د. عيدروس نصر

د. عيدروس نصر

تابعنى على

انفجار بيروت.. تقصير أم تدبير؟!

Friday 07 August 2020 الساعة 10:27 am

بلغ انفجار وحريق بيروت درجة من الهول والضخامة صعب معها على الكثير استحضار المفردات المعبرة عن حجمه وآثاره وعواقبه السياسية والاجتماعية والإنسانية والاقتصادية والنفسية، حتى بلغ الأمر بمحافظ بيروت أن وصفه وكان يبكي، بأنه صورة من هيروشيما وناجازاكي.

قد بختلط المجاز بالحقيقة وقد يتشابه أو يتطابق المشبه مع المشبه به، لكن مما لا شك فيه أن حادثة انفجار مرفأ بيروت قد فاقت كل توقع، وستستدعي زمنا قد يطول حتى يمكن توصيفها بالتوصيف المناسب لهولها وضخامتها وتداعياتها.

لندع هذا جانبا ونتجه لسبر أغوار التوقعات والتكهنات والتحليلات والفرضيات في ظل قليل من المعلومات غير المؤكدة عن جذور وأسباب ودوافع وخلفيات الانفجار.

بعض ما تناقلته الأنباء أن شحنة نترات الأمونيا التي تسببت في الانفجار كانت منذ العام 2014 على متن سفينة جيورجية قادمة من أوكرانيا يملكها رجل أعمال روسي يقيم في قبرص، وأنها كانت متجهة إلى موزمبيق لكنها توقفت في ميناء بيروت (لأسباب غير معروفة) وأن سلطات مرفأ بيروت تحفظت على السفينة ومحتوياتها بسبب مخالفات تتعلق بالشحن والأمان وأسباب أخرى لكن طول مدة احتجاز السفينة قد دفع رجل الأعمال إلى إعلان تخليه عن الشحنة.. كما تخلت الشركة المالكة للسفينة عن السفينة، وهو ما يعتقد أنه كان سببا في احتجاز الشحنة وربما مصادرتها وخزنها.

وأياً كانت حقيقة تلك الأنباء فإن المؤكد أن مواد نترات الأمونيا، التي تستخدم في صناعة مواد التسميد وكذا في المواد التفجير قد خزنت في مستودع قرب الميناء وبالقرب من منطقة صوامع الحبوب وأحياء سكنية مكتظة بالسكان، وبقيت على حالتها لمدة ست سنوات، وكان يكفي إشعال عود ثقاب واحد لتحويل المنطقة إلى حطام وهو ما جرى سواء كان التفجير بمادة وقود أو صاروخ أو حتى لعبة نارية أو عود ثقاب.

تعددت التأويلات والتحليلات والتفسيرات المتدرجة بين تهمة التقصير، وهي وحدها كافية لمحاسبة أعداد كبيرة من المسؤولين الذين تناوبوا على المراكز والوزارات والإدارات ذات الصلة بالمرفأ والخدمات الملاحية والتموينية وسياسات الاستيراد والتخزين، والبيئة والأمن حتى رئاسات الوزراء وسواها، إلى الاعتقاد بأن العملية مدبرة، مع ترك أبواب الافتراض مفتوحة لتحديد من يكون قد دبر العملية ونفذها.

في حالة التعاطي مع افتراض أن العملية مدبرة يبقى هناك طرفان يمكن اتهامهما بالوقوف وراء العملية، دون إعفاء من سكت على وجود هذا الخطر أو تجاهله أو اهماله على مدى ست سنوات.

والطرفان هما إيران وذراعها في لبنان حزب الله، وإسرائيل.

تفسير التورط الإسرائيلي في هذه العملية امر مفهوم، فقد سبق لحسن نصر الله ان تحدث عن فرضية قصف مستودعات مشابهة في إسرائيل لمحو مدن كاملة من الوجود، وحينما تعلم المخابرات الإسرائيلية (ولا شك أنها قد علمت) بوجود هذه المواد في تلك المنطقة الحيوية فإن مسألة التنفيذ تغدو مجرد إجراء رَتيني لا يستدعي جهدا خارقاً أو معجزة استثنائية، بغض النظر عن إنكار المصادر الإسرائيلية صلة إسرائيل بالحادثة للتهرب من المسؤولية عن تداعياتها الجنائية والإنسانية.

لماذا يمكن لحزب الله ومن ورائه إيران القيام بهكذا عملية؟

من المعروف أن لبنان يمر بأزمة عاصفة أوشكت أن تجعل من لبنان دولةً فاشلة، وهو ما حذر منه منذ أيام وزير الخارجية الفرنسي، ويعلم الجميع أن حزب الله ومعه حليفه التيار الوطني الحر بزعامة الرئيس ميشيل عون وصهره جبران باسيل، هو المهيمن على الحكومة الحالية، وبالتالي فإن وضع الانهيار الذي توشك لبنان على الدخول فيه وتنامي الغضب الشعبي بسبب تردي الأحوال المعيشية للناس، وانهيار قيمة العملة اللبنانية، يجعل حزب الله وحلفاءه في مأزق يحتم عليهم البحث عن حل ولو أدى الأمر إلى افتعال كارثة كتلك التي جرت يوم الأول من امس.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك اقتراب موعد إعلان المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، والذي لا يستبعد كثيرون تحميل حزب الله والمخابرات الإيرانية مسؤولية ارتكابها، في ظل هذه الالتباسات المعقدة، يمكننا عدم استبعاد أن يسخر حزب الله والمخابرات الإيرانية أية أداة من ادواتهما لتتويه الناس عن معاناتهم وتطلعاتهم إلى قرار المحكمة الدولية.

ومهما تكن الأسباب وراء ما جرى في بيروت تقصيرا أم تدبيرا، تظل الجريمة مروعة وجائحة فوق ما تتحمله مفردتا الترويع والاجتياح من معان، وفيما لو جرت تحقيقات محايدة واحترافية ودقيقة فإن رؤوسا كبيرة وربما تيارات وقوى سياسية يجب أن تذهب إلى القضاء وقد يكون الحكم بالمؤبد أصحابها أمنية ينبغي أن يعتبر البعض الظفر بها مغنماً لا مغرماً.

حفظ الله بيروت واهلها الطيبين وكل الشعب اللبناني العزيز من كل ما يحيط بهما من الشرور والمكائد.

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك