلابات معلنة وغير معلنة.

- سلطات أمر واقع خارج الشرعية تتكاثر باطراد.

- أسلحة وجيوش خارج الدولة.

- دول ودويلات وإمارات مستقلة أو شبه مستقلة أو على وشك الاستقلال.

مشكلة في غاية الخطورة والتعقيد، والأخطر وضع "شرعية الرئيس هادي"، فهي عملياً عالقة في المنفى، ونظرياً معلقة في الفراغ، خارج فلك الواقع اليمني في الداخل، وفي معزل عن أي علاقة مهمة وفاعلة مباشرة.. بالأرض والإنسان.!

من حق بعضهم أن يراهن على الرئيس هادي في تدارك الوضع بانقلاب أخير لتخليص الشرعية من الكيانات المتلبسة والملتبسة بها، وإصلاح ما أفسدته سياساته وقراراته الكارثية خلال السنوات الماضية.!

لكن الأمر أشبه بانتظار حدوث معجزة.. لم يكن ولم يعد في جعبة هذا الرجل ما يمكن أن يخدم به القضية اليمنية، ولعل أفضل ما يمكن أن يقدمه للشرعية هو تقديم استقالته.

• كيف ستكون الشرعية من بعده؟!

لا أحد يدري.. لكن من المهم الفصل بين شرعيته كشرعية شخصية تمثيلية آنية، وبين "الشرعية اليمنية" المجردة المتعالية على الأشخاص والكيانات، والتي هي أكبر من الأطراف المتصارعة، ومن مشاريعهم وكياناتهم العابرة.

القضية اليوم هي إنقاذ هذه الشرعية المبدئية، وهي قضية وجودية مصيرية شاملة.. تتعلق بحياة ومصالح ومستقبل كل فرد وشريحة وفئة وحزب ومركز قوى.. في بلد مكتظٍ بالانقلابات والشرعيات، وعلى وشك التشظي.. ربما إلى غير رجعة..!