محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

البحث عن صنعاء في وجوه الموتى

Wednesday 16 September 2020 الساعة 09:30 am

سابقاً كان المواطن في الريف ينظر إلى صنعاء كحلم، من يسافر إليها دخل الجنة، والقادم منها شخص مسكون بالإعجاب والدهشة، ومن يذهب للسكن والاستقرار فيها، يجد نفسه في حياة أخرى، ولأهلها في قلوب أبناء الريف مكانة كبيرة، إنهم من صنعاء ضيوف قلوبنا، لكنها اليوم على العكس تماماً، لقد تحولت إلى مقبرة كبيرة. 

بسقوط صنعاء والدولة فيها، سقطت مكانتها، وتحولت إلى مدينة يسكنها الألم والأسى، وذهب ما يميزها عن باقي المدن، نكهتها تغيرت وليلها موحش ونهارها دموع وتشرد وتسول، لقد تحولت من حلم إلى كابوس، ولم تعد تثير دهشة أحد أو تستفز إعجابه، هي اليوم كئيبة منزوية في ركن مظلم. 

عندما تسقط الدولة لا يكون هناك تميز في وضعية العاصمة، إنها تتحول إلى خرابة كبيرة، تفقد تميزها وتنوعها، وتصطبغ بلون الموت، أكثر ما يميز أي عاصمة هو وجود الدولة ومؤسساتها، عندها تصبح أم الجميع، وملاذ بقية المدن والأرياف، لكنها اليوم أبشع من توصف بالمخالب المنفّرة، طاردة للتنوع، وأنيابها تقف في كل شارع ومدخل إليها. 

هي اليوم خاضنة للفقر والخراب، مدينتها العتيقة تندثر ويتهاوى كل يوم جزء منها، تتساقط البيوت على ساكنيها، وتجرف السيول شوارعها وأناسها، ويقف الحوثي امام خرابها منتصراً ومنتشياً، عدواً تمكن من ذبح ضحيته بعد مطاردة لسنوات عدة. 

عندما تمشي في الشوارع سوف تصادف من لم تكن تتوقع أن يكونوا فيها، يمارسون التسول، ويبحثون عن لقمة العيش بعد أن جردهم الحوثي كل أساليب وطرق كسب العيش، يسقط الناس من الجوع، وقد استحوذ الحوثي على كل الموائد والأموال. 

من يتعمق في صنعاء سيجدها قد انتهت واندثرت، وتحولت إلى محافل للموتى الذين يسيرون بخطى وئيدة إلى أماكن دفنهم، يتحول كل شيء فيها إلى أنياب متوحشة، حتى وإن ظهر أحدهم في وسيلة إعلام مبتسماً، ذلك لأنه يقف أمام كاميرا مدفوع له مقابل ذلك.

لا يوجد إعلام حقيقي ينقل الصورة من داخل صنعاء، يسيطر الحوثي على كل صغيرة وكبيرة، وينشر أعينه راصداً أي نقل للحقيقة، ويشعر أنه في خطر كبير إذا تحدث غيره عن وضع صنعاء وأهلها، لأنه يتحدث عن وجعها من باب الاسترزاق وسرقة المساعدات الدولية، وليس من أجل إنقاذها. 

البحث عن صنعاء في وجوه الموتى لا طائل منه، لن نجدها، ولن نستطيع أن نرسم ملامحها التي تشبعت الذهنية الأولى بها، المليحة والجميلة، إلا إذا أعدناها من بين القبور، وأعدنا إلى شرايينها الحياة، وأسكتنا الظلام والكهنوت بشروق شمس يخبئها نقم وعيبان حتى يحين وقت السطوع.